حصلت "عربي21" على وثائق سويسرية، تُنشر لأول مرة، تكشف أن جماعة الإخوان المسلمين لا علاقة لها بالوثيقة التي سُميت إعلاميا بـ"خطة الإخوان لغزو أوروبا"، التي حاولت الشرطة النمساوية الاعتماد عليها لتبرير مداهماتها مقرات ومنازل بعض النشطاء والأكاديميين المسلمين هناك.
وجاء حصول "عربي21" على تلك الوثائق بُعيد إصدار محكمة نمساوية، مؤخرا، قرارا بأن جماعة الإخوان لا تُعدّ "منظمة إرهابية".
وتكشف الوثائق الخاصة قيام السلطات السويسرية بتبرئة المفوض السابق للعلاقات الدولية بجماعة الإخوان، يوسف ندا، من الاتهامات الأمريكية التي وُجهت إليه سابقا بتمويل الإرهاب، وأن ندا، وجماعة الإخوان، لا علاقة لهم بـ"وثيقة غزو أوروبا"، التي أثارت -ولا تزال- جدلا ولغطا واسعا.
وكانت الشرطة السويسرية قد عثرت على تلك الوثيقة في منزل "ندا"، ضمن ما جمعته من أوراق متعلقة بالقيادي الإخواني، في أعقاب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
والوثيقة نُشرت لأول مرة باللغة الفرنسية عام 2005، في كتاب من تأليف الصحافي السويسري سيلفان بيسون، حمل عنوان "غزو الغرب.. المشروع السري للإسلاميين"، وادعى أنه "مشروع الإخوان لغزو الغرب"، ونقلته عنه كل الأجهزة الأمنية الغربية، والعديد من وسائل الإعلام الأوروبية والعربية، بعدما انتشر هذا الكتاب وتُرجم لعدة لغات، وأصبح مرجعا لأجهزة المخابرات الدولية عن دوافع وأساليب الإخوان المسلمين في أوروبا، بحسب تصريحات قالها "ندا" لـ"عربي21".
وأكدت الشرطة السويسرية، التي قامت بترجمة تلك الوثيقة، أنه لا يُعرف صاحبها على وجه الدقة، لأنها بلا توقيع ولا مكتوب من ألّفها أو كتبها أو إلى أي جهة تم إرسالها، وذلك طبقا لما أوردته الوثائق التي حصلت عليها "عربي21".
اقرأ أيضا: الأمن النمساوي يعتقل 30 شخصا بزعم صلتهم بالإخوان وحماس
اقرأ أيضا: أكاديمي: جهات خارجية تقف وراء الحملة ضد مسلمي النمسا
اقرأ أيضا: محكمة نمساوية: "الإخوان" ليست إرهابية والأمن ارتكب انتهاكات
من جهته، أشار مكتب المدعي العام في سويسرا -حسب الوثائق- إلى أنه حقّق في اتهامات الولايات المتحدة الأمريكية ليوسف ندا، والقيادي بإخوان سوريا غالب محمود همت، بتمويل الإرهاب، إلا أنه خلص إلى عدم صحة هذه الاتهامات، ولم يجد أي دليل عليها، ولذلك قام بإغلاق التحقيق في 31 أيار/ مايو 2005.
كما أشار مكتب المدعي العام السويسري إلى أنه لم يظهر أي سبب آخر حتى الآن لفتح تحقيق جديد في هذا الصدد.
"عملية الأقصر"
كانت الشرطة النمساوية قد داهمت، في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أكثر من 60 منزلا، واعتقلت 30 ناشطا وأكاديميا مسلما في عملية أُطلق عليها اسم "الأقصر"، بتهمة "إنشاء منظمة إرهابية، وتقديم الدعم المالي للإرهاب، وتكوين الجريمة المنظمة، وغسيل الأموال".
حينها قال الادعاء العام النمساوي، في بيان، إن تلك المداهمات "ليست جزءا من التحقيقات المرتبطة بإطلاق النار الذي وقع في العاصمة فيينا في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وأوقع 4 قتلى"، لافتا إلى أن العملية الأمنية جاءت في إطار "تحقيقات مكثفة وشاملة جارية منذ أكثر من عام في إطار مكافحة الإرهاب".
فيما قالت مصادر لـ"عربي21" إن الشرطة النمساوية اعتمدت في الإجراءات التي اتخذتها على كتابات وأفكار مدير برنامج مكافحة التطرف في جامعتي فيينا وجورج واشنطن الأمريكية، لورنزو فيدينو، الذي اعتمد بدوره على كتاب "بيسون"، ووثيقته المزعومة حول "خطة الإخوان لغزو أوروبا".
وخلال الأحداث التي شهدتها النمسا مؤخرا، طُرح الحديث مُجددا بشأن "ندا"، فمن بين الأمور التي استندت إليها الشرطة النمساوية ما جاء في كتاب فيدينو، بأن "ندا" والقيادي الراحل في جماعة الإخوان أحمد القاضي، هما مَن أوجدا الإخوان في النمسا، مُجدّدا الاتهامات التي وجهت له سابقا بـ"الإرهاب".
يشار إلى أنه في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، اتهم الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الابن، "ندا" بضلوعه ومؤسسته الاقتصادية بتمويل تلك الهجمات ودعمها، في حين قامت وزارة الخزانة الأمريكية بتجميد مختلف أصوله وأرصدته، ووضعت يدها على جميع الأصول المالية لبنك التقوى الذي كان يترأس مجلس إدارته.
كما وُضِع ندا حينها تحت الإقامة الجبرية في سويسرا، وحققت معه أجهزة أمنية سويسرية وإيطالية وأمريكية، إلا أنهم جميعا لم يجدوا أي دليل لإدانته.
رأى الشرطة السويسرية في ندا
ومن بين تلك الوثائق التي حصلت عليها "عربي21"، مستند يشير إلى رأي وتقييم الشرطة السويسرية ليوسف ندا، حيث قالت عنه إنه "شخصية منهجية ودقيقة، ومتعدد اللغات، ولديه ثقافة واسعة تهتم بكل شيء، وتلاحظ أدق التفاصيل. كما أن لديه شبكة اتصالات على المستوى الدولي، بالإضافة إلى أنه يعرف شخصيات كبيرة في العالم الإسلامي، وعلى تواصل مع بعض الزعماء والمسؤولين".
وبخلاف موقف السلطات السويسرية من "ندا"، خلص المدعي العام الإيطالي في تحقيقاته السابقة التي أجراها عن المفوض السابق للعلاقات الدولية بجماعة الإخوان ونشاطاته، إلى أنه لم يجد أي شيء يدينه، ولذلك طلب من قاضي التحقيقات الإيطالي غلق القضية الخاصة به، فأغلقها، حتى أنه لم يقم باستدعاء ندا للتحقيق معه من الأساس.
ولاحقا، قال المدعي العام الإيطالي، الذي بحث القضية بشكل كامل، في تصريحات صحفية، إن قضية "ندا" لا علاقة لها بالإرهاب، لأنها "قضية سياسية".
من جهته، قال ندا إن "الصحفي سيلفان بيسون سُربت له أوراق من مكتب البوليس الاتحادي في سويسرا، أو من مكتب المدعي العام، وكلاهما كان مسؤولا عن قضيتنا، وهذا الصحافي أصدر كتابا عما سمّاه خطة الإخوان لغزو أوروبا، ونشر ما قال إن البوليس الاتحادي وجدها عندي عندما هاجم منزلي ومكاتبي".
وأضاف ندا، في تصريح خاص لـ"عربي21": "بصرف النظر عن وجود مثل هذه الأوراق أو غيرها عندي، لكني كسياسي يصلني من كل مكان ما هو معقول وما هو غير ذلك، لكن المؤامرة تمثلت في إلصاقها بجماعة الإخوان، رغم أنه لا يوجد بها أي حرف أو تعبير عن أنها أو كاتبها أو أي شيء فيها يتعلق بالإخوان".
واستطرد قائلا: "حينما سألني المدعي العام السويسري عن تلك الوثيقة المزعومة، أجبته بأنني كرجل سياسي لي علاقات واسعة، تأتيني العديد من الخطابات والتقارير والكتب من كافة أنحاء العالم، من الإخوان وغيرهم، وحتى من أعدائهم، لكن هذه الورقة لا علاقة لها مطلقا بجماعة الإخوان، ولمست تفهمه لما أقول".
وتابع: "أبسط دليل على ذلك هو ما كتبه المختص في البوليس الاتحادي في سويسرا، الذي كُلّف بترجمته المستندات التي صادروها من مكتبي ومنزلي"، لافتا إلى أن "هذه المستندات مؤرخه في 1 ديسمبر/ كانون الأول 1982، ومكتوبة بآلة كاتبة، وليست ممضاه، ومؤلفها غير مذكور".
وقال: "مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي أعطى منحة لعمل الماجستير عن (الإرهاب الإسلامي) للورنزو فيدينو، ثم قدموه للشرطة النمساوية التي اعتمدته كخبير في الإرهاب، بل إنه بات يعمل كمستشار الأمن للحكومة النمساوية، وتحركهم الأخير هناك ضد بعض الأكاديميين والنشطاء المسلمين انطلق بناءً على أفكار وكتابات فيدينو وبيسون".
وأعرب "ندا" عن استنكاره الشديد واستغرابه الكبير من الزجّ باسمه مؤخرا في الأحداث الأخيرة التي تشهدها النمسا، وذلك رغم "تبرئتي الرسمية في سويسرا وإيطاليا، وفي المحكمة الأوروبية في مدينة شتراسبورج الألمانية، ورغم شطب اسمي من قوائم الإرهاب السويسرية والأوروبية والأمريكية والأمم المتحدة، وغلق جميع ملفاتي منذ سنين طويلة".
"الإخوان ليست إرهابية"
وكانت محكمة مدينة "غراتس" النمساوية قد نفت، مطلع الشهر الجاري، تهمة الإرهاب عن جماعة الإخوان، واعتبرت أن السلطات ارتكبت تجاوزات بحق نشطاء، في العملية الأمنية التي جرت نهاية العام الماضي.
إذ قضت المحكمة النمساوية بأن ما قدمته الشرطة لا يبرر تصنيفها للإخوان كجماعة إرهابية، وأن الأسباب التي بنت عليها الشرطة تقييمها لم تكن مقنعة للمحكمة، التي أكدت أن الشرطة استخدمت في مداهمات العام "قدرا غير متناسب من القوة" ضد نشطاء وأكاديميين مسلمين، بذريعة "مكافحة الإرهاب"، وأن تلك المداهمات كانت غير قانونية.
ورأت المحكمة أن دوافع تصنيف الإخوان من قِبل "المكتب الاتحادي للسيطرة الدستورية ومراقبة الإرهاب (BVT)"، إدخال التحقيق إلى دوافع سياسية، لافتة إلى أن ذلك تم "على الرغم من أن بعض المسؤولين لم يروا شكوكا أولية كافية"، مؤكدة أنه تم توجيه المكتب الحكومي "للحصول على تحقيقات هيكلية ضد المسؤولين عن الحوادث".
وأدى استخدام الشرطة للقوة غير المتناسبة ضد أشخاص معروفين لدى الجمهور، ومعاملتهم كإرهابيين، إلى ردود فعل من مجموعات مختلفة. ودعا العديد من المنظمات غير الحكومية والصحفيين والكتاب إلى توضيح هذه المسألة على وجه السرعة.