مقابلات

"عربي21" تحاور إحدى بطلات فيلم "ليكن صباحا"

جونا سليمان فنانة فلسطينية من مدينة الناصرة وتقيم حاليا في حيفا- عربي21

أثار إعلان فنانين فلسطينيين انسحابهم من المشاركة في فعاليات الدورة الـ74 من مهرجان كان السينمائي، احتجاجا على تصنيف إدارة المهرجان لفيلمهم "ليكن صباحا" كفيلم إسرائيلي، ضجة واسعة خلال الأيام الماضية، وسط احتفاء لافت بتلك الخطوة التي قالوا إنها جاءت رفضا لما وصفوه بـ "طمس الهوية الفلسطينية".


في هذا الإطار، أجرت "عربي21" مقابلة خاصة مع الفنانة الفلسطينية، جونا سليمان، والتي هي إحدى بطلات فيلم "ليكن صباحا".


و"سليمان" هي فنانة فلسطينية من مدينة الناصرة (شمال)، وتقيم حاليا في حيفا (شمال)، وهي صانعة أفلام، تعمل بعدة مجالات منها الإخراج والتمثيل والمونتاج، وقد أخرجت بعض الأفلام منها "شقيقة موسوليني"، الذي كان مرشحا بمهرجان "إدفا" الدولي للأفلام الوثائقية وبعض المهرجانات الأخرى، بالإضافة إلى أنها عملت كمديرة توزيع أدوار لعدة أفلام فلسطينية.


وفي ما يلي نص المقابلة الخاصة:


ما أبعاد قراركم الخاص بالانسحاب من مهرجان "كان" السينمائي؟ وما حقيقة الأسباب التي دفعتكم إلى ذلك؟


ما قمنا به هو فعل احتجاجي مشروع ضد كل ما تقوم به إسرائيل من ممارسات استعمارية ضد شعبنا الفلسطيني. نحن نرفض تماما فكرة عدم الاعتراف بهويتنا التي نعتز بها كثيرا، ونستنكر بشدة رفض حكومات العالم محاربة نظام الفصل العنصري/الأبارتهايد الإسرائيلي، وندين الصمت المخزي إزاء جرائم التطهير العرقي في فلسطين، وبالتالي فلم يكن بوسعنا الاحتفاء بتسمية عملنا السينمائي كفيلم إسرائيلي.


واتخاذ هذا الموقف الموحد يأتي بلا شك اتساقا وتضامنا مع كل ما يمر به إخواننا وأخواتنا في كافة أرجاء فلسطين المحتلة. نحن نرفض التعامل مع قضيتنا كأمر واقع يمكن الاستسلام له؛ فنحن ثابتون على هذا الموقف بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.

 

ألستم نادمين على هذا القرار بأي صورة من الصور؟


كلا لسنا نادمين، ولن نندم على تلك الخطوة في أية لحظة؛ فهل هناك أحد يندم على تمسكه بقضيته وهويته ووجوده؟


هل تواصلتم مع إدارة مهرجان "كان" قبل اتخاذكم هذا القرار؟

 
القرار لا علاقة له بمنظمي المهرجان، بل هو قرار أصيل نابع من نقاشات ومحادثات معمقة جرت بين الممثلات والممثلين الذين شاركوا بالفيلم، ثم أبلغنا المخرج بالقرار الذي توصلنا إليه؛ فقام بدوره بإعلام إدارة المهرجان بموقفنا، علما بأن المخرج يحترم ويدعم موقفنا.

 

لكن لماذا أصرّت إدارة المهرجان على تصنيف الفيلم باعتباره "فيلما إسرائيليا"؟


كما هو متبع، يُصنّف الفيلم بحسب الدولة التي تموّله، إلا أن هناك تضاربا حادا بين انتمائنا لهويتنا وثقافتنا الفلسطينية، وبين هوية المواطنة الإسرائيلية الاستعمارية المفروضة علينا من قِبل دولة الاحتلال. وأغلبية الممثلين في الفيلم "فلسطينيون"، وكذلك نسبة كبيرة من طاقم العمل.


لكن إشكالية التمويل والتصنيف ترجع إلى القوانين العنصرية المُطبقة على فناني "الداخل" الفلسطيني، والتي تلغي هويتنا، والتي يتم على إثرها اعتبارنا إسرائيليين بشكل غير مباشر، استنادا للهوية الرسمية.


حيث أن سلطة الاحتلال أصدرت العديد من القوانين التي تفرض علينا أن نُعرّف أنفسنا وأعمالنا في العالم كأعمال "إسرائيلية"، في حين تمنعنا من التعبير عن هويتنا الحقيقية.


مع الأخذ في الاعتبار أن تمويل الفيلم متنوع؛ نظرا لمشاركة عدة جهات فرنسية وألمانية وغيرها في هذا التمويل، بالإضافة إلى جزء إسرائيلي. وبالتالي رفضنا تسمية فيلمنا بـ"الإسرائيلي"، لأن التسمية هنا سياسية وليست فنية بحتة، لهذا لا يمكننا القبول بذلك بأي صورة من الصور.

 

كيف تابعتم ردود الفعل المختلفة التي أعقبت هذا القرار؟


لقد أثار قرارنا جدلا واسعا، وردود فعل متباينة، وهذا قد يكون أمرا مرغوبا، لأننا أحيانا نكون بحاجة لإثارة الجدل والعمل على أفعال جماعية تغير من واقعنا المعيش.


من المهم التأكيد على أننا سلكنا طريقا يتلاءم مع مواقفنا ووجداننا وتجربتنا، التي نأمل ألا تتم المزايدة عليها، لكننا لن نحارب أي ردة فعل، حتى لو كانت سلبية للغاية، لأننا ببساطة نحترم جميع الآراء، ونحن راضون بإثارة الجدل بدلا من الصمت والتعتيم على جميع الإشكاليات الاجتماعية والسياسية المستمرة منذ عقود.

 

ما أهم الرسائل التي يحملها فيلم "ليكن صباحا"؟


أهم رسالة بالفيلم أنه يسلط الضوء، بطريقته الخاصة، على حالة الحصار الذي يعيشه كل فلسطيني، بأبعاده النفسية والشعورية والاجتماعية، وانعكاسه على سلوكياتنا. الحصار ليس فقط حظر أو منع التجول، إنما هو أيضا ذهنية المُحاصَر ومعاناته المختلفة التي يعيشها بشكل واع أو غير واع.


برأيكم، لماذا تنصاع الحكومات والمؤسسات الثقافية حول العالم للتقسيمات السياسية المفروضة على الفلسطينيين في إسرائيل والقدس الشرقية والضفة الغربية وغزة والشتات؟


هذا السؤال يجب أن يُوجّه للحكومات والمؤسسات الثقافية ذاتها، وكما هو معروف الانصياع نابع من اعتبارات ومصالح اقتصادية وسياسية. وهنالك بعض المؤسسات العالمية -كجامعتي هارفارد وييل الأمريكيتين- التي أصدرت بيانات مؤخرا من أجل محاولة التأثير من موقعها على وجهات نظر وقرارات حكومية. ونحن بدورنا نحاول أن نؤثر كغيرنا في هذا السياق.


نحن لسنا بموقع اتخاذ قرارات بطبيعة الحال، لكننا نسعى من أجل أن نعكس واقعا معينا نحياه وندركه، ومن خلال تجربتنا الفنية قد يكون لنا تأثير بصورة أو بأخرى، ومجمل ما نقوم به هو "صرخة احتجاج" تطالب العالم أجمع بالاعتراف بهويتنا الراسخة وبقضيتنا العادلة التي يستحيل فصلها عن الأوضاع السياسية الراهنة.