خلال الأسبوع المنصرم، وجه
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التهنئة إلى نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، على
توليه منصبه الجديد. وأشار الرئيس التركي إلى أنّ المجتمع الدولي ينشد الوصول إلى
حل دائم وشامل على أساس حل دولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في إطار قرارات
الأمم المتحدة، لافتاً إلى أنّ أي خطوات إيجابية سيتم اتخاذها لحل الصراع
الفلسطيني ـ الإسرائيلي ستسهم أيضا في سير العلاقات التركية ـ الإسرائيلية بمنحى
إيجابي، وأنّ الانخراط والحوار يجب أن يسود على الرغم من الخلافات. وبدوره غرّد
الرئيس الإسرائيلي قائلاً إنّهما اتفقا على أنّ العلاقات التركية الإسرائيلية تحظى
بأهمية كبيرة فيما يتعلق بأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط.
يأتي هذا التواصل بعد الإطاحة بنتنياهو الشهر
الماضي وتولي حكومة ائتلافية برئاسة نفتالي بينيت ضمن اتفاق لتقاسم السلكة في حكومة
ائتلافية لمدة عامين على أن يتولى بعدها يائير لابيد، زعيم حزب "يش
عتيد"، رئاسة الوزراء لمدة عامين آخرين بعده. وكان نتنياهو قد قوّض العلاقات
الإسرائيلية ـ التركية بشكل غير مسبوق لاسيما من خلال السياسات التي اتّبعها ضد
الفلسطينيين والاعتداءات العسكرية الوحشيّة التي شنّها ضدّهم على مدى حكمه.
لكن وخلال آذار (مارس) الماضي، عبّر وزير
الطاقة الإسرائيلي عن استعداد بلاده للتعاون مع تركيا في غاز شرق البحر المتوسط
متمنياً أن تنضم تركيا في نهاية المطاف إلى منظمة غاز شرق البحر المتوسط في
المستقبل. التصريح الإسرائيلي فتح الباب أمام إعادة التواصل بين البلدين، وقد
استغل الجانب التركي ذلك من خلال القول إنّ بلاده مستعدة لتغيير العلاقة مع
إسرائيل إذا ما غيّرت هي من سياساتها تجاه الفلسطينيين، وأتبع ذلك بدعوة الوزير
المذكور إلى مؤتمر أنطاليا الدبلوماسي في يونيو. لكن نتنياهو قوَض هذه الفرصة
بافتعاله الحرب الأخيرة على غزّة ما دفع الجانب التركي إلى سحب الدعوة والتصعيد مع
تل أبيب مجدداً.
لكن مع الإطاحة بنتنياهو، يبدو أن هناك فرصة
جديدة للتواصل بين الطرفين. الجانب الإسرائيلي يخشى أن يؤدي أي صدام شرق البحر
المتوسط إلى تعطيل مشروعه لتصدير الغاز إلى أوروبا من خلال أنبوب شرق المتوسط عبر
كريت واليونان، ولذلك هو يبقى خيار نقل الغاز عبر خط إلى قبرص وتركيا ومن ثم إلى
أوروبا مفتوحاً من خلال التواصل مع الجانب التركي.
وبغض النظر عن الحسابات
التركية، فإنّ هناك ثلاثة مؤشرات يمكن أن تساعد على معرفة الاتجاه الذي ستسلكه هذه
العلاقة خلال المرحلة المقبلة وإذا ما كان التواصل بين الطرفين سيؤدي إلى تطبيع
للعلاقات في نهاية المطاف أم لا.
المؤشر الأول يتعلق بطبيعة الحكومة
الإسرائيلية الحالية والسياسات التي سيتم اعتمادها مع الفلسطينيين. صحيح أنّ هذه
الحكومة أطاحت بنتنياهو، لكن هناك من يجادل بأنّ نفتالي هو قومي يميني وأنّه في
نهاية المطاف لم يغيّر في سياسة إسرائيل ضد الفلسطينيين. إذا ما صح مثل هذه
التقييم، فهذا يعني أنّ المحاولات لإصلاح العلاقات ستفشل سريعاً. لكن في المقابل
هناك من يعتبر أنّ طبيعة الحكومة الائتلافية ستحد من عدوانيتها تجاه الفلسطينيين،
لكن إذا ما صح ذلك فهذا سيطرح علامات تساؤل عن مدى تماسكها في حال تقدّم المفاوضات
مع تركيا لاحقاً.
المؤشر الثاني يتعلق بالوضع شرق البحر
المتوسط. اليونان بدأت مؤخراً في تقويض التهدئة التي سادت خلال الأشهر الست
الماضية وذلك من خلال محاولة تخريب المفاوضات مع مصر، والتحريض على تركيا في ليبيا
مجدداً، بالإضافة للتصعيد مجدداً في مياه شرق المتوسط من خلال تدشين مناورات
عسكرية جديدة. إذا ما تصاعد الموقف مجدداً هناك فقد يؤثر ذلك بدوره على نجاح جهود
التواصل بين الطرفين أو العمل المشترك على هذا الملف بالتحديد.
المؤشر الثلاث يتعلق بسياسة إيران الإقليمية
ومصير الاتفاق النووي مع الولايات المتّحدة الأمريكية. إذا ما تمّ تعفيل هذا
الاتفاق، وقامت الإدارة الأمريكية برفض العقوبات بشكل كامل عن طهران، فسيؤدي ذلك
حُكماً إلى تعزيز موقف ودور إيران الإقليمي. سيقوم النظام الإيراني حينها بإرسال
المزيد من الأموال والأسلحة إلى ميليشياته في سوريا والعراق ولبنان ما سيؤدي إلى
إنشاء مساحة مشتركة مجدداً بين تركيا وإسرائيل فيما يتعلق بصعود إيران الإقليمي
ودور ميليشياتها في هذه البلدان. المفارقة هنا أنّه في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق
لإعادة الاتفاق النووي، فقد تجد تركيا نفسها أمام سيناريو إيران نووية، وهذا
السيناريو لا يناسب كذلك أنقرة وتل أبيب، ما يعني أنّه من الممكن أن يخلق أرضية
لعمل مشترك بينهما في هذا الصدد.
العقبات المنتظرة في وجه دور تركي محتمل في أفغانستان
الدوافع الاستراتيجية لمقترح تركيا حماية مطار كابول في أفغانستان
فك شيفرة خطاب مصر الدبلوماسي في التقارب مع تركيا