نقلا عن موقع "ميدل إيست أي" البريطاني:
ما تم كشفه مؤخرا من أن برنامج التجسس الذي تصنعه مجموعة إن إس أو ضالع في ارتكاب انتهاكات وتجاوزات متكررة لحقوق الإنسان حول العالم، يسبب إحراجا كبيرا للحكومة الإسرائيلية الجديدة.
على إثر التقارير التي تتحدث عن الكشف عن أن قائمة بخمسين ألف رقم هاتف، تعود إلى صحفيين ونشطاء ومسؤولين كبار تم استهدافها من قبل برنامج التجسس، تم تشكيل فريق إدارة أزمة يتكون من وكالة المخابرات الموساد ووزارتي الدفاع والخارجية للرد على الفضيحة.
ولكن يبدو أن ذلك الرد جاء ضئيلا جدا ومتأخرا جدا. فثمة حاجة إلى اتخاذ إجراء أكبر وأنجع لتنظيف الأجواء المسمومة، التي دفعت زعماء الاتحاد الأوروبي إلى التعبير عن قلقهم بشأن أدوات الاختراق الإسرائيلية.
تم بفضل تحقيق مشترك عابر للحدود شاركت فيه كبريات الصحف في العالم بما في ذلك الواشنطن بوست ولوموند وهآريتز، الكشف عن الكيفية التي تم بها على مدى سنوات عديدة بيع بيغاسوس إلى حكومات دكتاتورية قمعية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وأذربيجان، أو إلى حكومات شبه ديمقراطية ذات سمعة رديئة بسبب قهرها للمعارضين السياسيين والنشطاء الاجتماعيين والإعلاميين؛ مثل المكسيك والهند ورواندا والمجر.
في بعض الحالات، يقال إن بيغاسوس ربما استخدم لاختراق الهواتف الذكية للرؤساء ورؤساء الوزراء، بمن فيهم رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون. إلا أن مجموعة إن إس أو تنكر تلك الادعاءات.
اقرأ أيضا: MEE: المئات من البريطانيين على قوائم تجسس "بيغاسوس"
منتج نموذجي
يعتبر إن إس أو منتجا نموذجيا لقطاع التكنولوجيا المتقدمة في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
فإسرائيل رائدة في العالم في مجال بحث وتطوير الأدوات السيبرانية ووسائل الحرب فيها. وكما هو حال مبيعات السلاح، التي تحتل فيها إسرائيل موقعا ضمن العشرة الأوائل عالميا، تعود جذور صناعة التكنولوجيا المتفوقة إلى المؤسسة العسكرية وإلى الأجهزة الاستخباراتية التابعة لها.
إسرائيل دولة صغيرة تهيمن عليها ذهنية الحصار، ومن هنا جاء تطوير هذا القطاع كضرورة للحفاظ على تفوقها التكنولوجي على أعدائها.
ولهذه الغاية طورت إسرائيل وحدات تكنولوجية واستخباراتية ذات مهارات فائقة داخل جهاز الموساد وداخل جهاز الأمن الداخلي الشين بيت، وداخل المؤسسة العسكرية وضمن وحدة البحث والتطوير التابعة لوزارة الدفاع.
من أشهر هذه الوحدات الوحدة 8200، وهي أضخم وأهم كيان داخل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
تناط بالوحدة 8200 مهمة جمع البيانات والاستخبارات والبحث والتحليل وفك الألغاز ومعالجتها بالإضافة إلى مساندة العمليات الخاصة ما وراء خطوط العدو.
في الأساس، كانت أساليبها قد صممت لتعزيز وتحسين قدرة الحكومة على صناعة القرار. ولكن خلال العقدين الماضيين، قامت الوحدة 8200 أيضا بتطوير إجراءات هجومية في المجال السيبراني، التي "تم إثباتها في المعركة" في أثناء العمليات المشتركة مع الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية لاختراق أجهزة الحاسوب الإيرانية، وإعطاب أجهزة الطرد المركزي النووية في ناتانز.
اعتبرت القدرات والأساليب التي استخدمتها الوحدة 8200 على الفلسطينيين إشكالية ومنتهكة للخصوصية من قبل ثلاثة وأربعين من الجنود والضباط السابقين، الذين عملوا في الوحدة والذين اتهموها بممارسة "التنكيل السياسي".
إلا أن الوحدة 8200 ليست وحيدة، إذ لدى إسرائيل أيضا وحدات سيبرانية أخرى مثل الفرع التكنولوجي للاستخبارات العسكرية (المعروف باسم الوحدة 81) والكيانات الدفاعية السيبرانية لهندسة الاتصالات، التي تناط بها مهمة حماية الشبكات العسكرية من الاختراق من قبل الأعداء والأصدقاء على حد سواء.
لا كوابح
برز مؤسسا إن إس أو، شاليف هوليو وأومري لافي، من داخل صفوف واحدة من تلك الوحدات، وما يشتركان فيه مع الكثيرين من خريجي الوحدات من مثل الوحدة 8200، هو ما لديهما من حافز للانتفاع من تجربتهما ومعرفتهما التكنولوجية العسكرية وتطبيقها في السوق المدني.
تجد هذه الرغبات الشخصية لها سندا في سياسة وزارة الدفاع التي تعمل على ترويج وتصدير المنتجات العسكرية – سواء كانت صواريخ أو قنابل أو طائرات أو مدافع أو دبابات أو تكنولوجيا وبرامج كومبيوتر – إلى الأسواق الخارجية.
لا يقتصر الهدف على تحسين الاقتصاد الإسرائيلي، بل يستخدم أيضا بمنزلة أداة دبلوماسية. فمن خلال بيع الأسلحة أو الأدوات السيبرانية، تتمكن إسرائيل من إنجاز اختراقات في مناطق غير مطروقة من قبل، وخاصة داخل البلدان التي لا توجد لها مع إسرائيل علاقات دبلوماسية، أو البلدان التي تعتبر حكوماتها منبوذة على الساحة العالمية.
لا يوجد لدى إسرائيل أي موانع لبيع منتجاتها إلى الحكومات التي تقشعر منها جلود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، طالما كانت مثل هذه العلاقات والمبيعات تخدم أهداف إسرائيل الدبلوماسية والعسكرية.
وبهذه الطريقة، قامت إسرائيل، بشكل أساسي من خلال الموساد، بتعبيد الطريق لتكوين علاقات سرية في البداية ثم علاقات أكثر انفتاحا مع أجزاء من العالم العربي، مثل تلك العلاقات التي أقامتها مع الإمارات العربية المتحدة أو البحرين أو المملكة العربية السعودية.
إن المقايضة بالنسبة لإسرائيل بسيطة جدا: تقوم وزارة الدفاع بإقرار وترخيص وحتى تشجيع مؤسسات مثل إن إس أو أو سيليبرايت؛ حتى تبيع ما تنتجه من أدوات فتاكة إلى الطغاة، وقوات الشرطة وأجهزة الأمن منعدمة الضمير. وبالمقابل، تبدي تلك الحكومات استعدادها لإقامة علاقات مع إسرائيل أو للتعاون معها من خلال تزويدها بالمعلومات الاستخباراتية.
من النماذج الجيدة لتوضيح مثل هذا التحالف غير المقدس أذربيجان، فقد باعت إسرائيل أسلحة ومعدات سيبرانية لأذربيجان استخدمتها حكومة باكو لمراقبة ومضايقة المعارضين السياسيين والصحفيين والتجسس عليهم، وبالمقابل تسمح لإسرائيل باستخدام أراضيها كمنصة انطلاق لعمليات التجسس ضد إيران.
التقدم على الأعداء والحلفاء
إلا أن ثمة احترازا في استعداد إسرائيل لبيع منتجاتها العسكرية عالميا، ويتمثل ذلك في أنها لا تقدم بتاتا على بيع التكنولوجيا فائقة التطور، التي تحتفظ بها حصريا لاستخدام أجهزتها الاستخباراتية، مما يمكن إسرائيل من أن تظل متقدمة على أعدائها، بل وحتى على أصدقائها.
فعلى سبيل المثال، يستخدم جهاز الأمن الداخلي الشين بيت باستمرار قدرات سيبرانية أكثر تقدما في التجسس على الفلسطينيين داخل المناطق المحتلة.
فقط حينما يتم تطوير جيل جديد من الأدوات، تسمح وزارة الدفاع ببيع التقنيات الأقل تطورا إلى الأسواق الخارجية.
بإمكان المرء أن يستنتج أن الشين بيت والموساد والاستخبارات العسكرية، لديها الآن برامج تجسس أكثر تطورا وأشد تعقيدا من بيغاسوس.
والآن، ونظرا لأن إسرائيل باتت في عين العاصفة، فإنه حان الوقت لأن يغير قادتها العسكريون والدبلوماسيون من أسلوبهم ومن سياستهم. يتوجب عليها إضافة القيم المعنوية والأخلاقية إلى اعتباراتها الأمنية ومتطلبات سياستها الخارجية.
وكخطوة أولى، يجب توقيف بيع أدوات مثل بيغاسوس، على الأقل للأنظمة المريبة.
اقرأ أيضا: "فضيحة بيغاسوس".. الجزائر تفتح تحقيقا والمغرب يلجأ للقضاء
MEE: المئات من البريطانيين على قوائم تجسس "بيغاسوس"
هكذا حصلت السعودية على "بيغاسوس" الإسرائيلي للتجسس
FT: كيف استغلت إسرائيل "بيغاسوس" للتطبيع مع الخليج؟