قضايا وآراء

الاحتضار السياسي والوطني لسلطة أوسلو

1300x600
تشهد فلسطين التاريخية منذ انطلاق المواجهة بين المقاومة الفلسطينية في عمق غزة وبين دولة الاحتلال؛ حالة من الوضوح السياسي في الشارع الفلسطيني بين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم في أرض فلسطين التاريخية وفي مخيمات اللجوء والشتات الفلسطيني.

ما إن بدأت عمليات التطهير العرقي التي شنها الاحتلال الإسرائيلي بترسانته العسكرية الأعتى في المنطقة العربية، حتى بدأت الآراء المطالبة لمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية بالتدخل وإعلان تمرد للأجهزة الأمنية التي يمثل عدد أفرادها ما يزيد على الثلاثين ألف عنصر أمن مسلح.

انتشرت أعتى المواجهات بين فلسطينيي الداخل المحتل لعام ١٩٤٨ والاحتلال، وظل الوضع كما هو عليه في مناطق السلطة الفلسطينية دون المستوى الذي يعبر عن نبض الشارع، بسبب قيام الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بالسيطرة على بوادر الهبات الشعبية وضبطها على سرعة الاتفاقيات المنعقدة بين السلطة والاحتلال.

حين تفاقمت الضغوط الشعبية وعلا صوت الجماهير على صمت المقاطعة في رام الله، خرج آلاف الفلسطينيين للشارع واشتبكوا بشكل مباشر مع الاحتلال في نقاط التفتيش العسكرية، حصل ذلك في انتفاضة جماهيرية تعكس غضب الشارع الفلسطيني الذي حاولت قمعه أجهزة أمن السلطة الفلسطينية لفترة طويلة، كذلك حاولت احتواء غضبه الشعبي تحت التهديد بالقمع أو الاعتقال خاصة لعناصر حركة حماس والجهاد الإسلامي.

ما حصل في المواجهات الشعبية في الضفة يعكس حالة الالتحام الشعبي بين كافة الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، وعكس الغضب الجماهيري من أجل ضحايا عمليات التطهير العرقي في غزة، وضحايا عنف واعتداءات وبطش الجيش والشرطة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في الداخل المحتل لعام ١٩٤٨، كذلك عكس حالة الكيان المشترك بين المكون الفلسطيني على امتداد فلسطين التاريخية والذي لم تستطع كل خطط التهويد والأسرلة أن تنال منه.

إن حالة الصمت الطويل التي غرقت بها المقاطعة في رام الله، كذلك حالة التخبط والتباطؤ في اتخاذ المواقف، عكست انسلاخ السلطة الفلسطينية وقياداتها عن نبض الشارع الفلسطيني، فكان الإعلان عن مواعيد اجتماعات متأخرة ولا تواكب الأحداث ولا تطلعات الجماهير، وكان أمرا مستفزا للشارع الفلسطيني، حتى ذهب نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ليسألوا قيادات السلطة على صفحاتهم: هل لديكم عمل آخر؟ هل أنتم تعملون قيادات غير متفرغة في السلطة؟ هل تتقاضون أنصاف رواتب فتضطرون لأعمال تؤخركم عن عقد الاجتماعات الطارئة؟ لماذا لا تتواجدون بغرفة طوارئ مشتركة؟

تعرضت القيادات الفلسطينية لنقد حاد من الشارع على أساس تقصيرها في إسناد غزة، وتوفير الحرية للجماهير التي أرادت الاشتباك المباشر مع الاحتلال الذي راح يسحب جنوده من الضفة ويرسلها لمدن الداخل المحتل لعام ١٩٤٨ لقمع اشتباكات الداخل، في مشهد أغضب الفلسطينيين في الأراضي تحت سيطرة السلطة، واصفين سلطة أوسلو بأنها تحمي ظهر الاحتلال وتزيد من خسائر المقاومة الفلسطينية في غزة والقدس ومدن الداخل المحتل.

لم يطل الأمر كثيراً حتى أخذ الشعب زمام المبادرة، وتم تنظيم مظاهرات واحتجاجات وخرج الشارع الفلسطيني للإشتباك مع الاحتلال في الأراضي المحتلة لعام ١٩٦٧، وأخذت القيادة الجماهيرية من الشباب تنظم لتلك المظاهرات والاحتجاجات، كذلك لإضراب الكرامة الموحد الذي امتد على كل فلسطين التاريخية بتاريخ ١٨ أيار/ مايو ، وبدأت كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح حزب السلطة بالظهور وإعلان اندماجها في المقاومة المسلحة وإسناد المقاومة في غزة، في مشهد بدت فيه السلطة خارج ترتيب الزمان والمكان وبأنها على هامش الأحداث.

أغرق محمود عباس والقيادات الفلسطينية الفلسطينيين بصمتهم، حتى فاضت المطالبات بضرورة أن لا يكونوا جزءا من أي ترتيب سياسي للمرحلة القادمة، وعلت الأصوات المطالبة بضرورة أن يرحل محمود عباس، وأن يتم سحب الاعتراف بإسرائيل وكذلك إلغاء الإتفاقيات كافة مع الاحتلال وإلغاء التنسيق الأمني.

صمّت السلطة الفلسطينية آذانها عن مطالب الشارع، وذلك كان واضحاً في الخطابات المهترئة التي قابل بها محمود عباس الشارع الفلسطيني والعالم، والتي تدل على أن القيادة في المقاطعة عزلت نفسها سياسياً وثورياً عن الشارع الفلسطيني بتقديمها خطابا ركيكا، ولعدم سعيها للتخلص من التقسيم الجغرافي والنضالي بمواكبة الأحداث المتفجرة على مستوى فلسطين التاريخية.

طالب الفلسطينيون في جميع أماكن تواجدهم، بعد أن وحدهم الاشتباك المباشر مع الاحتلال وأنهى هذا الاشتباك الشعبي الموحد التقسيم الجغرافي والنضالي للفلسطينيين، بأن تكون لهم قيادة سياسية جامعة وموحدة وناطقة باسمهم جميعاً خارج مسار أوسلو والتسوية السياسية المذلة. وانضم القائد الفتحاوي مروان البرغوثي للمطالبة بضرورة أن تندمج الجماهير الفلسطينية مع المقاومة؛ كان ذلك من سجنه مما تسبب في عزله الانفرادي، وعكس موقفه حالة ثورية مختلفة وحالة انشقاق عن موقف حزب السلطة الذي حاول احتواء غضب الشارع بالصمت.

المراقب للدعوات الفلسطينية الداعية لتوحيد قيادتهم يشهد انتقال الثقل الخاص بالقرار السياسي والسيادي والعسكري الفلسطيني من مقاطعة رام الله، إلى مركز المقاومة في غزة، حيث بدأ الشعب الفلسطيني يتبع التوجيهات التي يوصي بها قيادات المقاومة في غزة ويتمثلها من أجل إسناد المقاومة فيها. وهذا مؤشر عام واستفتاء عام على عدم شرعية قيادة أوسلو التي لم تنسجم مع نبض الشارع الفلسطيني لا بفترات السلم ولا بفترات الحرب، وأصدرت جملة قرارات عنصرية في السابق تهمش فيها قطاع غزة بشكل مباشر وتشترك في حصاره اقتصادياً ونضالياً وجغرافياً مع دولة الاحتلال.

لا شك في أن المواجهة الدائرة الآن أوضحت رفض الشارع الفلسطيني لصمت السلطة الفلسطينية التي تعمدت الصمت في قلب العاصفة والمواجهة المحتدمة، كي تبدو هي الحارس لأمن الاحتلال والخيار الأمريكي والإسرائيلي الوحيد من بين المكونات الفلسطينية؛ ذلك الخيار الذي سيحرس أمن دولة الاحتلال وسيتصرف بما يمليه عليه أمن الاحتلال.

إن التقديرات الشعبية لنسبة حيوية السلطة الفلسطينية وتماشيها مع المشروع الوطني التحرري الفلسطيني؛ تعكس حالة الاحتضار السياسي والوطني التي تعيشها تلك الطبقة الفاسدة على مستويات أداء عديدة، منها الاقتصادية والأمنية والسياسية والعسكرية. أتت هذه الأحداث الدائرة لتوضح وتكشف علل وعيوب السلطة تحت الاحتلال، والتي تشارك في تثبيط الشارع والوقوف بينه وبين آماله في التحرر الكامل، بالذات أنها سلطة وظيفية ومتهالكة على كافة المستويات.

الشعب الفلسطيني الذي أبهر العالم بصموده وتحديه وتمسكه بمكوناته الوطنية؛ ساهمت هذه المواجهة في صقل وعيه الوطني والتحرري الكامل، وأفرزت حالة من الرفض لمشروع التسوية السياسية المذل الذي يستثني فلسطينيي الداخل المحتل والشتات من الجسد الفلسطيني الكامل. فالسلطة الفلسطينية المساهمة المحدودة بدت كذلك شركة استثمارية محدودة، مقصورة على طبقة سياسية متنفعة من استمرار الاحتلال، والتي لا يسمح الترتيب الوحدوي الفلسطيني الحالي الذي أعلن رفض التقسيمات الجغرافية والنضالية أن يعتمدها ممثلة شرعية له.