مع بدء سريان وقف إطلاق النار بين "جيش" المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال في قطاع غزة، بدت ملامح دولة فلسطينية تتشكل، بحسب مراقبين.
سياسيا
· أصبح الفلسطينيون يشعرون بأنهم وحدة واحدة لأول مرة، كما لم يحصل من قبل. ولمس كتّاب ومتابعون عرب وأجانب رمزية انطلاق الجولة الأخيرة من الحرب، كنتيجة لرد المقاومة الفلسطينية في غزة على اعتداءات الاحتلال في القدس. بدأت المعركة بعد أيام من رفع أهالي القدس شعارات في المسجد الأقصى تطالب قائد كتائب القسام "محمد الضيف" بالرد على انتهاكات الاحتلال. التقطت المقاومة هدا النداء، وردت على الاعتداءات بعد توجيه تحذير للاحتلال.
· رأت صحافة الاحتلال تدخّل المقاومة في غزة بالصراع في القدس خطرا كبيرا، وبحسب صحيفة "إسرائيل اليوم" اليمينية، فإن أخطر ما حصل هو ربط القطاع بالقدس، وتدخّل المقاومة في شأن مقدسي. يدرك الاحتلال خطورة هذا الأمر، لأنه يمثل نواة لتشكيل ملامح دولة فلسطينية يرتبط أبناؤها في كل مدنها وقراها بقضايا بعضهم البعض، ويناضلون في مشروع وطني موحد، تمثل "العاصمة" فيه رمزية كبيرة.
· زادت خطورة الصراع من وجهة النظر "الإسرائيلية" بدخول سكان المدن المحتلة عام 1948 على خط المواجهات والمظاهرات. انسجم الفلسطينيون في هذه المدن سريعا مع النسيج النضالي الفلسطيني الواحد بمجرد تدخل المقاومة للدفاع عن القدس. اعتبر الاحتلال مشاركة فلسطينيي الداخل خطرا كبيرا، ولهذا فقد كان لافتا تصريح وزير الحرب بيني غانتس بعد أيام من بدء العملية العسكرية، الذي قال فيه إن "إعادة السلم في مدننا يوازي أهمية الانتصار في غزة". يعدّ دخول فلسطينيي الداخل ملمحا مهما من ملامح الدولة الفلسطينية؛ إذ إنه يمثل علامة على وحدة فلسطين التاريخية من الناحية الشعبية والنضالية على حد سواء، ولعل رفع علم دولة فلسطين في هذه المدن من أخطر ما حصل خلال الحرب من وجهة نظر الاحتلال.
· ثبّتت المعركة القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية التي بدأت تتشكل ملامحها، فهذه أول مرة تندلع فيها حرب عسكرية بين "جيش" المقاومة الفلسطينية وبين الاحتلال بسبب القدس. وضعت المعركة قاعدة اشتباك جديدة، مفادها أن القدس كعاصمة يجب ألّا تمس من قبل الاحتلال، لأن الاعتداء على "العاصمة" يعني اعتداء على السيادة الفلسطينية التي ستفرض نفسها شيئا فشيئا، ولأن هذا سيعني حربا يدفع فيها الاحتلال ثمنا لجرائمه، برغم خسائر الفلسطينيين على صعيد الأرواح والممتلكات. تشكل رمزية "العاصمة" في المعركة ملمحا مهما من ملامح الدولة الفلسطينية، التي بدأت تتشكل كما لم يحدث من قبل.
يمكن القول، إذن، إن ملامح الدولة الفلسطينية التي شكلتها المعركة الأخيرة هي كالتالي: مقاومة تتصرف كجيش لا يسمح بالمس بعاصمة دولته، ومواطنون في أي مكان من هذه الدولة يعرفون أن لهم ظهيرا يمكنهم أن يهتفوا باسمه ويطلبون حمايته، وعندما يتحرك هذا "الجيش" لحمايتهم يهب مواطنو هذه الدولة التي تتلمس طريقها للتشكل التدريجي للمساهمة في الدفاع عن مدن أخرى بعيدة تناضل أو تتعرض للعدوان العسكري. لا يوجد صورة في التاريخ الفلسطيني تماثل ما حدث في الأيام الاثني عشر السابقة على طريق تشكيل الدولة الفلسطينية.
عسكريا
· ظهرت كتائب المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب بشكل منظم، يشبه إلى حد كبير تنظيم الجيوش، وليس مجرد كتائب متفرقة. بدا هذا واضحا من خلال التنسيق الذي ظهر فيه العمل العسكري خلال الحرب، فقد بدأت الحرب بقرار واضح من قائد كتاب القسام بعد أيام من توجيه تحذيرات للاحتلال لوقف الاعتداءات على القدس، ثم تصرفت الكتائب المختلفة التابعة للفصائل وفق تصور واضح من حيث توقيت الضربات ونوعها وقواعد اشتباك متفق عليها.
· لم تؤد الضربات التي قالت قوات الاحتلال إنها وجهتها للفصائل المقاومة لتعطيل التنظيم والرد، ما يعني أن قيادة المقاومة كانت قد أعدت مسبقا خططا أصلية وأخرى بديلة لمواجهة ما قد يصيب قياداتها من ضربات. هذه الخطط تشبه خطط الجيوش المنظمة التابعة لدول وليس خطط الكتائب البدائية.
· أعلن الاحتلال أنه وجه ضربات عسكرية لقادة لواءات في كتائب القسام، ولقوات بحرية تابعة لها، ولقيادة مخابراتها، ولمكاتب ادعى أنها تابعة لجيشها السيبراني. بغض النظر عن صدق مزاعم جيش الاحتلال حول هذه الضربات، إلا أن الإعلان يحمل دلالات بالغة عن طبيعة "الجيش" الذي تمتلكه الكتائب، فهو يشبه جيوش الدول بصورة مصغرة، ويحوي أجهزة مخابرات ولواءات وسلاح بحرية، وأمنا إلكترونيا، وليس مجرد كتائب يقودها هواة.
· بعد موافقة المقاومة على التهدئة، تصرفت كافة الكتائب في "غرفة العمليات المشتركة" أيضا كجيش منظم. لم يخالف أي تنظيم قرار التهدئة، ولم يتجاوز أي فصيل ساعة سريان وقف إطلاق النار، واستطاعت المقاومة أن تقدم ردا واحدا يعبر عن جميع الفصائل للوسيط المصري. هذه ملامح "جيش دولة" أكثر منها فصائل مختلفة وغير منظمة.
· مع اقتراب وقف إطلاق النار، خرج الناطق باسم "كتائب عز الدين القسام"، أبو عبيدة، ليعلن عن الاتفاق وطريقة تنفيذه. تحدث أبو عبيدة باسم الغرفة المشتركة التي تمثل جميع الفصائل. مثّل هذا الخروج ملمحا من ملامح "جيش" لدولة تتشكل، لديه قائد واحد، ومتحدث رسمي واحد. عمليا، كان الناس في داخل فلسطين وخارجها ينتظرون تصريحات أبو عبيدة باعتباره ناطقا باسم "جيش فلسطين". صحيح أنه جيش لا يمتلك قدرات جيش الاحتلال أو جيوش الدول الأخرى، لكنه يمتلك تنظيما ووحدة قرار واستراتيجية للحرب مع الاحتلال.
لم يتحقق التحرير لفلسطين من الاحتلال بعد، ولم تتشكل الدولة المستقلة المنشودة، ولكن فلسطين -أرضا وإنسانا ومقاومة- لم تظهر من قبل، وكأنها ملامح دولة تتشكل كما ظهرت خلال هذه الحرب.
الأردنيون يحشدون لمسيرة نحو حدود فلسطين الجمعة
النظام المصري يسمح لفلسطينيين بمغادرة غزة (شاهد)
المقاومة تواصل قصفها والاحتلال يعترف بسقوط 120 صاروخ ليلا