يروي المهاجرون الجزائريون في شتى أنحاء العالم، قصصا إنسانية مؤلمة عن معاناتهم مع غلق الحدود الصارم الذي تفرضه سلطات بلادهم، ما حرمهم من رؤية ذويهم لأشهر طويلة.
ويبكي أبناء الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج، أقارب لهم غادروا الحياة دون أن يتمكنوا من رؤيتهم، كما يحزنون على حرمانهم من مقاسمة عائلاتهم لحظات الأفراح والأعراس والمواسم والأعياد.
ويعتقد أبناء الجالية الجزائرية في المهجر، أن النظام المطبق حاليا يسلط عليهم ظلما شديدا، ناهيك عن أنه يجعل بلادهم نموذجا فريدا في العالم؛ لأن غالبية الدول لا ترفض دخول مواطنيها في حال التزموا بإجراءات الوقاية.
وتنتظر هذه الفئة من الجزائريين، بفارغ الصبر أي قرارا يزيل هذه المعاناة المستمرة منذ 14 شهرا، لكن السلطات تبدو غير مستعجلة على فتح الحدود، مُعللة ذلك بالحالة الوبائية التي فرضها انتشار فيروس كورونا في العالم.
مساع للإقناع
وبهدف إقناع السلطات بمراجعة خياراتها، أطلق ائتلاف واسع لمنظمات الجالية الجزائرية في الخارج، حملة على مواقع التواصل تحمل وسم "من حقي ندخل بلادي"، تفاعل معها الجزائريون بقوة.
وقال هذا الائتلاف في بيان له؛ إنه منذ تاريخ 17 آذار/ مارس 2020 إلى اللحظة، لا يزال آلاف الجزائريين في الخارج يعانون الويلات، بعد أن أصبحوا عالقين بقرار فجائي.
اقرأ أيضا: غلاء وبطالة وإضرابات.. هل تواجه الجزائر أزمة اجتماعية؟
ومن هؤلاء العالقين، بحسب البيان، من غادر الوطن للعلاج وانتهت فترة علاجه، والطلبة الذين انتهت فترة دراستهم، والعمال والموظفون الذين انتهت عقود عملهم أو تم تسريحهم من وظائفهم، والمقيمون الذين تعطلت مصالحهم في الجزائر، أما المؤلم أكثر، فيشترك فيه المئات الذين فقدوا والديهم وأحبابهم، إذ لم يتمكنوا حتى من حضور جنائزهم لتوديعهم.
وأشار بيان الجالية إلى أن الدول كافة، عاشت مرحلة تعليق الرحلات بدرجات مختلفة، كما عملت على التكفل بمواطنيها العالقين خارج بلدانهم، في حين أن الآلاف من الجزائريين، حسبه، الذين غادروا الوطن للعلاج أو العمل أو السياحة، أضحوا بين عالقين ومشردين لأشهر طويلة في أزمة إنسانية عصيبة، رغم أن أغلبهم كان يمتلك تذكرة العودة.
وناشد البيان السلطات العليا في البلاد وعلى رأسها الرئيس عبد المجيد تبون بالتعجيل بفتح الحدود، مع الالتزام بالتدابير الوقائية المعمول بها دوليا وإنهاء مأساة الجزائريين في الخارج.
صمت مطبق
لكن هذا الطلب قوبل بالصمت لحد الآن، بحسب نور الإسلام توات نائب رئيس منتدى الجالية الجزائرية بتركيا، الذي كان من بين الموقعين على البيان ضمن 22 منظمة تابعة للجالية.
وقال توات في حديث لـ"عربي21"؛ إن ممثلي الجالية طرحوا حلولا واقعية أمام السلطات، منها إجراء فحص "بي سي آر" قبل دخول الجزائر، وإن اقتضى الأمر إعادته عند الدخول للمطار والالتزام بحجر صحي، وغير ذلك من تدابير الوقاية الصارمة.
وشدّد توات الذي فقد والده وجدته خلال فترة غلق الحدود، على أن الجالية في عمومها ترفض إجراء "الترخيص الاستثنائي" الذي وضعته السلطات كشرط لدخول البلاد.
واعتبر المتحدث أن هذا الترخيص ينظر إليه على أنه بمنزلة تأشيرة دخول ثانية للبلاد، كما تم تسجيل تلاعبات في طريقة منح من بعض الإدارات والممثليات الدبلوماسية، ما زاد من درجة الاحتقان.
موقف السلطات
وتُؤكد السلطات الجزائرية دائما، خاصة وزير الخارجية صبري بوقدوم، عند الاستفسار منه حول مسألة فتح الحدود، أن الأمر بيد اللجنة العلمية، في إشارة إلى أن القرار علمي وليس سياسيا، وينطلق من درجة المخاطرة استنادا لوضعية الوباء عالميا.
ويدافع كمال جنوحات رئيس الجمعية الوطنية لعلم المناعة، وأحد المختصين المقربين من السلطات، عن خيار غلق الحدود باعتباره جنّب الجزائر موجة ثالثة، تظهر آثارها بوضوح في الكثير من دول العالم.
وأشار الخبير في تصريحاته إلى أن المطالبين بفتح الحدود يريدون إدخال البلاد في موجة ثالثة، خاصة إذا علمنا أن فرنسا تسجل عشرات الآلاف من الحالات يوميا، وهي بلد يضم أكبر عدد من الجالية الجزائرية.
معايير مزدوجة؟
وأثير جدل واسع مؤخرا، بعد اكتشاف حالات من السلالة الهندية لكورونا في ولاية تيبازة غربي الجزائر العاصمة، ظهر أن حامليها سمح لهم بدخول الجزائر من الهند في الفترة الأخيرة.
كما أحدث بعض المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي جدلا لدى الجالية، ببثهم صورا لهم وهم يغادرون البلاد ويعاودون الدخول بكل سهولة، ما اعتبر "تمييزا".
ويعتقد أبو طالب شبوب، وهو صحفي جزائري مقيم في قطر، أن سبب "الاشتراطات الصحية" الذي تقدمه الحكومة لغلق الجزائر في وجه أبنائها المغتربين يظهر أنه غير واقعي، فعشرات الأجانب يدخلون ويخرجون من الجزائر دون اي مشاكل.
ويصل شبوب في حديثه مع "عربي21" إلى حد القول يائسا من الوضع الحالي: "ما أريده كمواطن مهاجر، هو أن تعاملني بلدي كشخص أجنبي!".
اقرأ أيضا: السلالة الهندية المتحورة تصل إلى دول عربية.. تعرف عليها (إنفوغراف)
وأضاف: "نعم، أنا جزائري أبا عن جد، ولكن هذا المعطى لا يقنع حكومتنا بتركي وغيري ندخل إلى بلادنا منذ سنتين.. طيب اعتبرونا أجانب عن هذا البلد الذي لا نملك أي جنسية غير جنسيته، وطبقوا علينا نفس الاشتراطات الصحية نفسها التي تطبقوها على الأجانب، ودعونا ندخل إلى بلادنا".
ويتحدث شبوب بحسرة عن زملاء له فقدوا أعمالهم؛ أي مصدر رزقهم الوحيد بالغربة، ولم يستطيعوا العودة إلى الجزائر، ما حوّلهم إلى شبه منفيين عن بلادهم، رغم أنهم لم يرتكبوا أي جرم، منهيا كلامه بالقول؛ "إني اتمنى أن تتم معاملتنا كأجانب.. هل هناك ما هو أفظع من أن يطلب جزائري هذا الطلب؟".
جاب الله: نشارك بالانتخابات للتغيير لا لخيانة الشعب الجزائري