قالت المحامية
الأمريكية المتخصصة في القانون الدولي وحقوق الإنسان، هايدي دايكستال، والتي تقدمت
قبل أيام بشكوى إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ضد النظامين المصري
والإثيوبي بشأن تطورات سد النهضة، إن تصرفات البلدين في ما يتعلق بهذه الأزمة
انتهكت الميثاق الأفريقي.
وطالبت، في مقابلة
خاصة مع "ضيف عربي21"، اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب باتخاذ
تدابير مؤقتة عاجلة من أجل منع أديس أبابا من اتخاذ إجراءات بشأن الملء الثاني لسد
النهضة، وذلك حتى يتم اتخاذ قرار من قِبل اللجنة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.
وأشارت هايدي، التي
عملت سابقا لدى المحكمة الجنائية الدولية، إلى أن "مصر تحت خط الفقر المائي
الذي حددته الأمم المتحدة، وأن عملية تعبئة سد النهضة يمكن أن تعمّق هذه الأزمة من
خلال تقليص حصة القاهرة من إمدادات المياه الخاصة بها، وسيكون الخطر الأكبر على
المزارعين المصريين".
يُذكر أن أديس أبابا
تُصرّ على ملء ثانٍ لـ"سد النهضة"، في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس المقبلين،
بعد نحو عام على ملء أول، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق ثلاثي مع القاهرة والخرطوم
بشأن السد الواقع على النيل الأزرق، وهو الرافد الرئيس لنهر النيل.
وتاليا نص المقابلة مع
"ضيف عربي21":
ما أبعاد القضية التي قمتم برفعها أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب الخاصة بأزمة سد النهضة؟
في 24 أيار/ مايو
الجاري، تم تقديم البلاغ للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وتولى حزب
"أمل مصر" وحركة "المصريين بالخارج من أجل الديمقراطية" تحرير
هذا البلاغ، بالتعاون مع الضحايا المصريين الخمسة الذين انتُهكت على ما يبدو
حقوقهم الإنسانية الواردة في اللجنة الأفريقية.
يمتلك الضحايا
المصريون أرضا في مصر، وقد قاموا باستصلاحها وتربية الماشية. وما يدعيه البلاغ هو
التركيز على فشل الحكومة المصرية وإثيوبيا في إجراء مشاورات فعالة مع المواطنين
المصريين في ما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي الذي ينتهك حقوق الإنسان طبقا للميثاق
الأفريقي.
ومصر بالفعل تحت خط
الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة، والتقارير ذكرت أن عملية تعبئة سد النهضة
يمكن أن تعمّق هذه المشكلة من خلال تقليص حصة مصر من إمدادات المياه الخاصة بها،
وبالنسبة للمزارعين المصريين فإن الخطر أكبر بكثير؛ فحسب ما هو مُعترف به، فإن المزارعين
ومالكي الأراضي يعولون إلى حد كبير على تدفق مياه النيل ما يجعلهم في وضعية هشة في
حال تغير مستوى تدفق الماء، حتى إن المسؤولين المصريين أدركوا أنه حتى في حال تغيير نسبته واحد
بالمئة في إمدادات المياه في مصر فسيؤدي ذلك إلى خسارة في الأراضي الزراعية.
لذلك، أوضح المتخصصون
في مجال المياه في مصر أن أي حالة انعدام للأمن المائي ستتفاقم أثناء وبعد كل
عملية ملء للسد. ورغم ذلك فقد بدأت أول عملية ملء للسد في تموز/ يوليو من العام الماضي،
وشملت تلك العملية كمية كبيرة من المياه بلغت 4.9 مليار متر مكعب.
وقد ربطت اللجنة
الأفريقية والمحكمة الأفريقية والقانون الدولي لحقوق الإنسان المشاركة والمشاورات
بحقوق الإنسان المدرجة في الميثاق الأفريقي، وخاصة الحق في التنمية، وقد قالوا إن
هذا الحق مرتبط بمسألة المشاركة، والميثاق الأفريقي وحقوق الإنسان الدولية تفرض
على الدول ضمان الحق في التنمية لجميع المواطنين وحمايتهم من خلال تهيئة الظروف
المواتية لممارسة هذا الحق للقيام بذلك، يجب على الدول أن تسمح لمواطنيها بأن
يكونوا مشاركين نشطين في القرارات التي ستؤثر على تنميتهم من خلال التواصل معهم
وإجراء مشاورات قائمة على حسن النية، وهذا صحيح إلى حد ما، حيث اعترفت اللجنة
الأفريقية بالمشاكل المتعلقة بالأرض ومشاريع التنمية، خاصة عندما تؤثر تلك
المشاريع على حقوق الناس.
لذا، فقد قُدمت الشكوى،
لأن إثيوبيا بشكل خاص اتخذت قرارا أحادي الجانب للمضي قدما في مشروع تشييد السد
قبل إبرام أي اتفاق بشأن السد وكيفية تأثيره على الناس وكيفية إدارته، والأهم من
ذلك قبل اكتمال أي دراسة عن تأثير السد. وبالتالي فإن فعل ذلك دون استشارة الناس،
ودون التأكد من دراسة تأثير السد على المواطنين في إثيوبيا والسودان وخاصة في مصر،
يكون انتهاكا للحق في التنمية.
كما أن الحكومة
المصرية انتهكت الحق في التنمية أيضا، وذلك لأن مصر شاركت في مفاوضات بين الدول
حول كيفية عمل سد النهضة وكيف سيؤثر ذلك على الشعب المصري، لكنها فعلت ذلك في غياب
تام لأي نوع من المشاورات أو حتى تقديم المعلومات الشفافة حتى يتمكن الناس من
معرفة كيفية تأثير ذلك عليهم، ويحاولوا المشاركة مثلما أوصت اللجنة الأفريقية، لأن
الناس يجب أن يكونوا مشاركين نشطين في القرارات التي ستؤثر على حقوقهم، لكن مصر
مضت قدما في تلك المفاوضات دون استشارة الناس على الإطلاق، والمثال الرئيسي على
ذلك هو إعلان المبادئ لسنة 2015. لقد كان قرارا تم اتخاذه مع إثيوبيا والسودان دون
أي مشاورات مع الناس ودون معرفة آرائهم وإبلاغهم بالعملية التي لم تكن شفافة على
الإطلاق.
لهذه الأسباب، فإننا نقول إن
الحق في التنمية قد اُنتهك بسبب عامل المشاركة، الذي لم توفره كل من إثيوبيا ومصر
للناس، وأثناء حدوث ذلك، فقد فرضت مصر سياسات حدت من الوصول إلى المياه وقيدت الطريقة
التي يمكن بها للناس استخدام أراضيهم، وقد أثر ذلك على حقوق المزارعين في مصر،
ولأن الحق في التنمية تم انتهاكه، فإن ذلك أثّر بشكل كبير أيضا على حقوق
أخرى.
قمتم برفع هذه القضية بالنيابة عن خمسة مواطنين داخل مصر.. فهل هناك خطر ما عليهم من قِبل نظام السيسي؟
قرر الضحايا المصريون
الخمسة المرتبطون بالقضية أن يشاركوا في هذا الإجراء في كنف السرية التامة. ما
يعنيه ذلك هو أن اللجنة الأفريقية ستعرف هوياتهم ولكن لن يُسمح لأية أطراف أخرى
بما في ذلك حكومتا إثيوبيا ومصر، بمعرفة هوياتهم، وهذا للحفاظ على سلامتهم وأمنهم.
هذا شيء أردنا توخي الحذر الشديد بشأنه، لأننا نعلم أنه كانت هناك حوادث في الماضي
حيث صرح المزارعون المصريون بمخاوفهم بشأن سياسات المياه وتم احتجازهم، وهناك
تقارير واسعة الانتشار من مصر تفيد بأن أولئك الذين يعارضون سياسات الحكومة يتم
احتجازهم أو الإساءة إليهم، نريد أن نكون حذرين للغاية لكي لا يتعرض ضحايا هذه
الشكوى لأي نوع من رد الفعل العنيف لمشاركتهم في القضية.
ما هي الخطوة المقبلة في حال فشل هذه القضية أو في حال عدم استجابة النظام المصري أو الإثيوبي لقرار اللجنة الأفريقية؟
إذا أصدرت اللجنة
الأفريقية قرارا، فقد يكون تجريبيا، حيث يُطلب منهم إيقاف الإجراء مؤقتا، حتى لا
يكون هناك ضرر دائم على حقوق الإنسان أو قد يكون هناك قرار واضح في نهاية هذه
العملية، حيث يقع تقديم توصيات إلى إثيوبيا أو مصر لتغيير أفعالهما في ما يتعلق
بحقوق الإنسان، وإذا لم تمتثل أي من الحكومتين لهذه الأوامر فهناك إمكانية للمثول
أمام الهيئة ومطالبة الاتحاد الأفريقي بمعالجة مسألة عدم الامتثال بطريقة أكثر
دبلوماسية. هناك أيضا إمكانية مطالبة اللجنة الأفريقية بإحالة القضية إلى المحكمة
الأفريقية للنظر فيها.
هل هناك أي احتمال أن تفرض اللجنة الأفريقية أي نوع من العقوبات على النظام المصري أو الإثيوبي؟
اللجنة الأفريقية
والمحكمة الأفريقية هما محكمتان لحقوق الإنسان. لذا فإن وظائفهما الرئيسية هي
معالجة مزاعم حقوق الإنسان والتوصل إلى نتيجة في ما يخص انتهاك حقوق الإنسان.
يمكنهما أن يأمرا بتدبير مؤقت ـ وهو أمر موجه إلى الحكومة لمطالبتها بوقف إجراء
معين مؤقتا، بينما تنظر اللجنة أو المحكمة في مدى صحة الادعاءات التي وقعت إثارتها
حول انتهاكات حقوق الإنسان ـ والتأكد من أنه أثناء قيامهما بعملية الفحص المطولة
تلك فإن الحكومة لن تمضي قدما في أي إجراء من شأنه أن يضر بحقوق الضحايا أو أي شخص آخر
بصفة دائمة.
لذا فإنه في هذه الحالة،
طلبنا أن يكون هناك قرار مؤقت على الفور يأمر الحكومة في إثيوبيا بعدم اتخاذ أي
خطوات استباقية أخرى في ملء السد، والقيام بعملية الملء الثانية، التي أعلنت
الحكومة الإثيوبية أنها تنوي الشروع فيها في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس المقبلين، أي
قريبا جدا.
حقوقي مصري يكشف لـ"عربي21" تفاصيل مبادرة "أول سبع خطوات"
سفير مصري سابق لعربي21: أدعو لتكامل مصري تركي إيراني