يطلق على مسلمي دولة البوسنة والهرسك اختصارا "البشناق"، وهم الذين تركوا بلادهم إثر اتفاقية برلين عام 1878 التي سلمت بموجبها الدولة العثمانية بلاد البوسنة والهرسك لتكون تحت سيطرة إمبراطورية النمسا والمجر، وبالمقابل كان لسكان المنطقة الأصليين الرافضين للحكم الجديد الحق في مغادرة أراضيهم والاستقرار في أراضي الدولة العثمانية الشاسعة.
"البشناق" أو البوسنيون، مناطقهم الرئيسية هي البوسنة والهرسك (48%) وإقليم السنجق الواقع بين منطقتي جمهورية كوسوفو والجبل الأسود. ولا يزال السنجق تابعا لصربيا حتى اليوم مع أن 95% من سكانه من المسلمين.
قرر عدد كبير من المسلمين البوسنيين الهجرة، برغبتهم ومكرهين أيضا، فمنهم من هاجر واستقر في تركيا الحالية، ومنهم من توجه إلى فلسطين والدول العربية الأخرى التي كانت تابعة للدولة العثمانية آنذاك، وأطلق الناس عليهم اسم "البشانقة" أو "البشناق" نسبة لبلادهم.
المجموعة التي وفدت لفلسطين كان تعدادها نحو 400 عائلة، واستقروا في قيساريا جنوبي حيفا، التي كانت خربة على شاطئ البحر المتوسط،، فعمروها واستصلحوا أراضيها، وعملوا على زراعتها، وبعضهم الآخر سكن في عرابة البطوف وكان لهم فيها وفي ما جاورها مساحات واسعة من الأراضي. وفيما بعد، سكن بعضهم مدن الضفة الغربية وقراها، مثل قرية يانون في محافظة نابلس، ومدينة طولكرم، وقرية رمانة في محافظة جنين، ومدينة القدس.
اندمج "البشناق" مع الفلسطينيين في مختلف نواحي الحياة مثل التعليم والعمل والزواج وفي العادات والتقاليد فتعلموا في المدارس العربية، وزوجوا بناتهم من شباب عرب، وعملوا مع الفلاحين الفلسطينيين في الزراعة.
أما القسم الثاني من "البشناق" فقد وصلوا إلى فلسطين في حرب عام 1948 للمشاركة في الدفاع عن فلسطين، وكان من بينهم مئات المتطوعين من الضباط والجنود البوسنيين، حيث توزع المتطوعون في القرى والمدن الفلسطينية. وأخذ الضباط منهم يدربون أبناء القرى والمدن الفلسطينية على السلاح استعداد للمعارك مع اليهود، عمل بعضهم في جيش الإنقاذ كخبراء للمتفجرات والآليات والمدرعات.
ولم يكتفوا بالتدريب، فقد خاضوا المعارك في يافا والقسطل والمالكية وترشيحا وسعسع والشجرة وكابرة وطولكرم، وارتقى العديد منهم شهداء في معركة القسطل ومعركة يافا، ومعركة المالكي بالإضافة إلى وقوع العشرات منهم جرحى.
مسجد البشناق في قيسارية في فلسطين المحتلة
وبعد نكبة حرب 1948، أصاب البوسنيين في الشمال ما أصاب إخوانهم الفلسطينيين، فلجأوا إلى البلدان العربية المجاورة، مثل: سوريا، ولبنان، والأردن واستقر معظمهم في سوريا.
وأشهر العائلات التي قدمت إلى فلسطين تعددت أسماؤها، مثل: لاكشيتش، بيغوفيتش، مرادوفتش، جيهانوفيتش، وغيرها وأصبحوا كلهم تحت مسمى واحد "بشناق". على الرغم من أنهم ليسوا في الأصل من عائلة واحدة، إلا أن معظم "البشناق" الذين هاجروا إلى بلاد الشام اعتمدوا "البشناق" كلقب عائلي.
ولعل أشهر شخصية من البشناق عرفتها بلاد الشام والي عكا أحمد باشا حلمي بشناق، الذي عرف بـ "أحمد باشا الجزار"، الذي أفشل طموحات نابليون عام 1799 ورد حملته على أعقابها.
ونجح في تحقيق الاستقلال بأجزاء من بلاد الشام بدون إعلان هذا الاستقلال عن السلطنة كما أكسبه صموده أمام جيوش نابليون شهرة بعد فشل نابليون في حصار عكا. وكاد أن يتولى حكم مصر قبل محمد علي باشا الذي حكم مصر بين عامي 1805 و1848.
وتعرض المسلمون في البوسنة أواخر تسعينيات القرن الماضي لحرب إبادة شنها الصرب وبمشاركة ودعم من الكروات، فاستشهد فيها 300 ألف مسلم واغتصبت نحو 60 ألف امرأة وطفلة وهجر نحو مليون ونصف المليون من المسلمين في البوسنة، وهدم 800 مسجد بعضها يعود بناؤه إلى القرن السادس عشر الميلادي، كما أنه تم إحراق مكتبة سراييفو التاريخية، وهذه الأرقام والإحصاءات يتكرر ذكرها في أروقة الأمم المتحدة.
ولكن الجريمة الأكثر شهرة كانت حصار سربرنيتشا الذي دام سنتين مع القصف المستمر، وانتهت بجريمة مروعة، أشبه بمؤامرة أممية، ما زالت وصمة عار في جبين أوروبا والعالم والأمم المتحدة نفسها.
المراجع
ـ وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، 2021.
ـ بشناق.. حكاية الاندماج، مدونة تتعلق بعائلة البشناق المنتشرين في العالم. صممت كمشروع للتخرج من "معهد الإعلام الأردني"، 2013. https://tulic1980.blogspot.com/
ـ صقر أبو فخر، الحاج أمين الحسيني والبوسنيون.. وقائع لها تاريخ، العربي الجديد، 14/11/2015.
ـ البوسنة وحرب القرون الوسطى، موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 16/9/2020.
ـ الأمير أحمد حيدر الشهابي، "قصة أحمد باشا الجزار بين مصر والشام وحوادثه مع نابليون بونابرت"، القاهرة، 2008.
- موقع دوز، عبد القادر عبد الحافظ، تحرير عبد الرحمن عثمان، تاريخ البشناق في فلسطين، 12/8/2018.
الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود.. كتب الشعر لفلسطين بالدم
إبراهيم طوقان شاعر فلسطين الأول ورائد النهضة الأدبية (1من2)
الشعر والهوية الفلسطينية.. إسكندر الخوري البيتجالي نموذجا