زيارة رئيس حكومة
الوحدة الوطنية الليبية مدينة طبرق ولقاؤه مع أعضاء البرلمان ثم بعض الأعيان والنشطاء وغيرهم؛ لم تثر الجدل من جديد حول اعتماد الميزانية التي تحولت إلى ورقة لعب ووسيلة ضغط لتحصيل مكاسب سياسية أو حتى شخصية فحسب، بل سلطت بعض الضوء على العلاقة بين الغرب والشرق الليبي، وموقف رئيس الحكومة من
حفتر ومن الجيش الخاضع له.
ومن المحتمل أن يعتمد البرلمان، الذي اختطفت ثلة من الأعضاء موقفه من الميزانية خلال الجلسات الأولى لمناقشتها؛ الموازنة قريبا، فلا الأوضاع الداخلية تسمح بمزيد من المماطلة، ولا الموقف الدولي الداعم للحكومة سيقبل بمناورة جديدة ومزيد من التأخير.
وسيساعد على الدفع باتجاه المصادقة على الميزانية تعهد رئيس الحكومة بتنفيذ بعض شروط المعطلين، والتي منها معالجة حقيبة وزارة الدفاع وفق تفاهم يقبل به حفتر، وإدراج بعض متطلبات "الجيش" في الموازنة، لكن لن يتحمل رئيس الحكومة عبء الخلاف بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حول المناصب السيادية، والتي جعلها عقيلة صالح وبعض أعضاء المنطقة الشرقية شرطا لإقرار الميزانية العامة.
مسألة تخصيص موازنة للجيش التابع لحفتر في حال أقرها رئيس الحكومة تشكل إحراجا للرئيس، فالسيد ادبيبة سيضطر إلى تمويل نفقات جسم لا يعترف بسلطة للحكومة عليه، بل إنه قد يجد نفسه مسؤولا عن تمويل قوات قد تتحرك في اتجاه يناقض أو يصادم سياسات الحكومة، بل ربما يجدها يوما تتجهز للإطاحة به.
لقاء رئيس الحكومة بمجلس النواب يمكن أن يسهم في جسر الهوة وسحب البساط من تحت أقدام الرافضين لإقرار الميزانية لأسباب سياسية غير مقبولة، أما زيارة بنغازي فهي تقترن بنفوذ حفتر، وتتأثر كثيرا بالمعادلة المختلة التي هي انعكاس للوعي المزيف لدى أنصار حفتر؛ الذين يعتبرونه وجيشه فوق الجميع وينبغي أن توفر له كل الإمكانيات دون قيد أو شرط، ضاربين بعرض الحائط خارطة الطريق التي تقضي بأن تخضع كافة التشكيلات العسكرية والأمنية للسلطة التنفيذية المدنية، ممثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.
إن مطالبة عدد ممن تظاهروا أمام مقر البرلمان في طبرق بأن يعطي رئيس حكومة الوحدة الوطنية التحية العسكرية لصورة حفتر كانوا يحملونها؛ يمثل نموذجا من الوعي المختل الذي ينتشر لدى شريحة غير قليلة من أنصار حفتر، في مصادمة لكل ما هو منطقي وعقلاني.
بالمقابل، فإن هناك من يسعى إلى الخروج من عباءة حفتر، ولهذا كان الحديث عن زيارة رئيس الحكومة إلى بنغازي في قلب التدافع والتجاذب، وكانت مسألة محورية في النقاش الذي دار بين الأعيان والنشطاء وغيرهم، ولقد تحولت زيارة ادبيبة لبنغازي من موقف سياسي ضد الحكومة إلى مطلب عاجل دندن حوله من تحدث من الأعيان والنشطاء وغيرهم، وليعطي ادبيبة للزيارة بعدا آخر بقوله إن أطرافا خارجية تدخلت لمنعه من القدوم إلى بنغازي. ولهذا التصريح تأثيره على مواقف المعارضين لدخول ادبيبة للمدينة دون اشتراطات؛ كان من بينها طلب إدراج الاجتماع بحفتر ضمن أجندة الزيارة كبادرة حسن نية من رئيس الحكومة.
اللافت هو الحديث عن "اللحمة الوطنية"، وليبيا الموحدة، والحكومة الواحدة، على لسان كل من تحدثوا بين يدي رئيس الحكومة، وذلك في ظل ارتفاع الحس الجهوي لدى من أصبحوا لفترة لسان حال ومقال الشرق الليبي.
والأهم من ذلك درجة التحرر من سلطان حفتر ونفوذه، ومن الأدلة على ذلك تبجيل الحكومة ورئيسها، والإشادة بمبدأ الدولة المدنية، ومدح طرابلس وكافة مكوناتها بما في ذلك الكتائب والمجموعات المسلحة، كما ورد ذلك على لسان فرج اقعيم، وكيل وزارة الداخلية، والذي رافق رئيس الحكومة في زيارته ووفر له الحماية من عبث بعض الغوغاء.
الافتراض بأن هناك أصواتا تغرد بعيدا عن أسوار "الرجمة" محتمل وله شواهده العديدة، ومن الممكن أن يكون هذا التوجه برعاية من حفتر الذي يدرك أن الطرف الاقليمي والدولي لا يسمح بمغامرة كالتي تورط فيها في نيسان/ أبريل 2019م، وأن طوق نجاته ووسيلة تحقيق طموحه هي
الانتخابات، وهذا لا يكون إلا بالتعاون مع حكومة الوحدة الوطنية، وليس مصادمتها.