نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفي آدم راسغون، أشار فيه إلى الإقبال الضعيف من الفلسطينيين على تلقي لقاح مضاد لفيروس كورونا، رغم توفره مؤخرا.
ويقول التقرير إنه منذ ظهور فيروس كورونا لأول مرة في الضفة الغربية المحتلة، ارتدت سهى جدعون قناعها بجدية، وتجنبت الاختلاط مع الأصدقاء، ورفضت استضافة أفراد الأسرة أو حضور التجمعات العامة.
لكن جدعون، البالغة من العمر 41 عاما، مديرة العضوية في غرفة تجارة بيت لحم، رفضت تلقي لقاح كوفيد-19؛ خوفا من الآثار الجانبية، مثل جلطات الدم ومضاعفات القلب وتساقط الشعر. في حين تم العثور على بعض الآثار الجانبية الضارة، إلا أنها نادرة للغاية، ويقول خبراء الصحة إن فوائد التطعيم تفوق المخاطر بكثير.
قالت: "أنا أعارض بشدة أخذ اللقاح الآن.. لن أكون مرتاحة لأخذه إلا بعد أن تثبت دراسة استمرت من ثلاث إلى خمس سنوات أن أخذه آمن".
ووجدت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر، على مدى أشهر، صعوبة في تلقيح السكان؛ بسبب عدم توفر اللقاحات.
والآن، وقد وصلهم ملايين الجرعات، يواجهون تحديا جديدا: إقناع غالبية الشعب بأخذ اللقاح.
اقرأ أيضا: خبير إسرائيلي يحسد الفلسطينيين على "إصابات كورونا"
قال شادي اللحام، مسؤول وزارة الصحة في منطقة بيت لحم: "لدينا لقاحات، لكننا بحاجة ماسة إلى إقبال الناس على التطعيم.. إنهم عنصر مهم لمساعدتنا في تجاوز الوباء".
وقفز عدد الإصابات الجديدة بالفيروس في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل كبير خلال الأسبوع الماضي، حيث وصل إلى 868 حالة في الضفة الغربية يوم الخميس و1021 حالة في غزة يوم الجمعة، وهو أعلى رقم ليوم واحد منذ شهور. تضاعف عدد الحالات التي احتاجت إلى مستشفى في كلا المنطقتين ثلاث مرات تقريبا خلال الأسبوعين الماضيين.
لكن 37% فقط من سكان الضفة الغربية المؤهلين تلقوا جرعة واحدة على الأقل من اللقاح، وحوالي 18% في غزة، وفقا لمسؤولي الصحة في المنطقتين.
وساهمت المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة، إلى جانب المزيد من المخاوف المبررة حول تراجع فعالية اللقاح، في التردد على نطاق واسع في قبول اللقاح، وفقا لعبد السلام الخياط، مدير قسم الصحة العامة في كلية الطب بجامعة النجاح في نابلس في الضفة الغربية. وقال: "كثير من الناس ببساطة لا يتلقون معلومات موثوقة حول اللقاحات".
ربما تكون مدينة بيت لحم، حيث تم العثور على أول حالة مؤكدة لكوفيد-19 في مدينة فلسطينية بالضفة الغربية، هي الأكثر تضررا. فبالإضافة إلى التسبب في وفاة ما لا يقل عن 258 شخصا في المنطقة، دمر الفيروس صناعة السياحة في المدينة التي يعتقد المسيحيون أن المسيح ولد فيها. وأغلقت الفنادق والمطاعم، وفقد المرشدون السياحيون عملهم.
لكن في السوق المكشوف الصاخب في المدينة القديمة، يرفع العديد من بائعي الفاكهة والخضروات أصواتهم حول تشككهم في اللقاح، كما يفعلون في الترويج لبضاعتهم.
قال عيسى أبو هليل، 53 سنة، مشيرا إلى شائعة لا أساس لها من الصحة بينما كان يبيع بطيخة لأحد الزبائن: "قرأت على الإنترنت أن الناس سيموتون بعد عامين من أخذ اللقاح.. لذلك قررت ألّا آخذ اللقاح. لماذا أخاطر؟ صحتي ممتازة".
أمرت السلطة الفلسطينية وحركة حماس، التي تحكم غزة، الأسبوع الماضي، موظفي الحكومة بالتطعيم، في محاولة لزيادة الامتثال.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، في إعلانه القرار، إن رفض التطعيم "ليس مسألة حرية شخصية.. حريتك تنتهي عندما تلحق الضرر بصحة الآخرين".
وقالت السلطة إنها ستمنح موظفي القطاع العام الذين لا يتلقون التطعيم إجازة غير مدفوعة الأجر حتى نهاية الوباء. الحكومة هي أكبر جهة توظيف في الضفة الغربية، وقال مسؤولون فلسطينيون إن عدد التطعيمات زاد بشكل كبير في الأيام الأخيرة، بعد دخول الأمر الحكومي حيز التنفيذ.
وفي غزة، قال أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة، إنه يجب تطعيم جميع موظفي الحكومة، وإلا فسيواجهون الإجراءات القانونية. وقال القدرة إن أي شخص في القطاع الخاص يجعله عمله على اتصال مباشر مع الجمهور يجب أن يتم تطعيمه أيضا إذا أراد البقاء في عمله.
أعرب المدافعون عن حقوق الإنسان عن تحفظاتهم بشأن صرامة الإجراءات، بحجة أنه كان بإمكان المسؤولين تقديم حوافز بدلا من ذلك، مثل إجازة إضافية للتطعيم، أو السماح للموظفين الذين رفضوا اللقاح بمواصلة العمل بشرط إجراء فحوص بانتظام.
اقرأ أيضا: إجازة دون راتب لموظفي "السلطة" من رافضي التطعيم
قال عمار دويك، مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وهي هيئة حكومية فلسطينية: "يجب أن يكون هناك توازن بين الصحة العامة والحريات الشخصية.. لكنني أعتقد أنه كان بإمكان السلطات أن تولي مزيدا من الاعتبار للبدائل بهذا الخصوص".
إن التردد بشأن اللقاحات هو آخر عقبة في كفاح الفلسطينيين المضني ضد الوباء. خلال معظم هذا العام، كان لدى الفلسطينيين عدد قليل جدا من اللقاحات، ما أدى إلى انتقادات شديدة بأن إسرائيل لم تكن تحمي الفلسطينيين تحت احتلالها، بينما كانت تنفذ برنامج تطعيم رائدا عالميا للمواطنين الإسرائيليين.
لكن العديد من الجرعات التي حصلت عليها السلطة الفلسطينية تم إعطاؤها لكبار أعضاء الحزب الحاكم والحلفاء في وسائل الإعلام، وحتى لأفراد عائلات كبار الشخصيات. في الربيع الماضي، أعطت إسرائيل لقاحات لأكثر من 100000 فلسطيني يعملون في إسرائيل، ولكن ليس لملايين الفلسطينيين الآخرين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وعندما عرضت إسرائيل أخيرا على السلطة أكثر من مليون جرعة في صفقة تبادل لقاحات في حزيران/ يونيو، رفضتها السلطة.
منذ أن بدأ الفلسطينيون في تلقي الشحنات الدولية في شباط/ فبراير، تلقوا أكثر من 2.8 مليون جرعة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، تكفي لتطعيم معظم السكان المؤهلين حاليا. وقالت المنظمة إن السلطات في الضفة الغربية وغزة بصدد تلقي أو التفاوض على صفقات لحوالي 4.6 مليون جرعة إضافية.
وقال مسؤولو صحة فلسطينيون إنه تم بالفعل إعطاء أكثر من 1.2 مليون جرعة. وصل تبرع أمريكي بحوالي 500000 جرعة الأسبوع الماضي، كما وصل طلب بأربعة ملايين جرعة من شركة فايزر على دفعات.
وقال ريتشارد بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الضفة الغربية وغزة، إن السلطة لا تزال بحاجة إلى المزيد من اللقاحات لتلقيح الغالبية العظمى من السكان. وقال: "لا يزال أمامنا طريق طويلة".
في مركز التطعيم في بيت لحم يوم الخميس، كان أثر قرار السلطة الفلسطينية مطالبة موظفيها بالتطعيم واضحا.
احتشد العشرات بالقرب من طاولة، حيث كانت الممرضات يقمن بإعطاء مجموعة متنوعة من جرعات اللقاح، بينما قام آخرون بملء استمارات التلقيح في الخارج.
لكن العديد من الأشخاص الذين تلقوا التطعيم قالوا إنهم كانوا يتلقون التطعيم فقط لأنهم اضطروا لذلك.
قال محمد قوار، 34 عاما، ويسعى للعمل كسائق تاكسي: "لست مقتنعا باللقاح على الإطلاق". لكنه قال إن وزارة النقل ستسمح له بإجراء اختبار القيادة فقط إذا أظهر شهادة تطعيم.
وأضاف: "لا أرى أي فائدة من اللقاح، لكني أريد أن أصبح سائق تاكسي.. لذا، ليس لدي خيار في الواقع".
أوبورن: مساعدات جُمعت ببريطانيا لغزة لا تزال محتجزة بمصر
جدعون ليفي: قتل الفلسطينيين بالضفة يقابل بصمت إسرائيلي
الغارديان: فرض ضرائب على أثرياء كورونا يكفي لتلقيح كل البشر