تعتبر وثائق الملكية للأراضي والمحال والعقارات والأماكن المقدسة في فلسطين هامة جداً؛ لمواجهة الزيف الإسرائيلي الممنهج لشرعنة الاحتلال الإسرائيلي لأراضي فلسطين ومدنها وقراها المختلفة، وخاصة مدينة القدس التي تشهد وأحياءها المختلفة تطهيرا عرقيا متدرجا، كما يحصل في حي الشيخ جراح. وفي هذا السياق يعتبر الراحل العربي الأردني عبد الرزاق رحاحلة (أبوخالد) حارس وحامي وثائق القدس بامتياز؛ حيث سكن الراحل الرحاحلة وزوجته عفاف زيد الكيلاني في بيت مطل على مكتب أراضي القدس، ليبقى المكتب تحت حراسته ورعايته على مدار الساعة .
حول سيرته
ولد عبد الرزاق سلامة البديوي الرحاحلة عام ١٩٢٨في مدينة السلط الأردنية؛ وتوفي في آذار (مارس) من العام الحالي 2021؛ وكان له الفضل في إنقاذ وثائق القدس وأراضيها؛ إثر احتلال الجزء الشرقي من القدس في حزيران / يونيو 1967؛ حيث قام أبو خالد بجمع وإنقاذ سندات تسجيل كواشين الأراضي والمخططات؛ التي تثبت ملكية المواطنين المقدسيين في أراضي محافظة القدس وأحيائها ومنها حي الشيخ جراح؛ ونقلها تالياً إلى العاصمة الأردنية عمان؛ بعد جمعها في سيارته؛ حيث كان المبنى مستهدفا من الصهاينة.
كان حارس وثائق القدس الراحل عبد الرزاق الرحاحلة يتسلل من حي إلى حي ومن شارع إلى شارع بسياراته البسيطة، ليس خوفاً على نفسه من رصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، بل حفاظاً على ما يملك من وثائق وحقوق للقدس والمقدسيين؛ وبهذا حافظ الرحاحلة على تلك الوثائق من سرقة المحتل والضياع والتزوير، وتالياً إثبات حقوق المواطنين المقدسيين وملكياتهم في مدينة القدس، وبخاصة أحيائها التي تشهد أخطر هجمة استيطانية تهويدية كحي الشيخ جراح؛ في وقت يشهد فيه المسجد الأقصى المبارك اقتحامات متكررة لمجموعات استيطانية بدعم من الشرطة الإسرائيلية؛ بغرض فرض التقسيم المكاني والزماني الاحتلالي التهويدي.
ويمكن الجزم بأن الراحل عبد الرزاق رحاحلة قد خاض معركة من نوع آخر بسيارته "فوكس فاغن" القديمة، وانتصر خلالها على العدو الصهيوني، بالتزامن مع حرب عام 1967؛ رغم نكسة القوات العربية الرسمية في تلك الحرب.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن وثائق وكواشين القدس التي حرسها وحافظ عليها الراحل عبد الرزاق الرحالة، تتعلق بالأملاك الفلسطينية في مدينة القدس والمدن الفلسطينية منذ نصف القرن الثامن عشر، أي قبل الانتداب البريطاني على فلسطين وإنشاء إسرائيل بدعم غربي على نحو (78) في المائة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة (27009) كيلومتر مربع. وتكفل الوثائق حقوق أهل فلسطين وأملاكهم وتشمل هوية الأرض الفلسطينية والناس هناك، وهي سجلات أصلية وليست صورا، بعضها مؤرخ من الدولة العثمانية منذ عام ١٨٥٠، وتشكل مصدرا توثيقيا لملكية أهل القدس وفلسطين لأراضيهم وحقوقهم التاريخية في وطنهم فلسطين.
الوثائق تدحض الرواية الصهيونية
ثمة روايات صهيونية وإسرائيلية مؤسسة لاحتلال الأرض الفلسطينية وتهويدها، وقد ساعد في ذلك الاحتلال البريطاني لفلسطين خلال الفترة (1920 ـ 1948)؛ وتستمر إسرائيل باستنزاف الأرض الفلسطينية ومحاولة تهويدها بدعوى أنها أملاك غائبين، أو تدعي أنها ملكية لأفراد وجمعيات ومؤسسات استيطانية يهودية؛ كما يحصل في حي الشيخ جراح؛ لكن في مقابل ذلك يمتلك الفلسطينيون وثائق (قواشين) ملكيات وحيازة أرضهم وعقاراتهم ومحلاتهم التجارية.
تحاول إسرائيل السيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية لتصبح مساحة الجزء الشرقي من القدس (10) في المائة من مساحة الضفة الغربية البالغة (5800) كيلومتر مربع؛ ولهذا أصدر الكنيست الإسرائيلي في عام 1980 قراراً أطلق عليه قانون القدس،
فإضافة إلى الوثائق التي حافظ عليها الراحل عبد الرزاق الرحاحلة حول ملكية العرب الفلسطينيين للقدس وعقاراتها ومحالها؛ سلمت الحكومة التركية الجانب الفلسطيني نسخة إلكترونية من الأرشيف العثماني الخاص بسجلات (ملكية الأرض) "الطابو" مكونة من (36) ألف صفحة في (288) سجلا تضم آلاف البيانات الخاصة بتسجيل الأراضي الفلسطينية منذ زمن الدولة العثمانية. وباتت بيد الفلسطينيين نسخة من الأرشيف الذي يضم عشرات الآلاف من وثائق التسجيل العقاري، في أراضي الإمبراطورية العثمانية التي حكمت فلسطين الأعوام ما بين 1516 ـ 1917، مما يوثق ملكية أراض فلسطينية تهددها إسرائيل بالمصادرة لصالح المستوطناتوالتهويد الممنهج، ومن بينها مدينة القدس واحيائها المختلفة وخاصة حي الشيخ جراح.
ويحفظ الأرشيف التركي الضخم إلكترونيا في مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية ـ بيت المقدس (ميثاق) في بلدة أبو ديس شرقي مدينة القدس، ويشمل الأرشيف العثماني المحفوظ في المؤسسة الأراضي الفلسطينية المسجلة في الحقبة العثمانية في فلسطين. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الأرشيف الفلسطيني تعرض للضياع بسبب ما تعرضت له فلسطين من انتداب بريطاني، واحتلال إسرائيلي، وتهجير لغالبية السكان خلال عام 1948 وبعده؛ ولهذا الأرشيف العثماني الذي سلمته تركيا للسلطة الفلسطينية قبل فترة طوق نجاة لإثبات ملكيات الأراضي والعقارات للشعب الفلسطيني؛ حيث يشمل سجلات "الطابو" خلال الفترة ما قبل عام 1917.
القدس محمور الصراع
بعد الإطلالة على أهمية الوثائق العثمانية التي تدحض الرواية الصهيونية الرامية إلى تهويد جنبات فلسطين، وخاصة قلبها النابض مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك. وفي هذا السياق يحتوي الجزء الشرقي من مدينة القدس على جميع الأراضي من مدينة القدس التي بقيت تحت الحكم الأردني منذ عام 1948؛ بعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين، وحتى الاحتلال الإسرائيلي لكامل المدينة في صيف عام 1967، حيث تقع ضمن أراضيها مدينة القدس القديمة التي تحتوي على أقدس الأماكن الاسلامية والمسيحية كالمسجد الأقصى وكنيسة القيامة .
وتحاول إسرائيل السيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية لتصبح مساحة الجزء الشرقي من القدس (10) في المائة من مساحة الضفة الغربية البالغة (5800) كيلومتر مربع؛ ولهذا أصدر الكنيست الإسرائيلي في عام 1980 قراراً أطلق عليه قانون القدس، وقد نص على؛ أن القدس الموحدة بشقيها الغربي المحتل عام 1948 والجزء الشرقي المحتل عام 1967 عاصمة أبدية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي لم يحظ بأي اعتراف عالمي لافت؛ سوى اعتراف إدارة ترامب السابقة التي نقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس عام 2018؛ وإعلانها القدس عاصمة لإسرائيل. ليؤكد الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده من جديد خلال هبة الأقصى الرمضانية بأن القدس عاصمة فلسطين الأبدية وأن المسجد الأقصى هو بمثابة خط أحمر للمحتل الإسرائيلي .
ويبقى القول بأن صمود الشعب الفلسطيني وانتصاره على امتداد فلسطين خلال هبة الاقصى؛ إنما هو نصر للشعوب العربية والشعوب المناصرة لفلسطين ولكل الذين انتصروا للحق الفلسطيني ؛وفي مقدمتهم الراحل عبد الرزاق الرحاحلة ؛حارس وثائق القدس وفلسطين ؛ رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا