كتاب عربي 21

دعاة الإسلام في أقفاص الاتهام

1300x600
انقرض فن السيرك بعد ظهور التلفزيون، وكنا نرى مروضين يجوبون البلاد ومعهم خيامهم وحيواناتهم البرية والداجنة، يجعلونها ترقص، أو تثب عبر حلقة نارية، أو تؤدي عروضاً راقصة. أما فنّ الحلبة الروماني، فكان عرضاً دموياً في ساحة مركز المدينة، تقدم فيه الضحايا للحيوانات، وكانوا من المسيحيين الأوائل، أو أن مصارعات بين العبيد تجرى في الحلبة ليستمتع بها السادة الرومان.

وقد اشتاق الملوك إلى هذا الفنِّ، فرأينا مذبحة رابعة، ونشهد يومياً عروض الملحمة السورية، التي ما زالت متواصلة بنجاح لإمتاع المشاهدين في الغرب والشرق، بطلها المروّض بشار الأسد، أو عبد الفتاح السيسي.

ومن تلك العروض التي تجري في سيرك القضاء؛ سماع شهادة الداعية محمد حسين يعقوب في قضية داعش امبابة، ثم سماع أقوال الشيخ محمد حسان، ثم مقابلة عمرو خالد على العربية، وكنت أحسب أن عمرو خالد أدهى الثلاثة. وقد جرى التنكيل بهم جميعاً، والقصد هو إهانة الإسلام والشماتة به.

أما عرض السعودية، فكان عرضاً سماعياً نقلته الأخبار، فحكمت على أعضاء حماس من غير بثّ تلفزيوني، لأن السعودية تضنّ عليهم بالبثّ التلفزيوني، فالسعوديون لا يريدون سرقة الأضواء من المطربين الذين يتقاطرون على السعودية هذه الأيام لترفيه شعبها الذي عانى طويلا من المطوعة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد وجد كثيرون أن محمد حسين يعقوب أحسنَ التخلص من أسئلة القاضي وألحان لغته وأخطاء لسانه، حتى عندما سئل عن سبب صلاته على النبي، أجاب بطيبة إنه يحبّه، من غير استنكار للسؤال، وقد سكت القاضي عن الجواب لأن الحبَّ أعمى.

أما محمد حسان، فكان عرضه فاخراً، فهو صاحب لسان وبيان، وقد علم أنه لن تجدي أجوبة التغافل، فجعل السيسي مرة علي بن أبي طالب، ومرة معاوية. وتقديرنا أنّ السيسي وزوجته كانا يتفرجان على العرض القضائي ويضحكان، وغالباً أن زوجته قالت له: سعد الدين الهلالي جعلك رسولا مع الوزير محمد إبراهيم، ومحمد حسان جعلك بمثابة الإمام علي بن أبي طالب. وهي ليست المرة الأولى التي يُرفع هذا الرجل إلى مقام الأولياء والصالحين، والتقدير أن العرض تم بدعوة من عواصم عربية وأوربية.

ولا أعرف كيف نجحت فضائية العربية، وهي قناة معروفة، باستدراج عمرو خالد إلى مقابلة، وهو ليس بحاجة إليها، فجمهوره فردا أكبر من جمهور العربية وهي فضائية، فسأله المذيع الغليظ عن الفراخ وهي واقعة مضى عليها زمن طويل، فأمسك غضبه، ثم أعاد المذيع السؤال، فانسحب من البرنامج غاضبا، وأعيد. وكان عذر عمرو خالد أنه يريد أن ينفق على برامجه في الدعوة والهداية. وهو غير صادق، وقد يكون صادقاً، فالرجل منذ يومه الأول ذرائعي يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة، وكان هذا هو عذره. في الإسلام الغاية لا تبرر الوسيلة، فالخير لا يتم إلا بالخير.

 تفسير ما جرى للثلاثة:

قد حدثونا في الإسرائيليات أنّ عابداً عبدَ الله تعالى دهراً طويلاً، فجاءه قوم فقالوا: إنّ هاهنا قوما يعبدون شجرة من دون الله تعالى، فغضب لذلك، فأخذ فأسه على عاتقه، وقصد الشجرة ليقطعها، فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال: أين تريد رحمك الله؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله، قال: وما أنت وذاك؟ تركت عبادتك والاشتغال بنفسك وتفرّغت لغير ذلك؟ فقال: إنّ هذا من عبادتي، فقال له: إني لا أتركك تقطعها، قال: فقاتله، فأخذه العابد، فطرحه إلى الأرض، وقعد على صدره، فقال له إبليس: أطلقني حتى أكلمك، فقام عنه، فقال له إبليس: يا هذا إنّ الله تعالى قد أسقط عنك هذا ولم يفرضه عليك، أنبيّ أنت؟ قال: لا، قال: فلا عليك ممن كان يعبدها، فلو اشتغلت بعبادتك وتركتها فإن لله تعالى في أرضه أنبياء لو شاء بعثهم إلى أهلها وأمرهم بقطعها، فقال العابد: لا بدّ لي من قطعها.

قال: فنابذه إبليس للقتال فغلبه العابد فأخذه وصرعه وقعد على صدره، فلما رأى إبليس أنه لا طاقة له به ولا سلطان له عليه قال: يا هذا هل لك في أمر فصل بيني وبينك وهو خير لك وأنفع من هذا الأمر الذي جئت تطلبه؟ قال: وما هو؟ قال: قم عني أخبرك به، فأطلقه العابد، فقال له إبليس: أنت رجل فقير لا شيء لك إنما أنت كلّ على الناس يعولونك، ولعلك تحبّ أن تفضل على إخوانك، وتواسي جيرانك، وتتسع في حالك وتستغني عن الناس، قال: نعم، قال: فارجع عن هذا الأمر الذي جئت فيه ولك عليّ أن أجعل عند رأسك في كل ليلة دينارين، فإذا أصبحت أخذتهما فصنعت بهما ما شئت، وأنفقت على نفسك وعيالك وتصدقت على إخوانك، فيكون لك أفضل من ذلك وأنفع للمسلمين من قطع هذه الشجرة التي يغرس مكانها، ولا يضرّهم قطعها شيئاً ولا ينفع إخوانك المؤمنين قطعك لها.

قال: فتفكر العابد فيما قال له، وقال: صدق الشيخ، لست بنبي فيلزمني قطع هذه الشجرة ولا أمرني الله تعالى أن أقطعها فأكون قد عصيت بتركها، وإنما هو شيء تفضّلت به، وماذا يضرّ الموحدين من بقائها، وهذا الذي ذكره أكثر منفعة لعموم الناس.

قال: فعاهده على الوفاء بذلك وحلف له، فرجع العابد إلى متعبده، فبات ليلته، فأصبح، فإذا ديناران عند رأسه فأخذهما، ثم كذلك الغد، ثم أصبح اليوم الثالث فلم يرَ شيئاً، ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد، فغضب وأخذ فأسه على عاتقه وخرج يؤم الشجرة ليقطعها وقال: إن فاتني أمر الدنيا لا أتركنّ أمر الآخرة، قال: فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال: أين تريد؟ قال: أقطع تلك الشجرة، قال: كذبت، والله ما أنت بقادر على ذلك ولا سبيل لك إليه.

قال: فتناوله العابد ليأخذه كما فعل أول مرة فقال: هيهات، قال: فأخذه إبليس فصرعه فإذا هو كالعصفور بين يديه. قال: وقعد إبليس على صدره وقال: لتنتهينَ عن هذا الأمر أو لأذبحنك، فنظر العابد فإذا لا طاقة له به، قال: يا هذا قد غلبتني فحلّ عني وأخبرني عنك كيف قد غلبتك أول مرة فصرعتك والآن غلبتني فصرعتني؟ فكيف ذلك؟ قال له إبليس: لأنك أول مرة غضبت لله تعالى وكانت نيتك الآخرة، فسخرني الله لك فغلبتني، وهذه المرة جئت مغاضباً لنفسك، وكانت نيتك الدنيا، فسلّطني الله تعالى عليك فصرعتك.

هناك دعاة وشيوخ يقدمون عروضاً مجانية، وقد أفرط شيوخ في حبِّ الاستعراض والمزاحة، وقد حازت العروض الثلاثة أعلاه على مشاهدات كثيرة، لأن الحكومة شاركت في عرضها. منع النظام المصري بثّ محاكمة الرئيس محمد مرسي الذي بقي محبوساً في القفص الزجاجي، ولم نر عرض محمد البلتاجي، أو عرض صفوت حجازي، لم يجرؤ قاض من قضاة مصر الشامخين على بثّ أقوالهم، خوفاً على أمن مصر القومي الهش مثل البسكويت، إلى أن جاء عرض طالبان أمس فأفسد عروضهم كلها بعرض عالمي مبين رأيناه أمس في القصر الرئاسي بكابول.