ليس دفاعا عن
المقاومة، ولكن توجيها للبوصلة وضبطا لطريقة التفكير، وتنقية للأجواء من غبار الماضي.
هنا في أضعف بقاع العالم وأشدها بؤسا، حيث منطقة العجائب والغرائب.. في المنطقة العربية فقط، حيث يعلو الجهل على العلم، واللا منطق على المنطق، يتجرأ الراسب على الناجح، والمنهزم على المنتصر، والفاشل على الناجح، وغير المتخصص على المتخصص، فيتجرأ غير العالم على الفتوى، وخريجو كليات الشريعة وأصول الدين على الفتوى في أمور العامة والسياسة، وغير الملم بأبعاد القضية على اعتلاء منصة القضاء وإصدار الأحكام، ونخب هي من أسباب ضياع الربيع العربي في بلادها على نصح وتوجيه المقاومة الناجحة.. عجبا لجرأة الفاشل في الوصاية على الآخرين وتعليمهم كيفية النجاح.
لن أناقش من نصّبوا أنفسهم حماة للإسلام والعروبة، ولأهل السنة وفلسطين والقدس.. الخ، وأوصياء على المقاومة ويطالبونها بضبط خطابها السياسي، ويلومونها على علاقتها بإيران.. إلى غير ذلك من الكلام الذي لا يستحق الوقوف عنده ومناقشته بالمرة، لأن مثل ذلك يناقش مع أهله وفي مكانه، ولكني فقط أساعدهم على الخروج من الوهم إلى الواقع والحقيقة، حتى يكفوا عنا ضجيجهم، وحطبهم لإشعال ضجيج وصخب وتشويش على أداء وإنجازات المقاومة، وحتى يتفرغوا لأنفسهم وبلادهم ويجيبوا على أسئلة ضعفهم وتخلفهم وتراجعهم وصراعهم الداخلي وفشلهم حتى الآن.
في المقدمة لا بد من التأكيد على حقائق الواقع المرئية رأي العين، والتي لا يمكن الاختلاف عليها:
الحقيقة الأولى: المقاومة الفسلطينية هي حالة النجاح الوحيدة التي حققتها التنظيمات التحررية والسياسية والدينية في المنطقة خلال القرنين 20 و21 حتى الآن، وما دونها أصابها الفشل.
الحقيقة الثانية: القيادات والنخب السياسية والإعلامية والثقافية والدينية والتربوية العربية من المحيط إلى الخليج، المستقلة منها والتنظيمية دينيا وسياسيا، فشلت فشلا مروعا في تحقيق أي إنجاز في مجال التحرر والتحول الديمقراطي وتنمية ونهضة مجتمعاتها، أو الخلافة التي وعدوا بها واستنزف لأجلها قرن من الزمان من عمر الأمة وعشرات الآلاف من خيرة رجال الأمة، كما واستجابت لهم الشعوب في العديد من الثورات ولبوا نداءهم وخرجوا خلفهم، وللأسف لم يتمكنوا من إكمال أي ثورة منها.
الحقيقة الثالثة: أن التنظيمات السياسية والدينية، وما يطلق عليه النخب السياسية والإعلامية والثقافية والدينية، لم تكن على قدر التحدي أمام الثورة المضادة، وما زالت حتى الآن تعيش مرحلة التيه من جمود وتخلف وصراع داخلي، وتسير من فشل إلى فشل حتى تحولت إلى عقبة كبيرة أمام الجيل الجديد وإعادة تشكله واستكمال مسيرة التحرر والإصلاح.
في هذا السياق وبكل وضوح ومباشرة أضع هؤلاء أمام هذه الأسئلة:
أسئلة خاصة لمدعي الوصاية على المقاومة الفلسطينية
س1: أين هي مشاركتكم الحقيقية للمقاومة غير الدعاء وربما القليل الفائض من الدراهم؟
س2: ما هو مقدار وعيكم بمعطيات الواقع الحقيقي لمعيشة الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة منذ سنوات، وبالمقاومة التي تعمل في ظروف بالغة الصعوبة وتغالب المستحيل؟
س3: ما هي بدائلكم العملية المقترحة لكفاية الشعب والمقاومة الفلسطنية عن إيران؟
س 4: ماذا تمتلكون من معطيات العلم والمعرفة في منظومة السياسية المعاصرة، والتي تضم العلوم السياسية بأبوابها المختلفة؛ من فلسفة السياسة والجيوبوليتيك والتحليل السياسي والتاريخ والمذاهب سياسية، والعلاقات الدولية والإدارة الجيوستراتيجية لقوى وتحالفات العالم، وعلوم الاستراتيجيا والجيوستراتيجيا، وعلوم القيادة والإدارة للموارد السبع (البشر والمال والموارد والمعرفة والتكنولوجيا والعلاقات والأحداث والفرص) في الصراع مع الكيان، واستراتجيات إدارة الصراع، والعلوم العسكرية بأبوابها المختلفة، وعلم المستقبليات واستشراف المستقبل، والمقاصد وأصول الدين، حيث يحتاج مثل هذا الصراع الصفري على أرض فلسطين إلى مجمع علمي متكامل يستطيع أن يستوعب الملف، حتى يستطيع تكوين تصور ورؤية قادرة على صناعة قرار واختيار مسار استراتيجي؟
س5: ماذا تواجهون من تحديات ومخاطر في مقابل ما تواجهه المقاومة من تحديات الفناء؟
س6: كم تتحملون من مسؤوليات مثلما تتحمل المقاومة من مسؤولية وأمانة فلسطين والقدس؟
س7: ماذا حققتكم في نجاحات وإنجازات في مشاريعكم التحررية والإصلاحية في بلادكم، بما يمنحكم الأهلية للنصح والوصاية على المقاومة؟
أسباب هذه الظاهرة:
1- خلط الديني بالسياسي بدون وعي سياسي.
2- غياب الوحدة السياسية العربية والإسلامية، وغياب المرجعية الدينية المؤسسية الكبرى في مجمع فقهي كامل التخصص قادر على إدارك القضايا الكبرى.
3 - حالة جمود التفكير، والعشوائية الثقافية والرداءة
الفكرية والاجتماعية التي تعيشها المنطقة.
نتائج وآثار هذه الظاهرة:
1- التشوش وربما تضييع الفرصة على الساعين للتحرر؛ من التعلم في مدرسة المقاومة الفلسطنية.
2- الإصرار على ادعاء المعرفة مع غيابها، وهو ما يسميه العلماء جهلا مركبا يحرم صاحبه من النقد الذاتي والاستفادة من نقد ونصح وتوجيه الآخرين.
3- محاولة التشويش على مكاسب المقاومة، واختزالها وتقويضها في نفوس الجماهير المتابعة والمشاهدة.
نعلم نوعية التأهيل الأكاديمي التخصصي والتدريبي في أفضل المراكز المتخصصة عالميا، والتي تعلمت وتدربت فيها رموز وقيادات المقاومة الظاهرة منها وغير الظاهرة، ناهيك عن الخبراتهم الميدانية التراكمية والتكاملية عبر بنية مؤسسية منظمة تدرك حقيقة إنتاج وتطوير المعرفة، في حين أن غالب التنظيمات الدينية تتحدث عن التوريث، ولا أفهم توريث ماذا؟ وتوريث من لمن؟ وأي محتوى وعلاقته بالعصر ومدى كفايته؟
كما أن هناك فارقا بين العقول الصغيرة، التي تفكر وتدير شأنها الفردي والعائلي، وربما وحدة إدارية فيها خمسة موظفين، وبين العقول الكبيرة التي تدير دولا فيها ملايين البشر وفي ظل تحديات جسام.
هناك فارق أيضا بين من يعالج مسألة فقهية تتناول أكل الميتة مضطرا، وبين من يعالج صراعا بين أقوى جيش في المنطقة مدعوم من أقوى دولة في العالم ومن النظام الدولي، في عالم تحكمه قوانين القوة والتحالفات الدولية الكبرى، ويجتهد في صناعة
تحالفات سياسية وعسكرية يواجه به تهديد الوجود له ولشعبه.
لا نقلل ولا نهون من قدر أحد، ولكن كل مخلوق لما هو ميسر له، فمن المعيب أن يتجرأ ممرض على استشاري بجراحة القلب في غرفة العمليات ويفتي له في العملية.