أكد جامعيون وخبراء قانونيون مغاربة، أن التزام المغرب بالمواعيد الانتخابية، وتأمين المشاركة فيها لمختلف القوى السياسية، هو ما يميز تجربة الانتقال الديمقراطي في المغرب، التي نأت بنفسها عن السقوط في متاهات الاضطراب والفوضى الداخلية التي ما زالت تعصف بالعديد من الدول العربية.
جاء ذلك في ندوة فكرية-سياسية نظمتها صحيفة "عربي21"، مساء أول أمس السبت، في إطار متابعتها لمجريات الحملة الانتخابية التي تعرفها المغرب استعدادا للانتخابات العامة المرتقب إجراؤها بعد غد الأربعاء 8 أيلول (سبتمبر) الجاري.
وشارك في الندوة التي أدارها الزميل عادل الحامدي من أسرة "عربي21"، كل من: الدكتور ميلود بلقاضي مدير المرصد المغربي للدراسات الاستراتيجية، والدكتور منار السليمي رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، والدكتور بلال التليدي الجامعي والأكاديمي المغربي، والدكتور خالد البكاري الأستاذ الجامعي المغربي.
يقول الدكتور ميلود بلقاضي في مستهل الندوة: "أعتقد أن تنظيم الانتخابات في المغرب في ظل هذه الظروف الاستثنائية هو التحدي بعينه، لأن تنظيم انتخابات متعددة جهوية ومحلية وبرلمانية هو تحد كبير ويثبت قوة الدولة المغربية وأن السياسة التي اتبعها المغرب منذ بروز جائحة كورونا تؤكد أن المغرب يسير في نفس الاتجاه، هذا هو التحدي الأهم والأبرز".
وأضاف: "الاستثناء الثاني أن هذه الانتخابات تجرى في ظل نظام إقليمي مضطرب، نعرف ما تعيشه العلاقات المغربية-الإسبانية من تأزم، وكذلك العلاقات المغربية-الألمانية، أما مع الجزائر فالأمور واضحة جدا".
وتابع: "الاستثناء الثالث هو أن مدونة الانتخابات التي ستؤطر انتخابات 8 أيلول (سبتمبر) الجاري عرفت مجموعة من التغيرات، خصوصا على مستوى القاسم الانتخابي المتعلق باعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، وليس على أساس المصوتين".
وأضاف: "أما الاستثناء الرابع فيتمثل في ظهور مؤشرات جديدة، عن المغرب الذي سيعرف بعد هذه الانتخابات مشهدا سياسيا جديدا، أن حزب العدالة والتنمية لن يكون من بين الأحزاب التي ستلعب الريادة في هذا المشهد الحزبي الذي يتشكل"..
وأشار بلقاضي إلى أن الجميع ينتظر نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، التي تعتبر تحديا كبيرا، إضافة إلى الحضور النسوي القوي للمرأة التي منحتها إياه القوانين الناظمة للانتخابات.
من جهته أكد الكاتب والأكاديمي المغربي الدكتور بلال التليدي، على الاستثناء المغربي في إجراء الانتخابات بمستوياتها الثلاثة التشريعية والجماعية والجهوية، في ظل اضطراب إقليمي في تونس وليبيا والجزائر ومصر..
وقال: "المغرب يوجد في المنطقة المغاربية وفي شمال أفريقيا وربما حتى في العالم العربي في حالة فريدة، فهو لا يكتفي بالاستمرار في العملية الديمقراطية، وإنما يذهب بعيدا، على الأقل رمزيا في أنه يجري ثلاثة استحقاقات انتخابية في يوم واحد".
وأضاف: "الجانب الثاني الذي ينبغي ترصيده، هو ما يرتبط بوجود قدر من التعايش داخل مكونات الفعل السياسي في المغرب.. الاحتقان الموجود في تونس، وأيضا بشكل أكبر في ليبيا وأيضا في مصر بين مكونات الفعل السياسي، وبخاصة بين الإسلاميين والقوى الليبرالية والديمقراطية الأخرى.. هذا الاحتقان يجد صيغة التعايش في المغرب.. هذه الانتخابات تجرى في ظل مشاركة كل مكونات المجتمع الأيديولوجية والسياسية".
ولفت التليدي الانتباه إلى أن الديمقراطية كما أنها تكفل الحق في المشاركة أيضا فهي تكفل الحق في المقاطعة، وهو الموقف الذي اتخذته جماعة العدل والإحسان وحزب النهج الديمقراطي القاعدي، وقال: "هناك بعض الحساسيات المحدودة التي استقرت على موقفها السابق، وهو المقاطعة الذي تمثله جماعة العدل والإحسان والنهج القاعدي، لكن في كل الديمقراطيات هذه الأقليات التي تخرج عن النسق لا تكون معيقة للتحول الديمقراطي بقدر ما تكون في بعض الأحيان مساعدة عليه، خاصة إذا كانت تحتاج إلى زمن للاندماج السياسي".
وأكد التليدي، أن هناك تجربة ديمقراطية في المغرب تستمر وتصمد على الأقل من الناحية الظاهرية، وقال: "طبعا من ناحية الجوهر هناك نقاش كبير حول جوهر العملية الديمقراطية، لأنه المهم ليس أن تجرى الانتخابات بما اتفق، وأن تحترم المواقيت، وهذا شيء مهم، ولكن المهم أيضا القوانين الانتخابية المؤطرة، هل ستفرز خارطة انتخابية تتقدم بالمغرب ديمقراطيا إلى الأمام، أم إنها ستحدث ردة أو نكوصا؟".
وأضاف: "ما ينبغي تأكيده، أنه منذ تربع الملك محمد السادس على العرش كان هناك توجه من أجل تأطر السياسة بأقطاب سياسية كبيرة، وأن تكون السياسة معتمدة على أحزاب سياسية قوية بنخب قوية، ولهذا تم التوجه مبكرا إلى نمط الاقتراع اللائحي على اعتبار أنه يحيي السياسة، ويجعل لها حيوية، بينما نمط الاقتراع الفردي هو أشبه ما يكون بالنمط التقليدي، الذي يتحكم به الأعيان، وهؤلاء متحركون".
أما الدكتور منار السليمي، فقد شدد من جهته على أن الانتخابات المغربية لا تجرى في جزيرة مهزولة، وإنما هي تتأثر بما يجري في الداخل والإقليم وفي العالم، لأن الرائي من بعيد ينظر إلى وجود أحزاب تتنافس، وينسى أن هناك تغييرات كبيرة حدثت داخليا وإقليميا ودوليا.
وقال: "على المستوى القانوني فإن المغرب استطاع رغم الظرفية الصعبة، أن يحافظ على انتظامية الانتخابات وهذا شيء أساسي، لأنه جرى نقاش حول التأجيل، وكثير من الدول العربية لا تحافظ على هذه الانتظامية التي استطاع المغرب أن يحافظ عليها، وهذا له دلالة أن هناك حكومة وبرلمانا وصلت نهاية موعده، وبالتالي فإنه سيكون هناك برلمان جديد وحكومة جديدة".
وأضاف: "المسألة الثانية، أن المغرب سينظم ثلاثة أنواع من الانتخابات في يوم واحد، وهذا أوجد صعوبة لدى الكثير من الأحزاب، حيث لم تستطع جميع الأحزاب تغطية جميع الدوائر".
وأشار إلى النقاش القانوني المتعلق بالقاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين وليس عدد المصوتين، وأن الحسم لجهة عدد المسجلين سينوع المشاركين في البرلمان..
وأضاف: "ربما اللافت أيضا في الانتخابات الحالية أنه لا يوجد صراع حزبي كما كان في الانتخابات السابقة، حيث إن العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة اللذين اختلفا في الانتخابات السابقة هما الآن أقرب إلى التحالف.. وهناك صراع آخر في الواجهة بين التجمع الوطني للأحرار وبين الأصالة والمعاصرة، أي إن الصراع هذه المرة موزع وليس ثنائيا كما كان في السابق".
ورأى السليمي أن البنية الحزبية في المغرب تغيرت كذلك، "فحزب العدالة والتنمية الآن ليس هو نفسه قبل خمسة أعوام، والاصالة والمعاصرة كذلك تغير، وبالنسبة لحزب التجمع الوطني للأحرار فأعتقد أنه منذ البداية يحاول أن يقدم نفسه، على أنه الحزب الفائز، وهذه مسألة ليست محسومة.. وهو اعتقاد لا يمكن الذهاب معه بعيدا".
وأضاف: "برأيي هناك أربعة أحزاب كبرى لها نفس الحظوظ، وهي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال".
ولفت السليمي إلى أن الانتخابات المغربية المقبلة تجري في نظام دولي يعرف الكثير من التغييرات، وفي مرحلة قبل الخروج من كورونا، وهذا سيكون له تأثيره، وأيضا هناك محيط إقليمي سيكون له تأثيره على الأرض وتحديدا العلاقة مع الجزائر.
وقال: "هنا لا بد من التأكيد أن الجزائر اختارت قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في الوقت الذي سيدخل فيها المغرب إلى الحملة الانتخابية، وهذه مقصودة، أي إنها ختارت لحظة ستكون فيها الحكومة والأحزاب مركزة على الانتخابات.. وهذه لحظة كانت مدروسة.. وأيضا الأزمة مع إسبانيا، هذه كلها عوامل مؤثرة في نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة ورئيس الحكومة".
الدكتور خالد البكاري الأستاذ الجامعي المغربي يرى أن "مخرجات العملية الانتخابية في المغرب لا تعكس الغرض الأساسي من الديمقراطيات المعروفة.. الديمقراطيات التي تعتمد مبدأ الديمقراطية التمثيلية التي تهدف إلى التداول السلمي على السلطة.. في المغرب الانتخابات ليس هدفها التداول السلمي على السلطة، باعتبار أن السلطة محسومة بيد الملك، ختى بالنظر إلى الاختصاصات الدستورية".
وأضاف: "سقف العملية الانتخابية في المغرب هو تحديد من يشارك في الحكومة، ومن سيكون في المعارضة، وبالمناسبة المعارضة في المغرب هي معارضة للحكومة وليس معارضة لاختيارات الدولة التي تحكم فعليا، وبالتالي فإن القيمة الكبرى في الانتخابات المغربية لا تتعدى ترسيخ ما أسميه بديمقراطية الواجهة (الانتخابات في موعدها دليل استقرار سياسي واجتماعي) وهذه هي الرسالة الأولى التي يراهن عليها النظام السياسي في المغرب".
وأضاف: "الرسالة الثانية أن موقف النظام السياسي في المغرب من الانتخابات هو الحرص على أن لا تكون نسبة التصويت ضعيفة جدا، لأن الضعف سيطرح شرعية هذه المؤسسات.. في السنوات الأخيرة لم تعد نسبة المشاركة في الانتخابات تهم الدولة، بدليل أن هذه الأيام ليست هناك دعاية كبيرة للمشاركة في الانتخابات".
وأشار إلى أن الدولة تحسب كل ما هو إيجابي في البلاد لصالح المؤسسة الملكية وإلى مؤسسات الدولة التابعة لها، بينما كل الإخلالات يتم إلصاقها بالحكومة وبالأحزاب.
ولفت البكاري الانتباه إلى العودة القوية للمال كمؤثر أساسي في الانتخابات المقبلة، وقال: "صحيح أن المال كان حاضرا منذ السبعينيات وكذلك الأعيان، لكن منذ آخر انتخابات في القرن الماضي 1998 وصولا إلى انخابات 2016 كان هناك اعتراف بوجود تقدم على مستوى تسييس العملية الانتخابية، بحيث تراجع الانتخاب على أساس المحدد القبلي والعائلي وصعود ما يمكن تسميته بالتصويت السياسي، ولذلك كانت المراهنة على ما يقع في المدن".
وأضاف: "ما يحدث اليوم في هذه الانتخابات أننا نعود إلى المحددات التقليدية، إلى المال والقرابة والأعيان.."، على حد تعبيره..
إقرأ أيضا: بنكيران يدعو المغاربة للتصويت بكثافة ويهاجم لشكر وأخنوش
هكذا ساهمت "إسرائيل" في توتر العلاقة بين المغرب والجزائر
أبرز المحطات التاريخية للتوتر بين الجزائر والمغرب
كيف يؤثر قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب على ملف ليبيا؟