نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن ترويج جيش الاحتلال الإسرائيلي بيانات كاذبة لوسائل الإعلام العالمية بهدف خداع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة واستهداف أكبر عدد من المقاتلين.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الجيش الإسرائيلي أعلن بعد منتصف الليل يوم الجمعة من خلال تغريدات على تويتر ورسائل نصية للصحفيين وتصريحات متحدث باسم الجيش يتحدث الإنجليزية، أن قواته البرية بدأت "هجوما على قطاع غزة".
وقد قامت العديد من المؤسسات الإخبارية الدولية، بما في ذلك صحيفة نيويورك تايمز، على الفور بنشر خبر توغل القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، وهو ما يُعتبر تصعيدا خطيرا في مسار الأحداث.
في غضون ساعات، تم نفي الخبر واتضح أن قوات الاحتلال لم تقتحم القطاع، بل اكتفت بإطلاق النار على أهداف في غزة من داخل الأراضي الإسرائيلية، بينما استمرت الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار في الهجوم من الجو، وأعلن متحدث عسكري رفيع المستوى مسؤوليته عن الخبر غير الدقيق وألقى باللوم على "ضباب الحرب".
تكتيك إسرائيلي
وبحلول مساء الجمعة، ذكرت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الخبر غير الصحيح لم يكن مجرد خطأ، ولكنه كان في الواقع جزءا من استراتيجية خداع متكاملة.
وقالت التقارير الإعلامية إن الهدف كان خداع مقاتلي حماس وإيهامهم بأن غزوا بريا قد بدأ، حتى يقوموا بالرد ويصبحوا في مرمى نيران جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضحت "نيويورك تايمز" أن المتحدث الناطق باللغة الإنجليزية، المقدم جوناثان كونريكوس، أصر على أن الخبر الكاذب كان خطأه، ولكنه لم يكن نوعا من الخداع، حيث أخبر المراسلين الأجانب في وقت مبكر من مساء يوم الجمعة بأنه أساء فهم المعلومات الواردة "من الميدان" ونشرها دون التحقق منها بشكل كاف.
لكن الصحافة الناطقة بالعبرية أشادت بالجيش الإسرائيلي بسبب نجاحه في استدراج مقاتلي حماس للتحرك داخل شبكة من الأنفاق التي قصفتها حوالي 160 طائرة إسرائيلية في موجة من الغارات الجوية التي بدأت حوالي منتصف الليل.
واستهلت محطة أخبار القناة 12 الإسرائيلية تقريرا لمراسلها العسكري بالقول "هكذا أصبحت الأنفاق فخاخا للإرهابيين في غزة"، ووصفت نشر المعلومات المضللة للصحفيين الأجانب بأنها "خطة مبرمجة". ونقلت الصحافة الإسرائيلية عن الجيش قوله إن الخطة نجحت، ولكن لا يمكن التحقق من هذا الادعاء بشكل مستقل، حيث لم تعلن حماس عن وقوع إصابات أو استهداف لعناصرها.
اقرأ أيضا: نائبة أمريكية تدعو لمعاقبة حكومة نتنياهو (شاهد)
وذكرت الصحيفة أن هذه التقارير عن احتمال استخدام وسائل الإعلام الدولية لإيقاع أكبر عدد من الخسائر في صفوف المقاتلين الفلسطينيين بقطاع غزة، أثار موجة من الأسئلة حول ما جاء في المؤتمر الصحفي الافتراضي للعقيد كونريكوس، بينما أصر المسؤولون الإسرائيليون على أن تصريحاته لم تكن رسمية.
وتساءل مراسلو "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"وول ستريت جورنال" والإذاعة الوطنية العامة ووكالة فرانس برس، والتي أعلنت جميعها عن طريق الخطأ عن غزو بري في وقت مبكر من يوم الجمعة، حول حقيقة تحويلهم إلى أداة دعاية بيد الجيش الإسرائيلي، وسبب تأخر الإعلان عن عدم مصداقية الخبر، وكيف يمكنهم مستقبلا أن يثقوا في البيانات الرسمية التي يصدرها الجيش.
موجة اعتراضات
وقد قال الكولونيل كونريكوس، وهو ضابط مخضرم إنه لم تكن هناك "محاولة لخداع أي شخص أو جعلكم تكتبون أي شيء غير صحيح"، مضيفا أنه "يمكنني أن أفهم أن الأمر قد يبدو مختلفا" وأنه شيء "محرج".
لكن الكولونيل كونريكوس، الذي من المقرر أن يتقاعد من الجيش في نهاية حزيران/ يونيو، أقر أيضا بأن الجيش سعى بالفعل لخداع المقاتلين في غزة، من خلال تكتيكات مثل تحريك أعداد كبيرة من الدبابات والمدرعات إلى الحدود، كما لو أن الغزو كان سيحدث بالفعل.
وقال كونريكوس إن الهدف كان إجبار مقاتلي حماس على الخروج من مخابئهم والبدء بإطلاق النار على القوات الإسرائيلية، ما يسمح باكتشاف مواقعهم وتدميرها، وخداع مقاتلين فلسطينيين آخرين للتحرك داخل شبكة الأنفاق تحت الأرض.
لكن ذلك أثار موجة اعتراضات من الصحفيين ووسائل الإعلام التي يعمل مراسلوها في قطاع غزة، مؤكدين أن ما يقوم به الجيش الإسرائيلي يعرضهم لخطر أكبر.
وقد أعرب دانيال إسترين، مراسل الإذاعة الوطنية العامة في القدس المحتلة، عن استيائه مما حدث قائلا: "إذا وقعنا في فخ الاستغلال، فهذا غير مقبول. أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فما الذي حدث، ولماذا تنقل وسائل الإعلام الإسرائيلية على نطاق واسع أننا تعرضنا للخداع؟".
وحسب "نيويورك تايمز"، فإن مكتب المتحدث باسم جيش الاحتلال الاسرائيلي استخدم تكتيكات خداع مماثلة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك سنة 2019، عندما نُظمت عملية إجلاء طبي مزيفة لجنود جرحى عبر طائرة هليكوبتر، لإيهام وسائل الإعلام اللبنانية بأن الهجوم الصاروخي الذي شنه حزب الله أسفر عن إصابات في صفوف الجنود الإسرائيليين.
وانتظر مكتب المتحدث الرسمي ساعتين -وهي فترة كافية لمقاتلي حزب الله لإعلان النصر والانسحاب من المنطقة-، قبل الإعلان عن عدم إصابة أي جندي إسرائيلي في العملية.
تطور خطير
ويرى عاموس هاريل، المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن مشاركة مكتب المتحدث الرسمي للجيش في خداع وسائل الإعلام تطور مثير للقلق.
وقال هاريل في هذا السياق: "إنه أمر خطير للغاية بالنسبة للجيش الاسرائيلي أن يكون متهما بتضليل الصحافة الدولية، لا سيما عندما يكون هناك تصعيد مع حماس، حيث تحتاج إسرائيل بشكل كبير إلى وسائل الإعلام العالمية لتبرير موقفها".
وأضاف هاريل: "إنه أمر خطير بالنسبة للصحفيين أيضا. قد يتناسى الجيش الإسرائيلي أن الصحفيين موجودون على الجانبين، وقد يكون هناك خطر على حياتهم إذا اشتبه الفلسطينيون بأنهم يشكلون جزءا من عمليات الخداع الإسرائيلية".
طوال الأسبوع، أدى تدهور الوضع إلى موجة من المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي وتداول الكثير من الأخبار الكاذبة على نطاق واسع النطاق عبر مقاطع الفيديو أو الشائعات حول تحركات القوات الإسرائيلية أو التهديدات من الجانب الفلسطيني. ويشعر الخبراء بالقلق من هذه الممارسات التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
"ليس فرقا كبيرا"
جاء إعلان الغزو الكاذب في الساعة الـ12:22 من صباح يوم الجمعة، في بيان غامض باللغة الإنجليزية يقول إن "القوات الجوية والبرية للجيش الإسرائيلي تشن هجمات في قطاع غزة حاليا". لم يكن غموض كلمة "في" موجودا في النسخة العبرية من البيان، الذي صدر قبل ذلك بدقائق قليلة. لكن عندما سأل المراسلون الغربيون الكولونيل كونريكوس، فأكد لهم أن القوات الإسرائيلية موجودة داخل غزة.
في المؤتمر الذي عقد يوم الجمعة، حاول الكولونيل كونريكوس التقليل من شأن ما حدث من تضليل مدعيا أن الفرق كان "حوالي بضعة أمتار فقط - إنه ليس فرقا كبيرا جدا".
في الساعة الـ1:43 صباحا، قدم روي شارون، المراسل العسكري لـ"كان نيوز" الإسرائيلية، إجابات مؤكدة: "هذا ليس غزوا بريا.. لا يوجد غزو بري على قطاع غزة. أنا لا أفهم هذا الادعاء الغريب".
WP: تجاهل واشنطن للعدالة يورطها بتشريد شعب فلسطين
FP: أحداث غزة والداخل المحتل فاجأت بايدن.. وهذا ما لديه
نتنياهو : ما يجري بالداخل أشد خطرا علينا.. معركة على جبهتين