قضايا وآراء

أسئلة الهند الحائرة ما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان

1300x600

تواجه الهند صعوبات متعاظمة في إيجاد موطئ قدم لها لما بعد الانسحاب الأمريكي في أفغانستان؛ فرهانها على الحكومة والجيش الأفغاني بات من الماضي كحال رهانها على أحمد مسعود ومن معه من فلول الجيش الأفغاني في وادي بنجشير.

سهيل شاهين المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان أكد على هذه الحقيقة بتوقعه أن تلعب روسيا دورا في تسوية الوضع في ولاية بنجشير من خلال ممارسة تفوذها على أحمد مسعود نجل الزعيم السابق أحمد شاه مسعود.

الدور الذي توقعه شاهين لموسكو في وادي بنجشير لن يبتعد كثيرا من حيث الجوهر عن دورها في التعامل مع حاكم ولاية بلخ السابق محمد عطا نور والجنرال عبد الرشيد دستم في مزار شريف؛ إذ غادرا أفغانستان باتجاه الحدود الأوزبكية دون قتال أو مقاومة السيناريو الذي يرفضه أحمد مسعود.

انسحاب عبد الرشيد دستم ومن معه تزامن مع مناورة عسكرية كبرى أجرتها روسيا مع طاجيكستان وأوزبكستان على الحدود الأفغانية ضمن إطار ما يعرف بمنظمة الأمن والتعاون لدول الاتحاد السوفييتي السابق؛ مناورة تزامنت مع الانهيار المفاجئ للجيش والحكومة الأفغانية؛ ما يجعل من مقاربة أحمد مسعود لتحدي طالبان غير ذي معنى؛ ليتقدم خيار عبدالله عبد الله مسؤول المفاوضات في الحكومة السابقة والرئيس الأسبق حامد كرازي بالحوار مع طالبان والانضمام لحكومتها أو مجلس الحكم المتوقع أن يضم 12 عضوا؛ خيار أفضل بكثير من خيار دستم ونهايته المخجلة.

النفوذ الهندي بهذا المعنى اختنق ويكاد يتبخر بالكامل من أفغانستان على وقع التفاهمات الإيرانية الروسية الصينية الباكستانية؛ فلم يعد هناك من مدخل للتعامل مع أفغانستان إلا من خلال حركة طالبان أو القوى الإقليمية المنخرطة في هندسة الوضع الإقليمي والداخلي لأفغانستان؛ أمر حذر منه رئيس هيئة أركان الجيش الهندي الجنرال (بيبين راوات) في نيسان (إبريل) الماضي خلال مؤتمر أمني، إذ عبر عن قلقه من أن يسارع "مثيرو الاضطرابات" لملء الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان دون أن يوضح المقصود بمثيري الاضطراب .

فالهند تخشى الصين وباكستان كما أوضح الدبلوماسي الهندي السابق بهادر أكومار في مقالته على موقع Asia Time المعنونة ـ الصين تستعد لتحقيق قفزة كبيرة في أفغانستان ما بعد الولايات المتحدة ـ (China poised for big leap in post ـ US Afghanistan)؛ والانهيار المفاجئ للجيش والحكومة أفقد الهند ترف الانتظار ومعه الخيارات؛ فخيارات الهند الجيوسياسة المرتكزة على الحضور الأمريكي استبدلت بخيارات جيواقتصادية بإتمام ميناء تشابهار الإيراني متجاوزة القوة الأمريكية؛ فبحسب الخبير الهندي فإن الصين باتت تملك شراكة اقتصادية قوية مع باكستان وإيران ما يؤهلها للعب دور في إعمار أفغانستان وإقصاء الهند من الإقليم بأكمله.

 

إعادة التموضع الهندي المقترحة تبرز المكاسب الجانبية للقوى الإقليمية سواء طهران التي ستكسر أحد أطواق الحصار الأمريكي وباكستان التي ستحد من نفوذ نيودلهي وتبعدها عن أفغانستان وحدودها الشمالية المضطربة في ممر خيبر.

 



الهند بحسب أكومار لن تجد لنفسها موطئ قدم في الإقليم إن لم تبادر للاقتراب من دول الإقليم وعلى رأسها طهران متجاوزه الممانعة الأمريكية، فإيران الخيار الأمثل الذي يعوضها عن التعامل المباشر مع باكستان والصين أو الحليف الروسي الذي خذلها في وادي بنجشير.

إعادة التموضع الهندي المقترحة تبرز المكاسب الجانبية للقوى الإقليمية سواء طهران التي ستكسر أحد أطواق الحصار الأمريكي وباكستان التي ستحد من نفوذ نيودلهي وتبعدها عن أفغانستان وحدودها الشمالية المضطربة في ممر خيبر.

فإيران قدمت آداء مشابها لروسيا على الحدود الغربية لأفغانستان لحفظ الأمن والاستقرار وتسهيل عملية إدارة الحدود والإشراف عليها مع حركة طالبان؛ تنسيق ظهر أثره مباشرة بعد أيام قليلة من سيطرة حركة طالبان على كابول؛ بإعلان إيران استئناف إمدادات الطاقة إلى أفغانستان مقابل إعلان حركة طالبان خفض الرسوم على النفط الإيراني المستورد ومشتقاته.

حدود آمنة وهادئة؛ عكسها موقف قومية الهزارة الشيعية المتعاونة مع الإدارة الجديدة للبلاد فلا يتوقع أن تطلق عمليات مسلحة مناهضة لحركة طالبان لغياب المبرر والدعم الخارجي حالها كحال قوات دستم ومن معه على الحدود الطاجيكية والأوزبكية.

الأبواب أغلقت أمام أي دعم خارجي لحركات التمرد على طالبان؛ ولم يعد هناك من خيار آخر سوى الحوار مع طالبان والمسارعة لتشكيل حكومة يعترف بها المجتمع الدولي أو على الأقل دول الجوار وعلى رأسها الصين ودول آسيا الوسطى وروسيا وإيران وباكستان ومن الممكن أن تنضم الهند وتركيا مستقبلا.

ختاما.. أفغانستان تحولت إلى بؤرة اهتمام القوى الإقليمية فهي نقطة ارتكاز لإعادة التموضع الجيوسياسي والجيواقتصادي إقليميا ودوليا للتكيف مع حقائق الانسحاب الأمريكي والتقدم الصيني الروسي في الإقليم والعالم؛ إعادة تموضع ستنعكس سلبا على التعاون الهندي الأمريكي المتخيل في المحيط الهندي الأمر الذي سيكون له تداعيات على دول الخليج وبحر العرب مستقبلا؛ فأسئلة الهند الحائرة تعكس تفكك الاستراتيجية الأمريكية وتحللها في مياه المحيط الهندي.

hazem ayyad
@hma36