قال موقع ميدل إيست آي البريطاني، إن الدرس
المستخلص من الثورات العربية، هو ليس أن الناس يمكن أن يثوروا، لكنهم يحتاجون لمعرفة
الجواب على سؤال ’ماذا بعد؟‘ حيث تحولت بعض الثورات إلى حروب قبيحة وفقدوا فيها
السيادة على انتفاضاتهم.
وأوضح الموقع في مقال للكاتب أندرو هاموند، أن
عواقب انعدام الرؤية والقيادة أكثر ما يتجسد وبشكل مؤلم في النموذج المصري، في
المقابل معروف عن الثورات الناجحة أنها تتعرف على مراكز القوى الرجعية ثم تنقض
عليها بلا هوادة.
ورأى أن هذا الإخفاق كان في مراعاة هذا المبدأ
قد جازف بالمكاسب التي تحققت في تونس، والتي كثيراً ما يشار إليها باعتبارها قصة
النجاح الوحيدة في الربيع العربي. في الفترة التي تلت الإطاحة بنظام بن علي، تمكنت
المصالح المختلفة الأعمال، الأراضي، الأمن، الخارج – من الإبقاء على مراكز نفوذها، ما أفضى إلى الصدام على الصلاحيات بين الرئيس والحكومة والبرلمان، وهي معركة
يكسبها قيس سعيد حالياً.
وفي ما يأتي النص الكامل للمقال:
الدرس الذي يستخلص من الانتفاضات العربية ليس
أن الناس يمكن أن يثوروا، بل هو أنهم يحتاجون لأن يعلموا بأي غاية ينبغي أن يجيبوا
عن سؤال: ماذا بعد؟
تمخضت الانتفاضات العربية عن نوع خاص من الحراك
السياسي الذي يؤمن بحركات الاحتجاج الشعبي وسيلة لإحداث تغيير سياسي. بلغ الشعور
بالتمكن لدى النخب الحاكمة منذ بدء عصر ما بعد الاستعمار أنها لم تكن تتصور أن
الفلاحين يملكون القدرة على الثورة، ولا تصور ذلك داعموهم في الخارج.
ثار جدل كثير حول الدوافع من وراء الانتفاضات
التي بدأت في تونس وانتشرت سريعاً بعد ذلك لتشمل مصر والبحرين وليبيا واليمن
وسوريا. هل شجع الأمريكان نشطاء الديمقراطية وحفزوهم خلال السنوات التي سبقت
انطلاق الانتفاضات أم أن الإعلام العربي ساهم في نشر روح الثورة والتمرد بعد أن
هرب الرئيس السابق زين العابدين بن علي من تونس؟ لا قبل لأي من هذه النظريات
بتفسير الظاهرة التي ما لبثت أن انتشرت في كل مكان.
ما من شك في أن الحكومات الغربية صدمتها
الأحداث التي وقعت في مصر وتونس والبحرين، بل لقد دفعت القوى الغربية الرئيس
السابق حسني مبارك نحو الاستقالة في مصر رضوخاً أمام إصرار الثوار في الشارع. في
نفس الوقت قللت وسائل الإعلام العربية من أهمية الأحداث في البحرين لأسباب طائفية.
كان يدفع الحركة هناك موجة من مبادرات التعبئة،
والتي نشأت أولاً وقبل كل شيء من إحساس وتفويض شعبي. لم يزل الخوف من قوة الجماهير
شبحاً يطارد النخب الحاكمة في العالم منذ الثورة الفرنسية.
بغض النظر عن ألوانها، إنما صممت الأنظمة
السياسية الحديثة للتخفيف من المخاطر التي قد تنجم عن اندلاع حركات شعبية، وكذلك
من أجل ضمان أن يفوز بالانتخابات الأشخاص المناسبون الذين لن يعرضوا المنظومة
القائمة لتغيير راديكالي، من لبنان الطائفي إلى المجمع الانتخابي الأمريكي. أطلق
على ذلك عالم الاجتماعي الفرنسي غوستاف لوبون عبارة "نفسانية الحشود"،
وهي نظرية طبقية تعتبر الناس العاديين مجرد دهماء لا يفكرون وهدفهم الحقيقي هو بكل
بساطة الحفاظ على الوضع القائم.
أنظمة السيطرة والتحكم
من حين لآخر تثبت الأنظمة في الشرق الأوسط
قدرتها على تسخير التعبئة الشعبية لصالح تأثير عظيم – كانت مهارة الرئيس المصري
السابق جمال عبد الناصر في استغلال السياسة الشعبية أسطورية – إلا أن الربيع
العربي كان أم جميع الانهيارات في أنظمة السيطرة والتحكم.
وجدت الأنظمة نفسها عاجزة عن احتواء ما جرى أو
مواجهته على الرغم مما كانت تحظى به من سمعة عالمية من حيث المهارات التي تتوفر
لديها في فنون القمع والتنكيل – بدعم كامل، سياسياً وتكنولوجياً، من الغرب. الأمر
الآخر الذي تصدع وانهار كان التصور الاستشراقي للعرب، والذي كان يرى أنهم يتوقعون
أن يحكموا بقبضة حديدية، اقتباساً من عنوان لموضوع نشر مؤخراً في مجلة فورين
بوليسي، وأنهم في الحقيقة لم يريدوا الديمقراطية على أية حال.
إلا أن الدرس الذي يستخلص من الانتفاضات
العربية ليس أن الناس في النهاية يمكن أن يثوروا، بل هو أنهم يحتاجون لأن يعلموا
بأي غاية ينبغي أن يجيبوا على سؤال: ماذا بعد؟ ففي سوريا، حولت تشكيلة من اللاعبين
الإقليميين والدوليين الثورة الشعبية إلى حرب قبيحة بالوكالة هي التي غذت صعود
تنظيم الدولة الإسلامية ثم تضافرت لإسقاطه، وهي التي كان لها الفضل في الإبقاء على
حياة النظام، كما كان متوقعاً، بعد أن وجد من القوى الخارجية من يتبناه ويدعمه. في
الواقع، لم ينعم المحتجون في شوارع سوريا سوى بفترة قصيرة من السيادة على
انتفاضتهم.
في ليبيا، تشكل نموذج مشابه من التدخل الغربي
والخليجي فأطاح بالزعيم السابق معمر القذافي ولكنه لم يتمكن من إقامة نظام جديد
مستقر.
إلا أن عواقب انعدام الرؤية والقيادة أكثر ما
يتجسد وبشكل مؤلم في النموذج المصري. لقد استغل الجيش إحسان الناس الظن به كلاعب
نزيه، على الرغم من وجود أمثلة مبكرة تثبت أنه كان على النقيض من ذلك، مثل سوء
معاملة النساء في المتحف المصري. ثم راح الجيش يلاطف الحركة الإسلامية بينما كان
يسحق المجموعات الشبابية اليسارية وغير السياسية التي كان أفرادها يطلقون على
أنفسهم ببساطة – وربما بقدر من السذاجة – "الثوار".
معروف عن الثورات الناجحة أنها تتعرف على مراكز
القوى الرجعية ثم تنقض عليها بلا هوادة. كان الإخفاق في مراعاة هذا المبدأ قد جازف
بالمكاسب التي تحققت في تونس، والتي كثيراً ما يشار إليها باعتبارها قصة النجاح
الوحيدة في الربيع العربي. في الفترة التي تلت الإطاحة بنظام بن علي، تمكنت
المصالح المختلفة – الأعمال، الأراضي، الأمن، الخارج – من الإبقاء على مراكز
نفوذها، مما أفضى إلى الصدام على الصلاحيات بين الرئيس والحكومة والبرلمان، وهي
معركة يكسبها قيس سعيد حالياً.
القمع المحلي
بعد أخذ الأنظمة في المرة السابقة على حين غرة
لم يعد سهلاً على الحراك الشعبي إسقاط الحكومات. بل أصبحت دول الشرق الأوسط من
أكثر المناطق خضوعاً للرقابة في العالم، حيث تجرم الأنظمة الحاكمة كل أشكال
المعارضة سواء كانت أونلاين أو في الشوارع. وهنا يأتي دور التكنولوجيا الإسرائيلية
التي تم تطويرها من خلال الاضطهاد الذي يمارس ضد الفلسطينيين، والتي تكرس في
مواجهة كل أشكال المعارضة المحلية، وفي هذا السياق يأتي حصول كل من الإمارات
العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على تكنولوجيا اختراق الهواتف الذكية
من مجموعة إن إس أو الإسرائيلية.
ومع بقاء الأنظمة القديمة كل في مكانه، بإمكان
إسرائيل أن تستمر في حرمان الفلسطينيين تحت الاحتلال العسكري والحصار من حقوقهم
المدنية الأساسية ومن الحصول على دولة خاصة بهم، ومن العمل وحرية الحركة، وكل ذلك
بموافقة دولية.
في الوقت الراهن، تتضافر المصالح الجيوسياسية
الغربية في المنطقة مع التنافس على النفوذ بين الزعامات الخليجية ذات الموارد
المالية الهائلة التي تكرس منها ما تشاء في تلاعبات بلا حدود لكي تثير شكوكاً حول
إمكانية إحداث أي تغيير من الأسفل. بل إن أي حركة شعبية تنجو من المرحلة الأولى من
القمع المحلي سوف تواجه العقبة الثانية المتمثلة في معرفة ماذا يظن الغرب والخليج بهم. ثم هناك التراجع الإمبريالي
الأمريكي وتصاعد الاهتمام الصيني بالمنطقة، ووهن نفوذ البترودولار الخليجي – وكلها
اتجاهات طويلة المدى قد تؤثر في نجاح التعبئة الجماهيرية – ولكن قد تستغرق العديد
من السنين قبل أن تحدث أثراً ذا بال.
في هذا الوضع، سوف تزداد أحجام مجتمعات الشتات.
هناك اليوم ما يزيد عن 3.5 مليون لاجئ سوري في تركيا، ومليون في لبنان وأكثر من
نصف مليون في الأردن. ولكن هناك أيضاً أعداد غير معروفة من المصريين والبحرينيين
والسعوديين واليمنيين والليبيين، الذين استقروا في أوروبا وفي أمريكا الشمالية
بسبب العنف السياسي والقمع المتصل بالانتفاضات وما بعدها.
لقد غدت أحداث مثل احتجاجات ميدان التحرير ذكرى
مقدسة، والمكان الذي بإمكان "الجيل الذي قرر الثورة" أن يركز أفكاره على
تفريغ سردية الحلم الذي تحطم. لكل ثورة ميدان تحريرها – إلا أن الأزمان تتبدل،
وكذلك يتبدل ميدان التحرير. ليس فقط من الناحية المادية: أبرز ضربة وجهتها الحكومة
ضد القيمة الرمزية له هو ابتداع عاصمة جديدة خارج القاهرة، وبذلك لم تعد القاهرة
القديمة تنعم بالامتيازات السياسية والاقتصادية التي كانت لها قبل عقد من الزمن.
أياً كان النضال الاجتماعي القادم، فسيكون له اسم وعنوان مختلفان.
هل سقط النموذج الوحيد الناجح للديمقراطية بالمنطقة العربية؟
الغارديان: خطوات سعّيد حوّلت دفء تونس إلى شتاء قارص
AP: مكافحة كورونا تمدد الاستبداد والنزعة السلطوية بالعالم