أعلم أن الحديث عن المهندس خيرت الشاطر ـ فك الله أسره وأسر ذويه، وكل مسجون ـ مثير للجدل، وربما للانتقاد الشديد من جميع الأطراف، داخل الإخوان وخارج الإخوان، وقد سبق لي أيام وجود الشاطر في أوج قوة الإخوان، وقوته هو شخصيا، أن كتبت أنتقده في بعض المواقف، وكانت تجمعني به لقاءات سواء مرافقا لشيخنا القرضاوي، أو منفردا، حمل بعضها الانتقاد والنصح، أو النقاش حول قضايا مهمة، أو التعاون في ما يتعلق بالجماعة والشأن العام.
لكن حديثي هذه المرة لا يحمل إلا عنوان: خيرت الشاطر الإنسان، حيث حقوقه، وحيث تكريم الله عز وجل له، وأمره بألا نقبل الظلم لأحد، مهما كان اختلافك معه، وهو ما يتسق مع موقفنا ـ والحمد لله ـ مع كل معتقل، أيا كان انتماؤه السياسي، أو الأيديولوجي، وبخاصة ما يمارس مع أسرته بغير وجه حق، من تنكيل بأبنائه وبناته ليس لذنب اقترفوه سوى أنهم أبناء وبنات وأصهار خيرت الشاطر.
ولذا أردت بداية أن نفرق بين خيرت الشاطر التنظيم والإنسان، فخيرت التنظيم اتفق واختلف معه كيفما شئت، فهو خلاف ينطلق من الموقف من أفكاره وتنظيمه، والموقف من إدارته لمرحلة معينة، أصاب فيها أم أخطأ، ولأن القليل جدا من تعامل مع موقف وقضية الشاطر من باب الإنصاف، ووضع أخطاء الرجل في ميزانها الدقيق.
ما الجريمة التي اقترفها الشاطر لينكل به بهذا الشكل وبأسرته؟ إن أقصى ما يمكن أن يختلف فيه إنسان معه من الفرقاء السياسيين، أنه كان محبا لتنظيمه، أو متعصبا له، ويسعى لمصلحة هذا التنظيم، دون سواه، وهي نفس التهمة التي توجه لمعظم الإخوان من مخالفيهم، أنهم: قدموا الجماعة على الثورة، ورغم أنها تهمة فضفاضة، ويمكن أن تلقى عليهم أيضا، بأنهم قدموا القضاء على الجماعة على الثورة، بتحالفهم مع الثورة المضادة، إلا من رحم ربك.
لكن التناقض الشديد في موقف المخالفين للشاطر وإخوانه، في نظرة هذا التيار لرموزه الذين يطلق عليه: التيار المدني، فقد فعلوا أخطاء وجرائم سياسية أكبر بمراحل مما اتهم به الشاطر، فالدكتور محمد البرادعي، والأستاذ حمدين صباحي، وغيرهما، فعلوا أكثر مما فعل الشاطر، فلم يكن الشاطر مسؤولا عن أي مجزرة تمت، ولا بارك مجزرة أو مذبحة، كل ما يؤخذ على فصيله أنهم أساؤوا التقدير في موقفهم من أحداث محمد محمود، وأساؤوا التصريحات وقتها أيضا حتى نكون منصفين، وهو نفس ما صدر عن غيرهم، وتم انتقاد تصرف الجماعة وقتها من أفرادها قبل غيرهم، ورفضه كثيرون من الإخوان، واعتبروه موقفا لاأخلاقيا، بل شارك عدد من شباب الإخوان في هذا اليوم مخالفين أمر التنظيم، ومقدمين عليه أمر ضمائرهم.
أما البرادعي فقد كان نائبا لعدلي منصور الرئيس المؤقت بعد الانقلاب، وقد حدثت في هذه الفترة مجازر شهد العالم بوحشيتها، مثل: الحرس الجمهوري، والمنصة، فضلا عن مجازر متفرقة أخرى، وظل البرادعي نائبا لعدلي منصور، لم يستقل من منصبه سوى يوم فض رابعة، وسفره للغرب لإقناعهم بأن ما تم في مصر ليس انقلابا!
وبقي حمدين صباحي، وبقي آخرون من التيار المدني على موقفهم منذ الانقلاب، حتى المشاركة في المسرحية الهزلية ما يسمى بانتخابات الرئاسة، ورأينا مواقف لم يكن ينبغي لأي مشارك في ثورة مهمة كثورة يناير أن يصمت عنها، والتنازل عن تيران وصنافير، وسد النهضة، وتماهى بعض هذه الرموز المدنية مع الانقلاب العسكري، والبطش والاستبداد.
بل الأنكى والأشد سخرية، موقف عدد من ثوار يناير، بعد وفاة مبارك، على ما فعل من جرائم، وفساد، قاموا بثورة يناير عليه، واعتراضا على سياسته وإفساده، عندما مات، رأينا من ترحم، وهو حقه لا نمنعه، لكن الملاحظ واللافت للنظر هو هذا التناقص بين من أخطأوا من قيادات الإخوان، وبين من ارتكبوا جرائم من غيرهم، فمرحمة ومغفرة هناك، وشدة وقسوة هنا.
لكن الفارق أن التيار المدني وأنصاره ظلوا مصرين على بقاء قدسية وإشراقة صورته وواجهته ورموزه، بينما صبوا جام غضبهم على الإخوان عامة، وعلى الشاطر خاصة، وكأن ما فعله الشاطر لا يغتفر، ولا يدخل في باب الخطأ السياسي، كبيرا كان أم صغيرا، لست أقلل من شأن هذا الخطأ، ولكني فقط أريد أن يوضع في مكانه الصحيح، ويقيم بناء عليه.
إذا كان الشاطر كل ذنبه لدى مجموع الإخوان: أنه كان سببا في انخداع الصف الإخواني بالانقلاب العسكري، فإن القيادات التي تولت بعده كانت سببا في كوارث أكبر للجماعة داخليا وخارجيا، فقد كانت سببا في تمكن الانقلاب، وتعطيل قدرات التنظيم كاملا، وطرد الكفاءات منه، وتقسيم التنظيم وتشظيه أفقيا ورأسيا.
لقد حكى كل من خرجوا من السجن، ورأوا الشاطر، أن الرجل لا يتكلم مع أحد، لأنه يستشعر مسؤوليته عما جرى للإخوان، وهذا يحمد له، بينما غيره يرتكب ما يؤخر الإخوان لعقود، ولا يستشعر حرجا، ولا مراجعة، بل ينكل بكل من يراجعه، أو يشير إليه بأنه فشل، فضلا عن مبدأ محاسبته من صف الجماعة جماعيا، فضلا عن محاسبة نفسه فرديا.
لقد رأيت أناسا قيادات كبرى ووسطى وصغرى في الجماعة كانوا أيام وجود الشاطر يقفون أمامه صاغرين، لا ينبس أحدهم أمامه ببنت شفة، وكانت الإشارة منه له أمرا واجب النفاذ، بينما الآن يستأسدون على اسمه وسيرته وهو غائب، رغم أن الفرق أصبح واضحا بين الشاطر وتصرفه مع الأحداث، وبين من أتوا بعده، وقد فعلوا أضعاف ما يمكن أن يوجه للشاطر من أخطاء.
وإذا كان الشاطر كل ذنبه لدى مجموع الإخوان: أنه كان سببا في انخداع الصف الإخواني بالانقلاب العسكري، فإن القيادات التي تولت بعده كانت سببا في كوارث أكبر للجماعة داخليا وخارجيا، فقد كانت سببا في تمكن الانقلاب، وتعطيل قدرات التنظيم كاملا، وطرد الكفاءات منه، وتقسيم التنظيم وتشظيه أفقيا ورأسيا.
رغم أن الشاطر كان فترة ما بعد الثورة، أكثر من عمل في تنظيم الإخوان للإخوان، سواء اتفقت مع حجم وصحة ما قام به أم لا، لكنه كان ليل نهار يعمل لهذا التنظيم، وكشفت الأيام أن العلة لم تكن في الشاطر وحده، باستئثاره بالقيادة في هذا التنظيم، بل كانت العلة في قياداته التي مع الشاطر، والتي تليه، فقد كان معظمهم دون مستوى المسؤولية، مما جعل الشاطر بينهم عملاقا ومتفردا، وهو ما أظهرته السنوات التي تلت الانقلاب بوضوح، فرغم رؤية هذه القيادات لأخطاء القيادات الكبرى بعد الانقلاب، لم تنبس منهم قيادة ـ إلا قليلا ـ ببنت شفة حينما رأيت كوارث تمارس في الجماعة تؤخرها لعقود، أصبحت الجماعة الآن حديثا منسيا، لم يعد لها أي ذكر، إلا في سياق الصراع والانشقاق، ولم تعد ذات قيمة أو ثقل في أحداث مصر والمنطقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كان الله في عون الشاطر، فلم ينل من إخوانه ما يستحقه منهم جزاء مواقفه معهم، وأقصد بذلك هنا: الدائرة المقربة منه، ممن ليسوا في السجون، فلم يفعلوا معشار ما فعل أنصار مبارك الفاسد، والذين ظلوا رغم سجنه وحبسه، أوفياء له، ولم يفعلوا معه مثلما فعل أنصار التيار المدني مع قياداتهم في أخطائهم.
وللأسف؛ لم ينل الشاطر اهتماما به لا تنظيما، ولا إنسانا، فنال ظلم القريب والبعيد، وكان ينبغي أن نجنب الموقف الإنساني منه بعيدا عن أخطائه السياسية والتنظيمية، وهو حقه، الذي يكفله له الشرع والقانون والأخلاق.
Essamt74@hotmail.com