روى الشاب مصطفى الخواجا من مدينة رام الله، ظروف اعتقاله من أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، والتي تعرض خلالها لصنوف التعذيب الجسدي والنفسي.
والشاب الخواجا أسير سابق لدى الاحتلال الذي اعتقله مرتين أمضى خلالهما عاما ونصف العام، وتعرض فيهما للتحقيق على يد ضباط المخابرات الإسرائيلية، ولكنه يصف تجربته بالاعتقال لدى السلطة الفلسطينية بأنها "أسوأ وأكثر أذى".
تعليق ثم اعتقال
في الثالث والعشرين من أيار/ مايو الماضي وبعد يومين فقط من انتهاء جولة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ نفذت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة حملة اعتقالات واسعة في مدن الضفة المحتلة؛ حيث طالت نشطاء وأسرى محررين وأنصارا لحركة حماس، بالإضافة لشبان ينتمون لتيارات أخرى كالشاب مصطفى الخواجا من بلدة نعلين غرب رام الله؛ وهو أحد أنصار الجبهة الشعبية كبرى أذرع اليسار الفلسطيني.
ويروي الخواجا لـ "عربي٢١" ما حدث معه؛ حيث أنها أول مرة يتم اعتقاله فيها على يد الأجهزة الأمنية، وبدأ الأمر باتصال أحد ضباط جهاز الأمن الوقائي عليه، وطلبه للمقابلة في المقر بمدينة البيرة "لنصف ساعة فقط".
وبعد توجهه للمقابلة أخبره المحقق، أن يتوقف عن نشر تعليقات تنتقد السلطة وتمجّد المقاومة في قطاع غزة؛ "لما في ذلك من ضرر على السلم المجتمعي!".
اقرأ أيضا: شهادة مروعة لتعذيب السلطة ناشطا لدعمه المقاومة بغزة
وأوضح الخواجا أن حديث المحقق كان يدور حول تعليق له على موقع "الانستغرام" ينتقد فيه الأجهزة الأمنية ودورها في الضفة؛ مبينا أن التحقيق معه كان عاديا ولم يتعرض خلاله لأي إساءة؛ فقط تم الطلب منه عدم إعادة كتابة تعليقات مثل تلك، ووعده المحقق بالعودة إلى منزله خلال دقائق.
وأضاف: "فجأة قال المحقق إنه يريد الخروج من الغرفة لتفقد شيء ما، وفي نفس الوقت دخلت مجموعة أشخاص عرفوا عن أنفسهم أنهم من اللجنة الأمنية التابعة لسجن أريحا، ثم اقتادوني بطريقة مهينة إلى غرفة أخرى وبدأوا يضربونني ويكيلون لي الشتائم؛ وتركز الضرب على الوجه واليدين والساقين".
شتم المقاومة
استمر الحال على ما هو عليه لساعة ونصف في الغرفة؛ تعرض خلالها مصطفى للضرب بقوة، وبعد ذلك تم عرضه على محكمة تابعة للسلطة في رام الله مددت اعتقاله لخمسة أيام، ثم نُقل إلى سجن أريحا.
وقال إنه حين وصل إلى السجن تعرض لضرب عنيف مبرح من قبل أفراد الأجهزة الأمنية؛ وتم التحقيق معه لعدة أيام على خلفية التعليق الذي كتبه، ولكن أمرا كان غاية في الغرابة بالنسبة لمصطفى هو ما دُهش منه.
وتابع: "كان المحققون يأمرونني بشتم الناطق العسكري باسم كتائب القسام المعروف باسم "أبو عبيدة" وكذلك قادة المقاومة وحركة حماس، ولكنني رفضت ذلك فضربوني بشدة، وكانوا يقولون حين يُذكر أمامك اسم الرئيس الراحل ياسر عرفات فيجب أن تقول (صلى الله عليه وسلم)، فرفضت كذلك وأعادوا ضربي بشدة وكرروها عدة مرات حتى اضطررت لقولها".
عناصر الأجهزة الأمنية الذين تولوا مهمة ضرب وشتم الخواجا كانوا يقولون له: "هل تظنون أنكم انتصرتم في غزة؟!"، وهو الأمر الذي أشعره بالقهر من هذا الاتجاه في التفكير؛ في الوقت الذي شعر كل فلسطيني بالفخر بمقاومته التي تمكنت من تحقيق معادلة الردع لدى الاحتلال.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل كانت الظروف التي يعتقل فيها الخواجا قاسية وسيئة، لدرجة أنه يصف اعتقاله لدى الاحتلال مقارنة بها بأنها أخف وطأة، فكان يتم "شبحه" بالجدران أو على الكرسي؛ وذلك يعني تقييد يديه وقدميه وتعصيب عينيه طيلة الوقت.
ولم يكن الخواجا وحيدا هناك؛ حيث كان السجن ممتلئا بالمعتقلين السياسيين في تلك الفترة، وجميعهم تم اعتقالهم على خلفية تعليقات ومنشورات لم تعجب الأجهزة الأمنية خلال فترة العدوان، وتعرضوا للضرب المبرح والتعذيب كما حصل مع مصطفى الذي سمع صوت صراخهم أثناء ضربهم وتعذيبهم.
ظروف سيئة
ويروي الخواجا عن ظروف احتجازه في سجون السلطة التي وصفها بالسيئة، حيث كان المعتقلون يقبعون في غرف ضيقة قذرة مليئة بالحشرات، وكانت دورة المياه داخل الزنزانة نفسها، كما أن رائحتها كريهة للغاية.
اقرأ أيضا: السلطة الفلسطينية تصعّد حملة الاعتقالات السياسية بالضفة
وقال إن الطعام الذي كان يقدم للمعتقلين سيء ومنتهي الصلاحية رغم شرائه من أموال المعتقلين أنفسهم؛ وهو ما سبب حدوث أعراض بالتسمم لعدد منهم دون أي اكتراث من إدارة السجن والقائمين عليه.
ورغم اعتقاله لأكثر من ١٧ يوما لم يُسمح لعائلته بزيارته أبدا؛ كما أن المحامي مُنع من رؤيته ولم يتمكن من الحديث إليه إلا خلال الجلسات التي كانت تعقد له في محاكم السلطة، كما أنهم سمحوا له مرتين بالحديث مع عائلته عبر الهاتف وعلى مسمع من عناصر الأجهزة الأمنية لمدة خمس دقائق فقط؛ وحين ينتهي الوقت يتم إغلاق الهاتف فوراً دون تنبيه.
وأضاف: "كانت المكالمة لا تكفي لأي شيء؛ كنت فقط أخبر عائلتي أنني أحتاج ملابس وأغراضا ولا أكاد أتحدث حتى ينتهي الوقت ويغلقون الهاتف".
وفي جلسة المحاكمة الأخيرة عرض الخواجا آثار الكدمات التي انتشرت على جسده؛ على المحامي الذي طالب بالإفراج عنه، وبعد مماطلة تم الإفراج مع دفع كفالة مالية بقيمة ٣٠٠ دينار أردني، علما أن المحاكم تحوّل تهم المعتقلين إلى "قدح وذم السلطات" أو "المس بالسلم المجتمعي" وتهم مشابهة.
وحول تعليقه على هذه التجربة يقول مصطفى: "تجربة مريرة مررت بها أنا والكثيرون على خلفية تعليقات أو منشورات؛ ونأسف على استمرار سياسة الاعتقال السياسي في الضفة وما يقاسيه المعتقلون من تعذيب جسدي ونفسي، والأنكى من ذلك أن الاعتقال يتم على يد أبناء شعبنا وهو ما يعتبر أصعب من الاعتقال لدى الاحتلال؛ فذلك احتلال مهما فعل يبقى احتلالا غريبا عن أرضنا، وللعلم لم أتعرض للضرب أبدا في سجون الاحتلال، ولكن أن يتم اعتقالك وتعذيبك على يد أبناء شعبك فهذا أمر محزن جدا".
رائد صلاح.. الحاضر في أزقة القدس رغم الاعتقال
ليبيا.. تنديد رسمي وشعبي بالعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين
تحقيق يكشف نوعية القنابل التي دمرت أبراج غزة (صور)