نشر موقع "بوليتيكو" تقريرا أشار فيه إلى أن التداعيات السياسية لموعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالانسحاب غير المشروط من أفغانستان بدأت تقلق إدارته.
وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، إنه في الأيام الأخيرة، أكملت أمريكا أكثر من نصف انسحاب القوات، واستولت طالبان على عشرات المقاطعات الأفغانية وسط تحذيرات من أن الحكومة في كابل قد تسقط في غضون أشهر بمجرد مغادرة أمريكا، كما حذر القادة العسكريون من أن "الجماعات الإرهابية" مثل القاعدة يمكن أن تعيد تجميع نفسها في أفغانستان في غضون عامين.
ويطالب المشرعون الأمريكيون، حتى أولئك الذين يدعمون الانسحاب، بايدن بحماية الأفغان الذين ساعدوا أمريكا في الحرب التي استمرت عقدين، وتقوم إدارة بايدن الآن على عجل بوضع خطة إجلاء لهؤلاء الأفغان.
ورأت الصحيفة أن بايدن يخاطر بأن يُنظر إليه على أنه الرئيس الذي خسر أفغانستان - والجمهوريون يعرفون ذلك. فيما يحاول المشرعون من الحزب الجمهوري مواجهة بايدن بالقول له إنهم حذروه من أنه سيتحمل عواقب الكارثة الأفغانية - السياسية وغير ذلك. وقارنه البعض بقرار الرئيس السابق باراك أوباما الانسحاب من العراق في عام 2011، ما ساعد في تهيئة الظروف لصعود تنظيم الدولة. وأشار آخرون إلى تشبيهات أقدم.
وقال النائب مايك غالاغر (جمهوري من ولاية ويسكونسن)، عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب: "قد تكون هذه هي "لحظة سايغون" (الفيتنامية) حيث ترى المروحية وهي تغادر، وهذا ما يربطه الجميع بسياسة بايدن. إنه يشبه "العراق" بشكل مخيف. لقد انسحبنا من العراق وفق جدول زمني ذي دوافع سياسية للوفاء بوعد الحملة، وبعد ذلك كان لدينا فوضى على الأرض، وسيطرة تنظيم الدولة".
اقرأ أيضا: أمريكا ستبقي على 650 جنديا بعد سحب قواتها من أفغانستان
وأضاف: "منذ اللحظة التي قرر فيها بعض موظفي البيت الأبيض الأغبياء أننا سنجعل الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر موعدا، وبالتالي نمنح طالبان هذا الانتصار الدعائي بالإضافة إلى تسليم الأراضي، أدركنا فيها أن هذا كان جهدا سياسيا، وليس جهدا جيوسياسيا جادا".
التطورات في واشنطن وأفغانستان ليست مفاجئة بالنظر إلى مسار الصراع وهشاشة الدولة الأفغانية. ومع ذلك، فإنها تسلط الضوء على المخاطرة السياسية التي أخذها بايدن في اختيار مغادرة أفغانستان، دون شروط، في وقت مبكر جدا من فترة ولايته.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إن البيت الأبيض لا يزال ملتزما تجاه الشعب الأفغاني، وإنه في اجتماع يوم الجمعة مع كبار المسؤولين الأفغان، يؤكد بايدن "على الحاجة إلى الوحدة والتلاحم وضرورة تركيز الحكومة الأفغانية على التحديات الرئيسية التي تواجه أفغانستان".
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الأربعاء، أن مسؤولي المخابرات الأمريكية يعتقدون أن الحكومة الأفغانية قد تسقط بعد ستة أشهر من الانسحاب الأمريكي.
تنبأ النائب عن ولاية تكساس، مايكل ماكول، أكبر الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، بإمكانية سقوط سفارة أمريكا في كابل أيضا. وقال ماكول في مقابلة قصيرة: "جوهرة التاج ستكون السفارة في النهاية".
يقف معظم حلفاء بايدن الديمقراطيين في الكابيتول هيل إلى جانب قراره بالانسحاب، حتى مع تدهور الوضع على الأرض.
وقال آدم سميث، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب (ديمقراطي من واشنطن): "لقد ثبت لي بما لا يدع مجالا للشك أن جيشنا لا يستطيع حل المشكلة.. لذلك لن يكون الوضع رائعا أبدا. لكني أعتقد أن الانسحاب هو أفضل قرار من بين سلسلة سيئة من الخيارات".
منذ أن أعلن بايدن عن خططه للانسحاب في منتصف نيسان/ أبريل، فقد حققت طالبان مكاسب على الأرض. وبحسب مسؤول في الأمم المتحدة، استولت الحركة على أكثر من 50 من أصل 370 منطقة أفغانية منذ بداية أيار/ مايو. وفي بعض الأحيان، كانت القوات الأفغانية بالكاد تقاوم طالبان.
من المفترض أن يشارك المسلحون في محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية، لكن يبدو أن تلك المفاوضات في حالة توقف.
وكان للولايات المتحدة 2500 إلى 3500 جندي في أفغانستان في وقت سابق من هذا العام، لكنه انسحب أكثر من نصفها منذ ذلك الحين، ومن المرجح أن يختفي الباقي قبل الموعد الذي حدده بايدن 11 أيلول/ سبتمبر. لكن بايدن أصر على أنه على الرغم من أن أمريكا تسحب قواتها، فإنها لن تتخلى عن أفغانستان.
وتعهد بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومسؤولون كبار آخرون في الإدارة بأن أمريكا ستواصل دعم أفغانستان من خلال المساعدات الاقتصادية والدبلوماسية والإنسانية. ويشمل ذلك الدعم المالي للجيش الأفغاني. لم يلتزم مسؤولو البنتاغون بمواصلة مهمة تدريب القوات الأفغانية في دولة ثالثة، لكن حلف الناتو قال إنه يعمل على القيام بذلك بالضبط. ويقول المسؤولون الأمريكيون أيضا إنه من الممكن منع الجماعات الإرهابية من استخدام أفغانستان لتهديد أمريكا حتى بدون وجود القوات الأمريكية على الأرض.
اقرأ أيضا: التايمز: طالبان ضمنت النصر وبدأت بالتحاور مع المجتمع الدولي
وأكد مسؤول كبير في إدارة بايدن يوم الخميس، أن أمريكا تخطط لإجلاء الأفغان الذين ينتظرون "تأشيرات هجرة خاصة" لأنهم ساعدوا الأمريكيين. وتتمثل الخطة في نقل هؤلاء الأشخاص - الذين يُحتمل أن يكونوا آلاف أو عشرات الآلاف من الأفراد إذا تم تضمين أسرهم - إلى بلد خارج أفغانستان حتى يتمكنوا من إكمال عملية الحصول على التأشيرة هناك. وقال المسؤول إن الهدف هو إجلاؤهم قبل الموعد النهائي في 11 أيلول/ سبتمبر، مشيرا على وجه التحديد إلى أن هؤلاء الأفغان عملوا كمترجمين فوريين أو مترجمين.
وقال المسؤول في بيان لمجلة بوليتيكو، مؤكدا تقرير صحيفة نيويورك تايمز: "هؤلاء هم أفراد موجودون بالفعل في طابور انتظار تأشيرة الهجرة الخاصة.. سنتولى أي نقل في الامتثال الكامل للقانون القنصلي الأمريكي وبالتنسيق الكامل مع الكونغرس".
إضافة إلى عقبات الإدارة، فإن هناك تفشيا خطيرا لكوفيد-19 في سفارة أمريكا في كابل، حيث تضرر أكثر من 100 موظف. تم إغلاق السفارة، ما يجعل من الصعب على الموظفين التعامل مع التأشيرات للأفغان الذين يحتاجون إلى الحماية.
ويشير حلفاء بايدن السياسيون إلى أن الإدارة تحاول العمل بطريقة تحافظ فيها على دعم الحكومة الأفغانية بهدف حماية المصالح الأمريكية دون وجود قوات أمريكية على الأرض.
وقال السيناتور كريس مورفي (ديمقراطي من كونيتيكت)، عضو لجنة العلاقات الخارجية: "إن الناخبين في دائرتي غير مقتنعين بأن صد طالبان هو إنفاق حكيم لأموال دافعي الضرائب الأمريكيين، إذا كنا نعتقد أن هناك طرقا أخرى لحماية الأمة من هجوم إرهابي".
وأضاف: "لقد كنا واضحين للغاية أنه ستكون هناك أخبار سيئة من أفغانستان. ولكن هل تعلم؟ كانت هناك الكثير من الأخبار السيئة من أفغانستان عندما كنا هناك. في كل عام، سيطرت طالبان على المزيد من الأراضي. في كل عام تظل الحكومة فاشلة وفاسدة تماما".
قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بوب مينينديز (ديمقراطي من نيوجيرسي) بعد اجتماعه مع غني وعبد الله: "طلبهم الأساسي هو الدعم اللوجستي حتى يتمكنوا من مواصلة القتال بأنفسهم.. إنهم واثقون جدا من قدرتهم على الحفاظ على أنفسهم - إذا حصلوا على المساعدة".
وقالت ليزا كورتيس، التي شغلت منصب كبير مساعدي الرئيس السابق دونالد ترامب في مجلس الأمن القومي، إن الزيارة تمثل بالنسبة لغني فرصة حاسمة لإقناع بايدن بتعديل نهجه في الانسحاب الأمريكي.
وقالت كورتيس إنه على الرغم من المناشدات، فإن من غير المرجح أن يبقي بايدن القوات الأمريكية في البلاد، لكن غني قد يؤثر عليه لإيجاد طرق لترك المتعاقدين الأمريكيين هناك وكذلك إعطاء الأولوية للدعم الجوي الأمريكي المستمر للقوات الأفغانية. وبدون هذا الدعم الجوي على وجه الخصوص، فإن من المرجح أن تكافح القوات الأفغانية للحفاظ على الأراضي من السقوط في أيدي طالبان. وفي غضون ذلك، يقدم المتعاقدون الخدمات الأساسية، بما في ذلك الحفاظ على الأصول العسكرية الأفغانية.
فكرة تقديم الدعم الجوي من دول ثالثة أو من البحر - حاملة الطائرات آيزينهاور في طريقها إلى المنطقة من اليابان - هو شيء وجد المسؤولون العسكريون صعوبة في تفسيره. القدرة موجودة، لكنها مكلفة وتستغرق وقتا طويلا وخطيرة. ستكون الطائرات المقاتلة في الجو لفترة أطول وسيتعين عليها إعادة التزود بالوقود في الجو، ما يزيد من المخاطر والنفقات.
قالت كورتيس: "يفترض بعض الناس أن مصير طالبان العودة إلى السلطة.. هذا حال ساخر للغاية. لقد استثمرنا الكثير في العشرين عاما الماضية. نحن مدينون حقا للأفغان... لمنحهم فرصة للقتال".
ظل الأفغان يقاتلون بشكل أو بأسلوب ما لعقود من الزمن، وتحملوا الاحتلال السوفييتي، والاشتباكات بين أمراء الحرب - بعضهم مدعوم من أمريكا - وعنف الحياة في ظل حكم طالبان. كانت البلاد قاعدة رئيسية لتنظيم القاعدة، بما في ذلك زعيمها أسامة بن لادن، قبل هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على أمريكا، وأدت الهجمات إلى الغزو الأمريكي للبلاد، والإطاحة بحكومة طالبان.
لقد أثارت حركة طالبان استنكارا دوليا لانتهاكاتها لحقوق الإنسان، بما في ذلك منع الفتيات والنساء من الذهاب إلى المدرسة والعمل. على مدار العشرين عاما الماضية، حققت النساء الأفغانيات مكاسب كبيرة في التعليم وفي مكان العمل، بينما وجدت الأقليات، مثل الهزارة، قدرا أكبر من الحرية والفرص.
وأعربت السيناتور جين شاهين (ديمقراطية من نيو هامبشير)، وهي واحدة من الديمقراطيين القلائل الذين ينتقدون قرار أفغانستان، عن مخاوفها بشأن حقوق النساء والفتيات في البلاد وقالت: "لهذا السبب شعرت بخيبة أمل من قرار الانسحاب بالسرعة التي اقترحها الرئيس".
قال مسؤول في وزارة الخارجية إن الدبلوماسيين الأمريكيين لديهم "مخاوف هائلة" من أنه مع اكتساب طالبان المزيد من القوة في أفغانستان، يمكن القضاء على كل هذه المكاسب في مجال حقوق الإنسان. لكن المسؤول قال إنه لا أحد في إدارة بايدن يبدو قادرا أو راغبا في تغيير المسار.
وقال المسؤول في وزارة الخارجية: "يمكن للجميع رؤية الجرف أمامنا، ويتفق الجميع، على كل المستويات حتى قمة الهرم، على مدى خطورة القيادة من فوق جرف، لكن لا أحد يعرف كيف يضغط على المكابح".
التايمز: طالبان ضمنت النصر وبدأت بالتحاور مع المجتمع الدولي
WP: مقتل قائد الكوماندوز الأفغاني يهز كابول.. طالبان عائدة بقوة
إيكونوميست: خطوات يمكن للعراق القيام بها لإحياء دور الدولة