في مواجهة
السياسة العامية للشعبويات الناشئة و مغامرات الأقليات الوظيفية المتطرفة.. تونس
العقلانية
من الواضح أن
رئيس الجمهورية و إجراءاته الاستثنائية في طريق التوغل نحو المأزق باطراد.
التحديات الاقتصادية الضاغطة و تعقيدات الوضع الاجتماعي و صعوبات التعامل مع
العناوين التي أسست للسردية الاحتجاجية لرئيس الجمهورية من مقاومة الفساد إلى تحقيق المطالب المادية و الحيوية للناس..كلها عوامل سوف تساهم شيئا فشيئا في
انطفاء الحماس الشعبوي الذي رافق إعلان 25 جويلية و تحوله بشكل متصاعد إلى إحباط و
غضب.
غموض الرؤية و
غياب الخطة و اتجاه رئيس الجمهورية إلى مجرد إدارة يومية للمشاعر عبر جملة من
العمليات و الخطابات الاستعراضية فضلا عن غياب الحوار و تشريك الأطراف السياسية و
الاجتماعية و غلبة الموقف الفردي هذه أيضا عوامل أخرى تجعل الوقت في صالح
المعترضين داخل النخبة السياسية على إجراءات 25 ما يساهم في إضعاف حجة الأطراف
المنتصرة لها في البداية بحكم الانقسام السياسي التقليدي الذي حول الانحياز إلى " الانقلاب على الدستور " مجرد نكاية سياسية في الخصم دون أفق.
إضافة إلى ما
تقدم يجب أن نشير إلى مكمن ضعف آخر سوف يعمق أزمة تيار " 25 جويلية " و
رئيسه و هي التخوفات المفترضة في البداية و التي تحولت الآن حقيقة حول مصير
الحريات و الحقوق الأساسية إذ لا ينتظر من التفرد في الحكم و تجميع السلطات في يد
شخص واحد أن يكون ضمانا للحقوق و الحرية.
ابرز مظاهر
التمأزق السياسي لحدث 25 هو إغفاله لسياقات إقليمية و دولية لم يعد خافيا على احد
تصاعد ضغوطها على ساكن قرطاج للعودة سريعا إلى سقف الشرعية الدستورية نظرا لما
يمثله الاستقرار في تونس من أهمية لاستقرار الإقليم في الترتيب الجديد و باعتبار
ما تعنيه التجربة التونسية الديمقراطية لرعاتها بقطع النظر عن الصعوبات و مظاهر الإخفاق
التي لا تخفى عليهم و لكنهم لا يرون حلا لها في التراجع عنها وفسخ كل مسار
الانتقال الديمقراطي.
من المؤكد أن
رئيس الجمهورية انطلق منذ شهر و نيف ليلة إعلانه لإجراءاته الاستثنائية بأوراق قوة
كبيرة : عشر سنوات من انتقال ديمقراطي بلا إنجازات ملموسة على صعيد أهداف الثورة
اجتماعيا و اقتصاديا + مشهد سياسي مرذل و مشوه بطبيعة عدد من فاعليه الذين يختلط
فيهم الفساد السياسي و المالي و الأخلاقي + عطالة فعلية للمرفق العام و تهديد
حقيقي لاستقرار الدولة بله لبقائها بحكم الصراع بين رؤوس السلطة و خصوصا رأسيها
التنفيذيين و وصول العمل البرلماني إلى " البلوكاج " بحكم انعدام أفق
التسوية بين حزام الحكومة و حزام الرئيس.
لكن ما كان
متوقعا أن أوراق القوة هذه لن تظل بنفس عنفوانها باعتبار أن إجراءات 25 كانت تحمل
في أحشائها بذور مخاطرها " المغامراتية " نظرا للتوسع المبالغ فيه في
تأويل الفصل 80 بما لا يجعل أي طرف في البلاد قادرا على تحمل هذه الوضعية
الاستثنائية لو طالت اكثر من اللزوم.
ليس أمامنا الآن
في هذا الوضع المأزقي الذي تعيشه البلاد إلا أن نذكر بأن لا سبيل للخروج من دائرة
الخطر و المجهول التي اصبحنا في قلبها إلا استعادة الوصفة التونسية التقليدية وهي
قدرة نخبها على التسويات و المقايضات عبر الحوار و دائما تحت سقوف المتاح من
الشرعية. السياسة في تونس و تدبير الشأن العام هو باستمرار شأن غالبية النخبة
المتموقعة في الوسط بعيدا عن الهرطقات العامية للشعبويات الناشئة أو وصفات الأقليات
الحمقاء. ارتفاع صوت موحد للنخبة الديمقراطية الوسطية اصبح الآن هو الحل الوطني
الوحيد حتى تتوقف كل أشكال المغامرات غير المحسوبة.
موقع الزرّاع