نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا للصحفيين هيلين كوبر وكاتي روجرز وثوماس غيبسون قالوا فيه إنه لو كانت طالبان قد استولت على ثلاث عواصم إقليمية في شمال أفغانستان قبل عام، كما فعلت الأحد الماضي، لكان الرد الأمريكي على الأرجح شرسا.
وقالت الصحيفة وفق ما ترجمته "عربي21": "لكانت الطائرات المقاتلة والمروحيات الحربية الأمريكية سترد بالقوة، بضرب طالبان أو على الأقل عرقلة تقدمها".
وأوضحت: "لكن الأمور تغيرت. فما استطاعت الطائرات التي يمكن للجيش الأمريكي حشدها من على بعد مئات الأميال فعله هو ضرب مخبأ للأسلحة بعيدا عن قندوز أو طالقان أو سار إي بول، المدن التي كانت قد سقطت بالفعل بأيدي طالبان".
واعتبرت أن الرد الأمريكي الصامت يوم الأحد، أظهر بعبارات لا لبس فيها أن حرب أمريكا في أفغانستان منذ 20 عاما قد انتهت، مضيفة: "سيتعين على القوات الأفغانية سيئة الإدارة والمنهكة أن تستعيد المدن بمفردها، أو تتركها لطالبان إلى الأبد".
اقرأ أيضا: طالبان على تخوم مزار شريف وتنتزع عاصمة ولاية سادسة
وقال مسؤولون كبار في الإدارة يوم الأحد، إن سلسلة الانتصارات العسكرية الأخيرة لطالبان لم تدفع الرئيس بايدن إلى إعادة تقييم قراره بإنهاء المهمة القتالية الأمريكية بحلول نهاية الشهر. لكن العنف يظهر مدى صعوبة أن يقوم بايدن بإخراج أمريكا من الحرب بينما يصر على أنه لن يتخلى عن البلاد وسط هجوم وحشي لطالبان.
وفي خطاب ألقاه مدافعا عن الانسحاب الأمريكي الشهر الماضي، قال بايدن إن أمريكا فعلت أكثر مما يكفي لتمكين الشرطة الأفغانية والجيش لتأمين مستقبل شعبهما.
وأقر المسؤولون الأمريكيون بأن هذه القوات ستواجه صعوبات، لكنهم احتجوا بأنه يجب عليهم الآن الدفاع عن أنفسهم.
وقالت الصحيفة: "حتى الآن، لم تظهر إستراتيجية الإدارة المتمثلة في ترك الحكومة الأفغانية لمصيرها نتائج واعدة. خلال الأسبوع الماضي، تحرك مقاتلو طالبان بسرعة لاستعادة المدن حول أفغانستان، واغتالوا مسؤولين حكوميين، وقتلوا مدنيين في هذه العملية"، وفق اتهامات الصحيفة.
وأضافت أنه "طوال ذلك، أعرب المسؤولون الأمريكيون عن أملهم علنا في أن تمتلك القوات الأفغانية الموارد والقدرة على الرد، بينما تتفاوض في الوقت نفسه على اتفاق سلام مع طالبان يبدو أبعد منالا يوما بعد يوم".
وقال ليون بانيتا، الذي شغل منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس باراك أوباما، إنه كان يتوقع أن يرى المزيد من الدعم الجوي الأمريكي يوم الأحد، لكنه لا يتوقع أن يتحسن الوضع بشكل ملحوظ حتى بمساعدة القوات الأمريكية.
وتابع بانيتا: "دعونا نواجه الحقيقة.. أكثر ما يمكن أن نتمناه الآن هو نوع من الجمود" بين القوات الأفغانية ومقاتلي طالبان، الذين أبدوا اهتماما ضئيلا بالتوصل إلى اتفاق منذ الإعلان عن انسحاب القوات الأمريكية.
وفي البنتاغون، حيث قطع كبار القادة على مضض معظم الدعم العسكري لأفغانستان، أجرى مسؤولون مكالمات هاتفية يوم الأحد بشأن الأحداث الجارية حول قندوز، المدينة التي يزيد عدد سكانها عن 350 ألف نسمة. وكانت أمريكا قد تدخلت مرتين في الماضي لاستعادة قندوز من طالبان".
لكن مسؤولي الدفاع قالوا إنه لا توجد خطط لاتخاذ إجراءات هذه المرة عدا الضربات الجوية المحدودة. وقال مسؤولون إن أمريكا استخدمت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية طائرات درون مسلحة من طراز ريبر وطائرات مسلحة ثقيلة من طراز إيه سي -130 لاستهداف معدات طالبان، بما في ذلك المدفعية الثقيلة التي تهدد المراكز السكانية والسفارات الأجنبية والمباني الحكومية الأفغانية.
وأقر أحد المسؤولين بأنه مع بقاء 650 جنديا أمريكيا فقط على الأرض في أفغانستان، فمن غير المرجح أن تؤدي الحملة الجوية المنسقة إلى إلغاء التقدم الذي حققته طالبان.
وعلى الرغم من أن المهمة العسكرية الأمريكية ستنتهي رسميا في نهاية هذا الشهر، فقد اختفت القوات الأمريكية وحلفاؤها الغربيون بالفعل. وسلمت أمريكا قاعدة باغرام الجوية -التي كانت في يوم من الأيام المركز العصبي للجيش- إلى الأفغان الشهر الماضي، ما أنهى فعليا العمليات العسكرية الأمريكية الرئيسة.
اقرأ أيضا: استراتيجية طالبان للسيطرة على أفغانستان: الحدود أولا
وقالت الصحيفة: "الآن، يصل الدعم الجوي للقوات الأفغانية والمراقبة العلوية من خارج البلاد، من قواعد في قطر أو الإمارات أو من حاملة طائرات في بحر العرب".
ووصف ويسلي كلارك، القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي في عهد الرئيس بيل كلينتون، أحداث نهاية الأسبوع بأنها "مأساة لشعب أفغانستان، ونتيجة لسوء التقدير والإخفاقات الأمريكية".
وأوردت الصحيفة أنه "ارتفعت الخسائر في صفوف المدنيين ارتفاعا هائلا. قُتل أو جرح قرابة 2400 مدني بين 1 أيار/ مايو و30 حزيران/ يونيو، وفقا لتقرير للأمم المتحدة صدر الشهر الماضي، وهو أعلى رقم مسجل لتلك الفترة منذ بدء المراقبة في عام 2009".
وعندما سُئلت جين ساكي، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، الجمعة الماضي حول تقدم طالبان، قالت للصحفيين إن بايدن كان مستعدا منذ فترة طويلة لاتخاذ "خيارات صعبة" كجزء من التزامه بفك الارتباط بأفغانستان.
وقالت ساكي: "أوضح الرئيس: بعد 20 عاما من الحرب، حان الوقت للقوات الأمريكية للعودة إلى الوطن. كما أنه يشعر وذكر أن الحكومة الأفغانية وقوات الدفاع الوطني الأفغانية لديهم التدريب والمعدات والأعداد لتحقيق النصر، والآن هو الوقت المناسب للقيادة والإدارة في مواجهة عدوان طالبان وعنفها".
وعكست تعليقات ساكي وجهة النظر السائدة بين جناح الأمن القومي التقدمي لحزب بايدن بأن القوات الأفغانية ستقاوم إذا لم تُعطَ خيارا آخر.
وقال جون سولتز، أحد المحاربين القدامى في حرب العراق ورئيس مجموعة المحاربين القدامى VoteVets، "كما هو الحال في العراق، عند نقطة معينة يجب أن يتم فك عجلات التدريب. كان ذلك عندما تقدم الجيش العراقي، وسيكون ذلك عندما يفعل الجيش الأفغاني".
وقال سولتز، الذي ساعد في تدريب الجيش العراقي، "قد تكون ظهورهم للجدار مع اقتراب القتال من كابول، ولكن هذا بالضبط عندما سيقاتلون بقوة ويصمدون.. لقد فعلنا كل ما في وسعنا لإعدادهم لهذه اللحظة".
وحتى الآن، لم يعرب أي مسؤول كبير في البنتاغون عن سخطه علنا من بايدن بشأن تقدم طالبان، وهو ما توقعه وزير الدفاع لويد أوستن الثالث في الربيع الماضي، عندما نصح هو والجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، بايدن بعدم الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية.
وقال أوستن لرئيسه: "لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل"، في إشارة إلى الانسحاب في عهد أوباما من العراق، والذي تلاه صعود الدولة الإسلامية. انتهى الأمر بأمريكا بالعودة إلى العراق وشنت خمس سنوات من الضربات الجوية في العراق وسوريا لمساعدة قوات الأمن العراقية على دحر تلك المجموعة المتمردة.
وجادل بايدن لصالح الانسحاب من أفغانستان لسنوات. في عام 2009، أثناء خدمته كنائب للرئيس، دافع عن الحد الأدنى من تواجد القوات الأمريكية هناك، لكن أوباما أمر بزيادة القوات، ثم تخفيضها بشكل سريع.
لكن بعد أكثر من عشر سنوات، كرئيس، اتخذ قرار الانسحاب، وهو أحد أهم قرارات رئاسته حتى الآن. وعلى الرغم من احتمال أن يواجه البيت الأبيض صورا مروعة للمعاناة الإنسانية والخسائر في الأسابيع والأشهر المقبلة، فقد تعهد بايدن بالمضي قدما بغض النظر عن الظروف على الأرض.
وتظهر استطلاعات الرأي أن أعدادا كبيرة من الأمريكيين في كلا الحزبين يؤيدون مغادرة أفغانستان.
وكان بايدن قد أعلن في نيسان/ أبريل أن أمريكا أنجزت مهمتها منذ فترة طويلة في حرمان الإرهابيين من ملاذ آمن في أفغانستان، وأن جميع القوات الأمريكية ستغادر البلاد بحلول 11 أيلول/ سبتمبر. ولكن تم تقديم هذا التاريخ إلى 31 آب/ أغسطس، ما يمنح البنتاغون - والقوات الأفغانية - حوالي شهر لإبطاء حركة طالبان.
وأعرب مسؤولون في الإدارة والجيش عن وجهات نظر متضاربة حول ما إذا كانت أمريكا ستستمر في الضربات الجوية بعد 31 آب/ أغسطس لمنع المدن الأفغانية والحكومة الأفغانية بقيادة الرئيس أشرف غني من السقوط. لكن حتى لو استمرت الضربات الجوية، فلن يكون بوسعهم سوى فعل القليل حيث يجب أن يأتي الجزء الأكبر من الجهد من القوات الأفغانية الموجودة على الأرض.
وقال مسؤولان أمريكيان يوم الأحد، شريطة عدم الكشف عن هويتهما، إن قندوز لن تكون أبدا المدينة الأفغانية التي قد تدفع بايدن إلى إعادة التفكير في استراتيجيته.
وقد يضطر إلى التدخل إذا أصبحت قوات طالبان على وشك اجتياح قندهار، ثاني أكبر مدينة في أفغانستان، أو حتى كابول، حيث لدى أمريكا سفارة تضم حوالي 4000 شخص، بحسب الصحيفة.
التايمز: هل تاريخ أفغانستان "الدامي" محكوم بإعادة نفسه؟
ذي هيل: لماذا فشلت أمريكا في أفغانستان؟
صحيفة: هزائم وخسائر لأمريكا وروسيا بأفغانستان أمام طالبان