نشرت
صحيفة "
الغارديان" مقالا للصحفي أندرو راونسلي، قال فيه إنه عندما أجرى جو بايدن المنتخب
حديثا في أول اتصال هاتفي له عبر المحيط الأطلسي مع بوريس جونسون، تفاخرت الحكومة بأن
رئيس الوزراء كان على رأس القائمة في ورقة الاتصال الخاصة بالرئيس الأمريكي الجديد.
وتباهت الحكومة بأن ذلك دليل على أنه مهما كانت الاختلافات بين الرجلين في الماضي،
فإن "العلاقة الخاصة" (بين أمريكا وبريطانيا) كانت دافئة وعميقة كما كانت
دائما.
ولكن
تبين الآن أن الأمر ليس كذلك. عندما تعلق الأمر بالمكالمات التي تهم أفغانستان، فقد كانت
قدرة جونسون على التأثير على بايدن أقل من قدرة كلب الرئيس على فعل ذلك. فسحب ما تبقى
من وجود الناتو في أفغانستان كما أملته قرارات مفاجئة وأحادية الجانب تم اتخاذها في واشنطن.
ويعترف الوزراء سرا بأنهم لم يفشلوا فقط في رؤية عودة حركة
طالبان، بل وصل بهم الحال
إلى تخمين الخطوات القادمة لأمريكا.
لقد
أبرم دونالد ترامب صفقة فظيعة مع طالبان. واختار بايدن بحماقة الاستمرار في ذلك بطريقة
كارثية لدرجة أنه أعاد أفغانستان إلى المتطرفين القتلة الذين دخلت القوات الغربية لإخراجهم
قبل عقدين من الزمن. وتم توثيق هذه النهاية البائسة في وعي العالم من خلال صور لأمهات
يلقين أطفالهن فوق سياج من الأسلاك الشائكة في مطار كابول وأشخاص يائسين يتشبثون بطائرات
النقل الأمريكية المغادرة قبل أن يفقدوا قبضتهم ويهووا إلى حتفهم.
كان لدى المملكة المتحدة وأعضاء الناتو الآخرين القدرة
فقط للاحتجاج على الأمريكيين بعد الحدث المأساوي.
كان
هناك الكثير من السخرية من رئيس الوزراء بسبب ذهابه لقضاء عطلة حتى مع تقدم طالبان
نحو كابول. وتعرض وزير الخارجية، دومينيك راب، لانتقادات شديدة لكونه في إجازة ولم
يرد أن يزعجه أحد.
لقد
كان بالتأكيد تقصيرا في أداء الواجب أن تكون على الشاطئ في مثل هذه اللحظة الخطيرة،
ولكن وراء ذلك تكمن حقيقة أكثر قسوة، حقيقة يجد العديد من البريطانيين، وحزب المحافظين
على وجه الخصوص، صعوبة في استيعابها. فحتى لو كان الرجلان مقيدين بمكتبيهما لما أحدث
ذلك فرقا جوهريا في الصورة الكبيرة. وحتى لو كان جونسون شخصية تتمتع بمؤهلات كافية
في الحنكة السياسية لجعل الرئيس يستمع له بشأن المسار الكارثي الذي اختاره، فإنه لم يكن
لدى المملكة المتحدة سوى القليل من السلطة الأخلاقية أو العملية يمكن الاعتماد عليها،
لأن جميع قواتنا المقاتلة تقريبا قد تم سحبها قبل سبع سنوات.
كان
عجز
بريطانيا هو المعنى الضمني للخطاب المؤلم الذي ألقاه رئيس الوزراء في الجلسة الطارئة
لمجلس العموم. لقد اعترف بشكل أساسي بأن القدرة على تشكيل الأحداث في أفغانستان، أو
حتى التنبؤ بها بدقة، كانت خارج سلطة حكومة المملكة المتحدة.
وسألت تيريزا ماي الرجل الذي حل محلها: "أين
بريطانيا العالمية في شوارع كابول؟". وكانت هناك كلمات مؤثرة حول التضحيات التي
قُدمت على مدار العشرين عاما الماضية وأخرى ساخنة عن الخذلان، وخاصة من أعضاء البرلمان
الذين خدموا في أفغانستان كجزء من قوات تحالف الناتو التي أرسلت بعد الهجمات على البرجين.
لم أسمع
أبدا هذا القدر من الغضب الشديد الذي عبر عنه أعضاء البرلمان من حزب المحافظين بشأن
سلوك أمريكا. لقد كان وراء غضبهم الحار خوف بارد: شعور ينذر بالخطر بأن بريطانيا أصبحت
عاجزة بلا صديق في عالم مخيف.
منذ
عام 1945، كان هناك اتجاهان مهيمنان على الرأي البريطاني حول العلاقة المعقدة مع أمريكا.
تبنت معظم مؤسسات السياسة الخارجية وجميع رؤساء الوزراء تقريبا وجهة النظر الأطلسية.
هذا يعني أن بريطانيا تزيد نفوذها على أمريكا وثقلها في العالم من خلال الالتصاق بمن
يجلس في المكتب البيضاوي. كانت هناك بعض الاستثناءات، مثل اختيار هارولد ويلسون الذكي
للبقاء خارج حرب فيتنام، لكن "التلاصق" كان القاعدة. كان هذا الدافع هو الذي
دفع توني بلير إلى إعلان أنه "سيقف كتفا إلى كتف" مع أمريكا في أعقاب أحداث
11 أيلول/ سبتمبر مباشرة، وبعد ذلك وعد جورج بوش الابن بأنه سيكون معه معلنا:
"معك حتى النهاية" في العراق.
إن استثمار بريطانيا الكثير من دمائها ومالها وسمعتها
في التدخلات التي تقودها أمريكا هو سبب الشعور بإذلال الغرب في أفغانستان بشكل خاص
بين العديد من أعضاء البرلمان.
الاتجاه
الآخر في الرأي، الذي أصبح حادا بشكل خاص بعد كارثة العراق، هو أن أمريكا قوة مهيمنة
لا تطاق، تلقي بثقلها هنا وهناك بغطرسة طائشة. كان هذا الرأي قويا بشكل خاص بين اليسار.
لم يُسمع في السابق أيا من أولئك اليساريين الذين يندبون ما سيحدث في أفغانستان في
ظل حكم طالبان المتجدد، وهم يحثون واشنطن على نشر المزيد من قواتها المسلحة هناك.
على
الرغم من معارضة وجهتي النظر الأطلسية والمناهضة لأمريكا في الظاهر، فإنهما تشتركان
في شيء أساسي مشترك: إنهما يفترضان قوة أمريكا والإرادة لاستخدامها. إن أمريكا الأكثر
انطوائية سوف تربك الافتراضات الأساسية لكل من أولئك الذين يتطلعون إلى أمريكا لقيادة
العالم الحر وأولئك الذين يحملون أمريكا مسؤولية جميع أمراض العالم.
ستزيد
جرأة الجهاديين بسبب سيطرة طالبان وهناك خطر واضح في أن تصبح أفغانستان أرضا خصبة لتفشي
الإرهاب كما كانت عندما كانت تؤوي القاعدة. لقد زرع بايدن الشكوك حول قيمة الضمانات
الأمنية الأمريكية للحلفاء الآخرين وقوض آماله في تنسيق الديمقراطيات لاتخاذ موقف موحد
ضد الأنظمة الاستبدادية.
سوف
تتشجع الصين وروسيا في اقتناعهما بأن الغرب ليس لديه القدرة على التحمل أو العزم على
الدفاع بنجاح عن القيم الليبرالية أو مساعدة الناس المعرضين للخطر. عندما يتدرب الجنرالات
الصينيون على شن الحرب وغزو تايوان، فإنهم سيكونون أكثر عرضة للمجازفة بأن أمريكا لن
تتدخل لوقفهم. وسوف يميل الكرملين إلى الاعتقاد بأنه يمكنه لعب المزيد من ألعابه الفتاكة
على حدوده. إن ظهور واحدة من أكثر الحركات رجعية في العالم في أفغانستان سيشجع الديكتاتوريين
والراغبين بالدكتاتورية في جميع أنحاء العالم على التصرف بشكل أكثر سوءا مع جيرانهم
أو شعوبهم أو كليهما.
وسيكتشف
أولئك الذين يتمنون دورا أمريكيا أقل أنه يمكن أن تكون النتيجة مخيفة إن حصلوا على
ما كانوا يتمنون. وعلى أولئك الذين تطلعوا إلى أمريكا من أجل قيادة عالمية أن يفكروا
مليا في البدائل.
يؤكد
إيمانويل ماكرون أنه يجب على أوروبا أن تدرك أنه لم يعد بإمكانها الاعتماد على أمريكا
لتوفير أمنها وحماية مصالحها، ويجب أن تسعى جاهدة لتحقيق "الاستقلال الذاتي الاستراتيجي".
ظهرت هذه الفكرة عندما مال باراك أوباما نحو آسيا واكتسبت المزيد من الزخم عندما قوضت
رئاسة ترامب الافتراض القائل بأن أمريكا حليف موثوق.
من الناحية
النظرية، فإن الديمقراطيات الأوروبية تمتلك الثروة وعدد السكان الكافيين لتكون لديها
القدرة على مواجهة المغامرات الروسية ومواجهة العدوان الصيني. ومن الناحية العملية،
فشل القادة الأوروبيون في حشد الإرادة أو اتخاذ الخيارات الصعبة أو تعبئة الموارد.
وقال
بن والاس، وزير الدفاع، إنه حاول تشكيل تحالف من دول الناتو الراغبة في الاستمرار في
أفغانستان. لم يكن الفرنسيون والألمان مهتمين وأنا متشكك للغاية في أن الحكومة البريطانية
كانت جادة حقا. فقد أشار جونسون إلى أنهم لم يكونوا كذلك عندما أخبر النواب أنه من
"الوهم" الاعتقاد بأنه يمكن للمهمة أن تستمر بدون الأمريكيين وأعرب عن شكه
في أن الناخبين أو البرلمان سيدعمون إرسال أعداد كبيرة من القوات البريطانية إلى أفغانستان.
إذا
كنا ندخل حقبة التخلي الأمريكي، فإن الأسئلة صعبة بالنسبة لبريطانيا التي اختارت أن
تنأى بنفسها عن الديمقراطيات الليبرالية بجوارها في نفس الوقت الذي أصبحت فيه أمريكا
شريكا أقل موثوقية. ويعتقد البعض بشكل معقول أن المستقبل هو اضطراب عالمي جديد تتنافس
فيه القوى العظمى من أجل الهيمنة وتداس قواعد السلوك الدولي بالأقدام. سيكون هذا مكانا
صعبا لدولة في شمال شرق المحيط الأطلسي لديها الكثير من المصالح الحيوية في جميع أنحاء
العالم، ولا تملك وسيلة لحمايتها بنفسها ولا يمكنها الاعتماد على صديق في كل الأحوال.
تركت التخفيضات في الإنفاق الدفاعي بريطانيا ولديها قوات عسكرية هي الأصغر حجما منذ
ما قبل الحرب العالمية الأولى. لقد أضعفت سمعة أمتنا السابقة كقوة ناعمة عظمى بسبب
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتلاشي نفوذها في واشنطن، وزاد من ضعفها التخفيضات
الكبيرة في ميزانية المساعدات. ليس لبريطانيا القوة الكافية للتصرف بمفردها، لكنها
قللت من قدرتها على إقناع الآخرين بالتصرف معها.
قد تكون
صرخة "لنمضي وحدنا" أدت خدمة جيدة لوينستون تشرشل كصرخة حشد في زمن الحرب
في عام 1940. ولكن أثبت العجز البريطاني في أفغانستان أنها استراتيجية ميؤوس منها
تماما للبقاء في القرن الحادي والعشرين.