لا تستطيع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن تنجح في مهمة تثبيت "التهدئة" وإمداد القطاع المحاصر بالمساعدات الإنسانية التي يحتاجها أهله، أو الشروع في إعادة إعمار غزة، من دون أن تجد وسيلة لإدماج حماس في هذه العملية.. ولا يمكن لأنتوني بلينكين وطاقم الخارجية والأمن القومي، المضي قدماً على طريق "تسوية" الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتجسيد "حل الدولتين"، في الوقت الذي تتجاهل فيه واشنطن، موقع حماس في المعادلة الفلسطينية الداخلية.
حتى الآن، تبدو مقاربة واشنطن حيال حماس ودورها على هذه المسارات، محكومة بالابتزاز الاسرائيلي.. واشنطن "غفرت"، لطالبان دماء ألوف القتلى والجرحى الأمريكيين في إفغانستان، وهي لا تكف عن "خطب ودّ" الحوثيين، في محاولة لإقناعهم بالتفاوض المباشر معها.. مع أن كلا الفصيلين، مصنف إرهابياً في القاموس الأمريكي، لكن ما يميز هاتين الحالتين عن حالة حماس في فلسطين، أن إسرائيل هي صاحبة القول الفصل هنا، بينما لا نفوذ لها على سياسة واشنطن في اليمن أو أفغانستان.
مما نعرف عن جولة بلينكين ومهمته الأولى في الشرق الأوسط، أن الرجل يخطط لـ"تدبير" مسار المساعدات وإعادة الإعمار، بمعزل عن حماس، بل وعلى حسابها، وهو يحرص على "بعث روح" في جسد السلطة الفلسطينية المثخن بالترهل والشيخوخة و"قلة الحيلة"، لكي تكون "معادلاً موضوعياً" للحركة الإسلامية.. والمؤسف، أن واشنطن لا تفكر بوسائل أخرى، غير المساعدات، لاستنقاذ السلطة، في حين أن لديها خيارات أخرى، من شأنها تمكين السلطة وتعزيز مكانتها، منها على المثال فقط: الضغط للإفراج عن مروان البرغوثي وقادة فتحاويين في السجون الإسرائيليين، الضغط لتجديد وتشبيب ودمقرطة النظام الفلسطيني، دع عنك ما يمكن أن تقوم به على الضفة الإسرائيلية.
مثل هذه المقاربة "الإقصائية"، يمكن أن تحقق أهدافاً محدودة ومؤقتة، بيد أنها لن تنجح في تحقيق "الاختراق"، إذ ليس بأموال المانحين وحدها، يمكن بعث روح جديدة في عروق السلطة المتيبسة.. مثل هذه المقاربة، يمكن أن تكون "وصفة" لتعميق الانقسام الفلسطيني، وسبباً في نقل المواجهة إلى داخل البيت الفلسطيني، وهذا ما يتعين على الفلسطينيين، أن يتنبهوا إليه جيداً، حتى لا ينزلقوا لقعر الهاوية.
أمام إدارة بايدن طريقين تسلكهما، إن هي كانت جادة ومخلصة، في تحقيق ما أعلنته من أهداف، تكتيكية (التهدئة، المساعدات والإعمار)، أو بعيدة المدى (حل الدولتين): الأول؛ ويتمثل في تشجيع المصالحة الفلسطينية، وحفز السلطة على فتح أبواب مشاركة حماس وإدماجها في النظام الفلسطيني، ومن بوابة الانتخابات وصناديق الاقتراع، لكي يكون للفلسطينيين، قيادة شرعية منتخبة واحدة، تتحدث بصوت واحد.
والثاني؛ أن تشرع في ترتيب مائدة، مثلثة الأضلاع، يجلس موفدوها خلف ضلع منها، وتتقاسم السلطة وحماس الضلعين الآخرين.. بخلاف ذلك، ثمة إهدار للوقت والجهد، ورهان خائب على "تجريب المجرب"، فلا التهدئة ستكون مستقرة، ولا قطاع غزة سيخرج من مأساته الانسانية، ولا أفق سياسياً للحل.
البراغماتية الأمريكية التي سمحت لواشنطن بسحب أسماء منظمات وفصائل وشخصيات مدرجة على لوائحها السوداء، وسمحت لها أن تبتلع معظم تحفظاتها على إيران، وتقترب بخطى حثيثة من العودة لتفعيل اتفاق فيينا معها، يجب أن تشق طريقها إلى المسار الفلسطيني – الإسرائيلي، وبالقدر ذاته من التصميم على إطفاء الأزمات، حتى لا نقول، دفعها إلى ضفاف الحلول النهائية والناجزة.
وعلى إدارة بايدن أن تدرك بأن سياسة المعايير المزدوجة، باتت أكثر كلفة على أصحابها من ضحاياها، فكيف يعقل أن تضرب واشنطن صفحاً عن اليمين الفاشي والديني والكاهانيين في الكنيست، في الوقت الذي تجد فيه صعوبة بالغة في التعامل مع حماس؟
على إسرائيل أن تنتبه: مجمل الرأي العام ينقلب عليها