سياسة عربية

هل تحقق المسيرات نحو الحدود الأردنية الفلسطينية مرادها؟

SPlCa
يحرص آلاف الأردنيين على الحشد والمشاركة في المسيرات المتجهة نحو الحدود مع فلسطين، ما يثير تساؤلات حول قدرة هذه المسيرات في الضغط على الحكومة لاتخاذ "مواقف ترقى إلى مستوى الحدث" كطرد السفير الإسرائيلي، وإلغاء اتفاقيتي وادي عربة والغاز، كما يقول المشاركون في هذه الفعاليات.

وللجمعة الثانية على التوالي؛ يتداعى الأردنيون للمشاركة اليوم في مسيرة باتجاه الحدود الأردنية الفلسطينية، إثر دعوة للحركة الإسلامية بجناحيها حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين، للاحتشاد في منطقة السويمة بالبحر الميت، في فعالية حملت عنوان "القدس عنوان النصر".

ووفق الناطق الإعلامي لحزب جبهة العمل الإسلامي، ثابت عساف، فإن المسيرة التي أعلنت عنها الحركة الإسلامية للتوجه نحو الحدود، الجمعة، "ليست فعالية يتيمة، وإنما تأتي ضمن حملة كبيرة من الفعاليات التي أقامتها الحركة وعموم الشعب الأردني لخدمة القضية الفلسطينية".

وأضاف لـ"عربي21" أن مسيرة الحدود "ترمز إلى أن الشعب الأردني هو الأقرب إلى التحرير والقدس، وأن أبناء الوطن كلهم موحدون لرفع البنادق تجاه العدو الصهيوني الغاصب، ولتحطيم الاستراتيجيات التي سعى الجانب الرسمي إلى ترسيخها في نفوس الأردنيين للتفريق بينهم، وإثارة النعرات العنصرية في صفوفهم".

وسيلة ضغط

ورأى عساف أن التوجه نحو الحدود الفلسطينية، يعبر عن "أشواق حقيقية" نحو الجهاد والعودة والتحرير، متابعا: "منذ عقود؛ لم نسمع عن اجتياز الحدود من قبل شباب يحملون أسلحة بيضاء، ويجتازون هذا الوهم المصطنع في العقل اللاواعي للمواطن الأردني".

وأوضح أن هناك حوالي أربعة أفواج شبابية عبرت الأسبوع الماضي الحدود باتجاه فلسطين، مشيرا إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي سلمّ اثنين من مخترقي السياج الحدودي، وما زال يحتجز اثنين آخرين، وبعضهم دخل وعاد وحده، والمعلومات تشير إلى وجود ثلاثة آخرين داخل الخط الفلسطيني، لم يتمكن العدو من الإمساك بهم".

وحول موقف الحكومة الأردنية وأجهزتها من مسيرات الحدود؛ قال عساف؛ إن "الجهاز الرسمي لا يرغب بمثل هذه الفعاليات"، لافتا إلى أن "رمزية المكان كافية لتشويه وتحطيم الصورة النمطية التي أرادت الحكومات الأردنية المتعاقبة ترسيخها في أذهان الشعب، والتي هي قائمة على بناء علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني، وخذلان المقاومة".

وبيّن أن السلطات الأردنية "اعتقلت 450 مشاركا في مسيرة الحدود التي أقيمت الجمعة الماضي، وألزمت كثيرين منهم على التوقيع على تعهدات بعدم المشاركة في مسيرات وتجمعات، مشيرا إلى أن الدولة تتعامل مع مسيرة الحدود بحساسية أكبر من غيرها، كونها تؤثر على أحد الأدوار المهمة لها".

واستدرك عساف بالقول؛ إن "التعامل الرسمي والأمني مع الفعاليات برمتها منذ اندلاع المواجهات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية أقل غلظة بكثير من المرات السابقة، وهذا يدل على زخم التفاعل الشعبي الذي لا يمكن وقفه بالقوة الأمنية".

وأكد أن الفعاليات المقامة بالقرب من الحدود الفلسطينية وغيرها من الأنشطة الاحتجاجية، تحرج موقف الأردن الرسمي بشكل كبير؛ لأن مستوى تجاوبه مع الأحداث في فلسطيني دون المستوى المطلوب، مضيفا أن جميع الوقفات والمسيرات التي تجري في طول البلاد وعرضها، تشكل ورقة ضاغطة على النظام لاتخاذ خطوات داعمة للقضية الفلسطينية ولصمود الشعب الفلسطيني.

وحول القول بعدم جدوى هذه المسيرات في تحقيق أبرز شعاراتها، وهي طرد السفير الإسرائيلي وإلغاء اتفاقية وادي عربة؛ رأى عساف أن الشعب الأردني يقوم بالدور المطلوب منه كصاحب قضية وليس كمتضامن معها، مبينا أن "طرد السفير الإسرائيلي ليس هو المطلوب فقط لأنه أقل الواجب، وإنما المطلوب هو أن يقطع الأردن جميع علاقاته مع الكيان الصهيوني، ويحتضن المقاومة".

ورأى الناطق باسم "العمل الإسلامي" أن ما يجري اليوم في فلسطين سيكون له انعكاسات نفسية غير مسبوقة على العرب والمسلمين، متوقعا أن تشهد الأيام القادمة تفكيرا جادا بخطوات عملية لتحرير الأراضي المحتلة، "وسنرى نماذج تشبه نموذج مروان عرندس الذي نفذ عملية فدائية عبر الحدود الأردنية الفلسطينية، وأثخن في العدو".

ونفذ الأردني عرندس بصحبة رفيقيه خليل زيتون ورائد الصالحي، عملية فدائية في 8 شباط/فبراير 1991 بعد تسللهم من منطقة وادي عربة إلى داخل فلسطين المحتلة، حيث اشتبكوا مع 500 جندي إسرائيلي، وأسفرت العملية عن استشهاد الأردنيين الثلاثة، ومقتل وجرح حوالي 79 جنديا وضابطا إسرائيليا، بحسب إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية.

مجرد أمنيات

ورأت الناشطة والصحفية هبة أبو طه، أن "التاريخ الجميل لشهدائنا الأردنيين على ثرى فلسطين بدأ يعود بالفعل، رغم اتفاقيات الذل والعار"، متوقعة أن تشهد الحدود الأردنية الفلسطينية أعمالا بطولية "ولكنها ستكون فردية".

وقالت لـ"عربي21"؛ إن أهمية المسيرات المتجهة نحو الحدود مع فلسطين، تنبع من كون الأردن يمثل أطول خط حدودي مع الأراضي المحتلة، مضيفة أن الأردن وفلسطين تاريخيا وطن واحد، إلا أن الاستعمار والتآمر على الوطن العربي هو من قسمه إلى بلدين.

وأكدت أبو طه أن الشباب الأردني مستعد للوصول إلى الحدود والاشتباك مع الاحتلال الصهيوني، لافتة إلى أن الاقتراب من الحدود يعني الاقتراب من خط التماس، "وهذا ما يرعب الاحتلال، ويفسر تعامل الحكومة الأردنية مع هذه المسيرات بحساسية".

وحول لجوء السلطات الأردنية إلى اعتقال الذين حاولوا اختراق الحدود، وتوقيعهم كفالات مالية وتعهدات بعدم المشاركة في المسيرات مرة أخرى؛ قالت أبو طه؛ إن سياسة القمع والتعذيب وتكميم الأفواه تمثل نهجا لدى الدولة الأردنية، مشددة على أن منع الشعب الأردني من التعبير عن رأيه، يشكل مخالفة للدستور وانتهاكا للمواثيق الدولية.

ورأت أن الموقف الرسمي الأردني تجاه ما يجري في القدس وغزة وباقي الأراضي الفلسطينية "موقف متخاذل، ولو كان غير ذلك لأقدمت الحكومة على طرد السفير الصهيوني، وإلغاء اتفاقيتي وادي عربة والغاز، وخصوصا أن الشعب بجميع فئاته يتبنى هذه المطالب، ويلح على تنفيذها".

وبينت أن الجانب الرسمي لا يمكن أن يستجيب للمطالب الشعبية بمجرد إقامة مسيرة واحدة عند الحدود، "فنحن بحاجة إلى عمل متراكم وزخم شعبي في المطالبة باتخاذ الجانب الرسمي موقفا يرقى إلى مستوى الحدث، وعدم الاكتفاء بالاستنكار".

وحول توقعاتها إزاء اتخاذ الحكومة الأردنية مواقف أكثر حزما تجاه الاحتلال الإسرائيلي؛ أوضحت أبو طه أن الأردن الرسمي لن يستجيب للمطالب الشعبية، مضيفة: "أتمنى أن يقوم الملك الأردني عبدالله الثاني بإسقاط اتفاقية وادي عربة، وإلغاء اتفاقية الغاز التي تمول الاحتلال الصهيوني بأموال الشعب الأردني، ولكن هذه تبقى مجرد أمنيات".

ويجدر الذكر أنه بعد 11 يوما من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي خلّف 232 شهيدا، بينهم 65 طفلا و39 سيدة و17 مسنا، ومقتل 12 إسرائيليا وإصابة المئات؛ أعلنت "إسرائيل" قبولها مقترحا مصريا لوقف إطلاق النار؛ بدأ سريانه الساعة الثانية فجرا، واستمرت المقاومة بإطلاق صواريخ حتى حلول موعده.