خبير: تركيا تستطيع المساعدة باستقرار أفغانستان لهذه الأسباب

أكد الباحث الجزائري ومستشار المجلس الأعلى للصلح في أفغانستان عبد الله أنس، أن قرار الرئيس التركي واقتراحه بقاء قوات بلاده لتأمين المطار في العاصمة الأفغانية كابول بعد خروج قوات الناتو من أفغانستان في أيلول (سبتمبر) المقبل، قرار صائب وفي الطريق السليم ومن شأنه أن يسهم في تحقيق الاستقرار وإعادة السلام إلى أفغانستان بعد أربعة عقود من الحروب.

وأشار أنس، وهو صهر الزعيم الروحي للمجاهدين العرب في أفغانستان الشيخ عبد الله عزام، وشارك في الجهاد الأفغاني لعقد كامل، إلى أن إشراك باكستان والمجر مع تركيا في مرحلة ما بعد خروج قوات الناتو، من شأنه أيضا المساهمة في تحقيق التوازن المطلوب إقليميا ودوليا بما من شأنه توفير الأمن والاستقرار في أفغانستان والمنطقة عموما.

ورأى أن مجموعة من المؤشرات الإقليمية والدولية من شأنها الإسهام في دعم دور تركي فعال قد يعيد الأمل والبسمة للأفغانيين، وعلى رأسها نتائج القمة بين أردوغان وبايدن في بروكسل مؤخرا ومؤتمر العلماء الأفغان والباكستان الذي استضافته مكة المكرمة الأسبوع الماضي، وكذلك العلاقات الاستراتيجية بين أنقرة والدوحة.

وهذا هو النص الكامل للحوار:  

س ـ ما هي برأيك دوافع وأهداف تركيا من مبادرتها لتعويض قوات الناتو في حماية مطار كابول؟

 ـ أعتقد أن دوافع تركيا للمبادرة ببقاء قواتها بعد خروج الناتو من أفغانستان في أيلول (سبتمبر) المقبل متداخلة، حيث إن هناك أكثر من دافع لذلك.. فتركيا حكومة وشعبا لا تعتبر دخيلة على الشأن الأفغاني، فالعلاقات التي تربط تركيا بأفغانستان علاقات قديمة عمرها أكثر من ثمانية عقود، حتى إن هناك اتفاقيات بين تركيا وأفغانستان منذ أيام أتاتورك، وكان هناك تعاون كبير ما زال مستمرا إلى يومنا هذا.. ومن المفارقات أن الدبلوماسيين الأفغان والأتراك عندما يسافرون على الخطوط التركية أو الخطوط الأفغانية فهم يعفون من 50% من قيمة التذاكر.. هذه الاتفاقية سارية منذ أكثر من 75 سنة.. 

ثم جاء الجهاد الأفغاني، وتعزز التداخل بين الشعبين التركي والأفغاني، وأنا كواحد من الذين جاهدوا في أفغانستان في الثمانينيات ضد الاتحاد السوفييتي أذكر الأعمال الإغاثية والتعليمية والخيرية التي كانت تقوم بها تركيا في أفغانستان، وأذكر حتى عددا من الشهداء الأتراك الذين استشهدوا معنا في شمال أفغانستان في الثمانينيات..

كذلك التداخل بعد 11 أيلول (سبتمبر).. تركيا كانت موجودة، وإن كانت قواتها لا تزيد على الـ500 جندي،  إلا أنها تركت بصمة إيجابية ولم تترك نقطة سوداء في ذاكرة الشعب الأفغاني بسبب المداهمات التي كانت تقوم بها القوات الأجنبية والجانب العملياتي العسكري القتالي، وهذا عادة يترك بصمة سيئة عند الطرف الثاني.. تركيا اكتفت بعد 11 أيلول (سبتمبر) بالتدخل عبر تقديم المشورة وتدريب الشرطة والجيش وبعض الخدمات الإدارية، وبالتالي فإن الذاكرة الجمعية عند الشعب الأفغاني لا تحتفظ للقوات التركية بمشادات أو مواجهات معها.. 

هذه التداخلات في تصوري إضافة إلى أن هناك الكثير من الفرقاء الأفغان بما في ذلك الحكومة وحتى طالبان، ليس بينها وبين الحكومة التركية وتركيا عموما أي خصومة أو تجربة سيئة في الماضي، حتى إن هناك عددا من قيادات طالبان كانوا يعيشون في تركيا.. وعلى رأسهم رئيس المكتب السياسي السابق معتصم آغجان، ويتردد قادة طالبان على تركيا من حين لآخر إضافة إلى كل أعضاء الحكومة الأفغانية والقيادات السياسية والدينية والقبلية الأفغانية.. معظمهم يترددون على تركيا.. 

هذه التداخلات أعتقد أنها جعلت تركيا ترى أنه يمكنها أن تقوم بدور في الشأن الأفغاني، قد يتجاوز حتى الدور في المطار.

س ـ مع أن الحكومة الأفغانية أبدت ترحيبا بالعرض التركي إلا أن طالبان تبدو رافضة لذلك، هل يمكن لتركيا أن تكون في مواجهة قتالية مع طالبان أم إن لها طريقا آخر في ذلك؟

 ـ طبعا تصريح طالبان بإبداء عدم الترحيب بإعلان تركيا بقاء قواتها في أفغانستان بعد خروج قوات الناتو في 11 أيلول (سبتمبر) المقبل مفهوم من منطلق السيادة الكاملة على الأوطان.. أتصور أن طالبان بهذا الخصوص لم تقل شيئا يغضب أحدا، والشعب الأفغاني عموما سواء طالبان أو غيرها لهم حساسية من وجود القوات الأجنبية على أراضيهم.. وهذا ربما لا يختلف فيه طالبان عن أي شعب أو حكومة أخرى فهي تفضل أن تكون سيادتها كاملة على أراضيها في مطاراتها ودبلوماسيتها واقتصادها.. وليس مستغربا أن تعلن طالبان رفضها لبقاء القوات التركية لإدارة المطار أو غير المطار في أفغانستان.. 

لكن إذا نظرنا إلى أفغانستان في العقود الأربعة الماضية، نجد أن وجود القوات الأجنبية فيها لم يكن خيارا للشعب الأفغاني، وأن تدخل دول الجوار المتاخمة لأفغانستان بعد 11 أيلول (سبتمبر) كان واضحا، وهذا ما جعل الشعب الأفغاني أمام أمر واقع، وأنه يتعامل مع أجندات أجنبية سواء دول الجوار على المستوى الإقليمي أو الدولي.. 

ولذلك، فإن تصريح طالبان يجب أخذه في هذا السياق.. ولا أعتقد أن أفغانستان يمكنها أن تصبح بين عشية وضحاها خالية من أي تأثير أجنبي سواء دول الجوار أو غيرها، وبناء على هذا التوازن، وإن كان هذا التصريح من طالبان مقبولا، لكنه على أرض الواقع يحتاج إلى وقت وتفاهم وإدارة.. خصوصا إذا قورنت تركيا بغيرها من دول الجوار..

وأعتقد أن معظم الأفغانيين الذين ألتقيهم باستمرار يحبذون تركيا لعدة أسباب، فهم يقولون إن تركيا ليست صاحبة أجندة مذهبية في أفغانستان، بمعنى أن الشعب الأفغاني أغلبيته الساحقة تدين بالإسلام وتدين بالمذهب الحنفي، وهذا نفس الشأن بالنسبة لتركيا.. كذلك يقولون بأنه لا خوف على دين الشعب الأفغاني من تركيا لأنها ليست لها قوات تبشيرية تدعو إلى دين أو مذهب آخر.. كذلك على المستوى العرقي، يقولون بأنهم يفضلون تركيا على غيرها لأنها على نفس المسافة من كل العرقيات، فتركيا ليس بينها وبين البشتون أو الطاجيك أو الأوزبك أو التركمان أو غيرهم من العرقيات مشادات أو خصومات أو ثارات في الماضي.. ولذلك أعتقد أن تصريحات طالبان ربما ليست نهائية وقد تكون قابلة للتدارك، خصوصا أن قطر هي التي كانت لها اليد الطولى باتجاه توقيع الاتفاقية مع الإدارة الأمريكية في آذار (مارس) 2020 في الدوحة، وتعتبر تركيا حليفا لقطر، وبذلك لن تكون هناك حساسية في نقل الملف إلى تركيا أو أن تتعاون تركيا وقطر لنقل هذا الملف إلى أفغانستان. 

س ـ اقتراح أردوغان شراكة باكستان والمجر في المبادرة التركية.. ما هي دواعيه وأهدافه؟

 ـ بالنسبة لإشراك المجر لا أعلم أسبابه بالدقة وقد يكون ذلك لأسباب تعلمها تركيا تحديدا، لكن بالنسبة للتعاون مع باكستان في إنجاح الاستقرار في أفغانستان أعتقد أنه خطوة موفقة، ذلك أنه لا يختلف اثنان في أن باكستان لها اليد الطولى في أفغانستان، وهي شريك وفاعل في الشأن الأفغاني منذ دخول السوفييت للوهلة الأولى في أفغانستان عام 1979، حيث كانت باكستان تؤوي ملايين المهاجرين، وكانت مكاتب المجاهدين الأفغان في بيشاور وفي المدن الباكستانية، واستمرت كذلك حليفا لطالبان، بل إن البعض يعتبر أن باكستان هي صاحبة اليد الطولى في صناعة طالبان عام 1993..

بالتالي فإن إصرار تركيا على مسألة وجود باكستان معها لإنجاح الاستقرار في أفغانستان هي قراءة سليمة وفي الصميم. وإذا قُدّر لأفغانستان أن تكون بين هذين اللاعبين في تجسير الهوية والوساطة لإنجاز الاستقرار في أفغانستان، فأعتقد أن ذلك سيساهم في إعادة البسمة والاستقرار للشعب الأفغاني.

س ـ ماذا عن الموقف العربي عامة والسعودي تحديدا من الخطوة التركية إزاء الوضع الأفغاني.. كيف تنظر له؟

 ـ أتصور أن العلاقة الهادئة التي عادت إلى منطقة الخليج بعد الحصار الذي فرض على قطر وتراجع درجة التشنج والخصومة التي كانت بين دول الخليج خصوصا بين السعودية والإمارات من جهة وبين قطر من جهة ثانية، إذا تم الأخذ بعين الاعتبار التباشير التي ظهرت مؤخرا بعودة مياه العلاقات بين هذه الدول إلى طبيعتها، وإنهاء الحصار وبدأت العلاقات تعيش مرحلة انفراج.. فأتصور أن هذا الانفراج قد ينعكس إيجابا على تدخل تركيا، وهي حليف لقطر.. إذا أضفنا إلى ذلك أيضا الموقف السعودي، حيث استضافت مكة المكرمة قبل أيام مؤتمرا بين علماء باكستان وأفغانستان انتهى بإصدار بيان دعوا فيه الأفغان إلى جمع الكلمة ووحدة الصف. إذا أخذنا هذه المبادرة التي جاءت من السعودية فهي لا تتعارض مع ما تريده تركيا في أفغانستان.

هناك ميزة أخرى لتركيا مقارنة بدول أخرى يمكنها أن تقدم وساطة في أفغانستان وتساعد على الاستقرار فيها إذا ما قورنت بباكستان وإيران، فتركيا ليست محل ريبة عند الأمريكيين وعند الغربيين عموما كما هي باكستان.. فهناك جهات غربية كثيرة تشك في دور باكستان وتتهمها على أساس أنها هي التي كانت تؤوي بعض قيادات القاعدة حتى إن زعيم القاعدة توفي في أحد الأماكن في باكستان.. وقيادات طالبان أيضا يترددون على باكستان، هذا ربما يجعل الدور الباكستاني محل ريبة عند الغربيين، وهو أمر غير وارد بالنسبة لتركيا، خصوصا في الحديث الذي دار بين أردوغان وبايدن في لقاء بروكسل الأسبوع الماضي.. وهذا من شأنه أن يساعد تركيا في الحركة ضمن مجموعة من المعطيات.

أما إيران فهي أيضا محل ريبة عند المجتمع الدولي بسبب مشروعها النووي.

س ـ هل ستحتاج أفغانستان إلى المساعدات الدولية؟

 ـ طبعا نحن نتكلم عن بلد عاش أربعة عقود من الحروب، تدمرت فيها البنية التحتية بشكل شبه كامل، ودولة ليست لها مصادر دخل قومي.. وهذا بحاجة إلى مساعدة بالتأكيد من المجتمع الدولي.. وهذه واحدة من النقاط الرئيسية التي بحثها الأمريكيون مع طالبان.. فقد تحدثوا عن خروج جنود الناتو من أفغانستان، وإنما لم يتكلموا ترك الغرب لأي علاقة مع مؤسسات الدولة الأفغانية، لإدراك طالبان لحاجة دولتهم إلى الدعم الدولي، حتى تبقى المؤسسات قائمة .. حتى في لقاء طالبان مع موسكو تم عقد اتفاقيات ثنائية بين طالبان وموسكو على مستقبل التعاون، وهذا أيضا تم مع باكستان ومع إيران، ونفس الشيء مع تركيا..

وبالتالي، فإن مسألة عدم ترك أفغانستان وحدها في تحقيق الاستقرار والسلام، هو محل إجماع بين مختلف الفرقاء الأفغان، ما يؤكد أن أفغانستان بحاجة إلى مساعدات المجتمع الدولي.