حاول كثير من التنويريين العرب وأضرابهم من العلمانيين والليبراليين، إنكار النصر، والحطّ من شأن سيف القدس، لأنَّ الجماعة التي قادت المعركة دينية، ودعوا إلى نبذ الحرب والنضال السلمي والعاطفي والتآخي بين الصديق والعدو، والذئب والحمل، والنضال بالهتافات والورود ضد حارس الأسوار.
وحارس الأسوار أيضاً كيان ديني، ومغتصب شرس، ومختال، فخور، وعنصري يبني الأسوار العنصرية، ويحرسها، وهو شديد الشراهة، وكل استعمار شره. المحاولة الثانية كانت في سرقته كما سنرى.
وقد كتبت عشرات المقال في ذكر علامات النصر وصفاته وخصائصه، وهي مقالات متشابهة يزيد أحدها علامة أو خصيصة، ويُنقص آخر علامة، بل إنَّ عشرات المقالات الإسرائيلية تعترف بالهزيمة، وأخرى عالمية تحبونها ونصر قريب. وهناك علامة مهمة، وهي أن الهزيمة يتيمة الأبوين، أما النصر فله أكثر من أب، وما ظهور آباء كثر يدّعون أبوّة سيف القدس إلا بشارة. يتقدم الآباء الابن الضال عبد الفتاح
السيسي.
محاولة رئيس مصر سرقة النصر من "بنك الأهداف":
غزة فيها بنك أهداف آخر غير الذي قصده رئيس وزراء كيان دولة الأسوار، فقد أعلن جامع الفكّة و"البطاطين" باكراً عن
التبرع بنصف مليار "رز" ليست من ماله، واشترط لعطيته أن يكون هو المعمّر للجسور والمدينة الإدارية الجديدة في غزة، حتى يكسب ثواب عطائه مرتين؛ مرّة بالمال، ومرّة بالجهد. وربما يبني لأهل غزة مسجداً باسم الفتاح العليم، أو مسجداً باسم الماسة.
وحرص رؤساء دول على شكر المناضل عبد الفتاح السيسي، وشكر الملك الأردني، والرئيس التونسي الذي لم نعرف دوره، ربما سيأتي دوره في خطبة النصر، وكأنهم أبطال أغنية "سهرة حب" لنصري شمس الدين وفيروز، وإنهم هم الذين فتحوا "الردة"، فتطايرت في شرائط الأخبار المدائح الدولية لهذه الفضيلة، والإحسان الجميل من رئيس بخيل عُرف بالشح وبحرصه على الفكّة، حتى خشيت أن يصفوا السيسي بصلاح الدين الأيوبي الثاني!
ولم يتعجب المدّعون من كرمه، ولم يبلغنا حتى الآن أنَّ أحداً من حكومة غزة، أو حتى من حكومة أبي مازن بن فرناس قد دعا إلى تسمية شارع، أو عمارة في غزة باسم عبد الفتاح السيسي، شكراً له، وثناءً على هذه المكرمة، لكن ما هو مؤكد أن عباس بن فرناس
الفلسطيني قد وقع في حيص بيص وأحرجه النصر.
وقد تفضل بتلك الصدقة لكنه ضنَّ بكلمة ثناء على أهل فلسطين، أو كلمة عزاء، فلم يحسن النطق، ولم يحسن الحال، فأمواله مسمومة ومشروطة. وهو ليس مثل جمال عبد الناصر الذي كان يخطب خطباً مدوّية ويفعل نقيض خطبه، وليس مثل أنور السادات الذي انتصر في حرب أكتوبر وباعه بثمن بخس، وليس مثل مبارك أيضاً الذي كان يلعب بالبيضة والحجر، وكان يراعي مشاعر المسلمين..
الكلمة الوحيدة التي قالها السيسي في غزة، هي: "لن نترك غزة في حالها"، وهو ليس كقول محمد مرسي: "لن نترك غزة وحدها". وفلتات اللسان تعبر عن السرائر والجنان، بل إنَّ الذباب الإلكتروني الخليجي زعم أنَّ النصر هو مُلك لولي عهد خادم الحرمين، ومُلك ملك الأردن.
وكان السيسي قد منع دخول جرحى القسّام، وسمح بدخول المدنيين، وبقيت سيارات الإسعاف واقفة على معبر رفح تنتظر الركاب "والفكّة".
أشهر محاولات سرقة سيف القدس هي إنكار النصر، وهي أسخفها، فهم يقولون: أين النصر؟ فالنصر بزعم هؤلاء قوس قزح، وعرض ملكي وخيول، النصر لعبة أتاري، وفي آخر فيلم النصر نجد البطل يقبّل البطلة. وهنا لم يقبّل أحد أحداً، بل إن النساء كلهن محجبات في الفيلم، وثكالى، حتى إنَّ المرأة الوحيدة التي ظهرت غير محجبة في الفيلم، وكانت من حي الشيخ جراح، ذكّرت بالدين.. وإذا ذُكر الله "اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ".
يريدون حرباً من غير خسائر، وقد خسر سيف القدس ثلاثة عشر ضعف خسائر العدو البشرية، وربعها مادياً.. ويريدون نصراً من غير خسائر، مثل انتصارات أمريكا، التي تقصف بطائرات الشبح من السماء، أو مثل مسابقات لعبة "الحصن"، أو من يربح المليون.
فجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوّاً، وسووا بين خسارة فقير نازح بيتَه ومحتلٍ غاصبٍ سيارتَه ونزهتَه.
ومن المحاولات الإكثار من اتهام
إسماعيل هنية بالعمالة لإيران، والإكثار من صوره المختلقة، وهو يقبّل يد خامنئي، وهي صورة مختلقة، ومدلّسة، وملبِسة.. وقد شكرها في خطابه، ونسب فضلاً كبيراً لها، وهذا يعني في زعمهم أنَّ النصر مضروب ومغشوش. وأبدى إعلاميون كبار سخطهم على أسامة حمدان وإسماعيل هنية، وأغفلوا رفع كتائب القسام علم الثورة السورية في موقعها. إن جماعة حماس يحسنون خدع الحرب، ويلعبون لعبة الخدِّ والعين، والحرب خدعة.
المحاولة الخامسة هي الإشادة بالعدو وإنسانيته، بالتحذير قبل قصف الأبراج، وهو لم يحذّر سوى مرة أو مرتين من أصل مئات المرات ذرا للرماد في العيون، وخبالا.
ومن المحاولات نسب النصر لأبي مازن، بدليل ظهور وحش الشاشة مازن ابن أبي مازن في مظاهرة. وكنا نظنُّ أنَّ كنية أبي مازن كنية حركية وفنية، والتكنية تقليد فلسطيني، فلا بد أن يكون المناضل مكنّى، فالتكنية عادة فلسطينية وعربية استكثاراً وتخصيباً للشعب المناضل، وتخويفاً للعدو من الثأر والغضب الساطع القادم. وقد شارك "المناضل" مازن في مظاهرة في رام الله، بوصية من أبيه المُحرَج، الذي تخلّف عن القتال، فذُعر الحبيب العذول الإسرائيلي، واحتج على أبي مازن واعتبرها خيانة، وهي طريقة معروفة في سرقة الشارع.
ومن ذلك:
تجنّب مفتي السلطة الجديد في رام الله، محمد حسين الثناء على
المقاومة وأهل غزّة، وامتنع أو ماطل في الصلاة على شهداء غزة،
فوقع ما وقع في الأقصى، واتصل حراسه بجند الاحتلال، فاقتحموا الأقصى وأنقذوه من غضب المصلين، حتى إنني ظننت أنه همّ بالصلاة على قتلى حارس الأسوار!
وبرزت محاولات أوروبية وأمريكية كثيرة لسرقة السيف؛ منها تذكير حماس بضرورة الاتحاد مع عباس والانضواء تحت لوائه، فكأنهم يحرصون على الوحدة الفلسطينية وعدم شقّ الصف، مثلهم مثل شيخ العظة الشهيرة في الحكاية، الذي جمع حزمة عيدان حتى لا تتكسر آحاداً.
بل إن بايدن أكّد على ضرورة الاعتراف بأبي مازن، في شخصنة صريحة للسلطة. بل إن بايدن نفسه حاول سرقة النصر، فقد
كلم رئيس الوزراء الإسرائيلي "مكالمة فظّة" حتى يوهم الفلسطينيين بأنه معهم، ودعا إلى إطلاق قطار التسوية، وطرح حل الدولتين المطروح منذ مائة سنة، وقد اهترأت السكة، ولا بد من تجديدها لسفر المفاوضين، فالحياة مفاوضات كما قال "الفيلسوف" صائب عريقات.
ستحاول القوى الدولية خلق بشار أسد فلسطيني، أو سيسي فلسطيني، فلا يفلّ الحديد إلا حديد من جنسه وبأسه.
من محاولات سرقة النصر، توارد الطلبات الأمريكية باحترام سكان الشيخ جراح (يعني نزعهم من بيوتهم بطريقة محترمة)، بدلاً من التأكيد على الحفاظ على حقوقهم والتحذير من طردهم من بيوتهم، وادّعاء مناصرتهم لكسب قلوب العرب.
ومن المحاولات، الزعم بأن غزة لم تنتصر، ما حدث أن إسرائيل خسرت عطف أصدقائها، بصعود اليسار الأمريكي سدّة السلطة.
ومن المحاولات محاولات "البراهمة" - الذين يزعمون أنهم أتباع الإبراهيمية - صرف النظر عن غزة بموت ابن فطوطة.. المحاولات لن تكفّ عن تحويل النصر العسكري إلى هزيمة سياسية.
كان سيفا مباركا حاول الجميع التبرك به.. الصَديقُ الذي أَعْيَا والعدوُّ المُدَاجِيَا.
twitter.com/OmarImaromar