النفق، ذلك المكان الضيق المظلم الموحش الخطير، كان ولا زال بداية النور، وملجأ المقاومة لدى كل الشعوب التي وقعت تحت
الاحتلال، من ڤيتنام حتى غزة البطولة.
لكننا اليوم أمام نفق من نوع آخر، نفق قصير، ضيق، ليس بالعميق، بدايته في الجحيم، وعينه في الجنة. بدايته حيث الظلم الثقيل، حيث الزمن البطيء الذي يقتل أبطالنا منذ عشرات السنوات، لكنّه الضوء الذي ظهر في طرفه الآخر، ضوءٌ شعّ رغماً عن سجانٍ حرص بكل ما أوتي من صلفٍ وحيوانية أن يظلّ مطفأً.. لكنّه
الفلسطيني العنيد، لكنّها إرادة الحياة، لكنّها الفطرة الإنسانية السليمة التي انتصرت - كما العادة - وستنتصر لأنّ الفلسطيني، وبعد معركة سيف القدس الأخيرة، حسم أمره وأيقن أنّ هذا الكيان الغاصب أوهن من بيت عنكبوت، أدرك الفلسطيني مدى ضعف وهشاشة هذا الكيان وأنّ الانتصار عليه ممكن جداً.
جرت عمليات هروب ناجحة في السابق سنة 1987 وسنة 1996، نجح الأسرى وقتها في كسر قيودهم والتحرر من قبضة القضبان والأسلاك الشائكة، وهذه المرة كانت امتداداً طبيعاً لتلك المحاولات، وامتداداً طبيعياً لمسار المقاومة والتحدّي الذي يتقنه هذا الشعب المجاهد.. مسار كسر إرادة السجان بكل السبل المُتاحة، من فرض طبيعة حياة خاصة للأسرى الفلسطينين تختلف عن حياة الأسرى الجنائيين في الكيان، من صفقات الأسرى التي حدثت سابقاً وآخرها صفقة وفاء الأحرار (1)، من عمليات الهروب التي كانت عملية الهروب الأخيرة من جلبوع، التعبير الواضح عن هذا المسار المقاوم.
"جلبوع"، أو الخزنة كما أطلق عليه سجّانوه، الذين كانوا في غالبيتهم من الطائفة الدرزية، وذلك إبّان افتتاحه عام 2004، حيث نُقل إليه الأسرى من ذوي الأحكام العالية، الذين نفذوا عمليات أدت لمقتل صهاينة، ومن ضمنهم دروز. وفي خطوة دنيئة، جعلت إدارة
السجون غالبية السجانين من الطائفة الدرزية حصراً، كيما يشعروا بالحقد على الأسرى بشكل مضاعف، بسبب مقتل بعض أقربائهم في عمليات أولئك الأسرى.
"جلبوع"، سجن - كان - شديد الحراسة، سجنٌ كان ذا سمعة جيدة لدى المؤسسة الأمنية
الإسرائيلية، كل ذلك أصبح من الماضي، انهارت هذه القلعة المظلمة على أيدي ثلة من ستة فلسطينين أبطال، ستةٌ فقط كانوا قادرين على كسر هيبة الشاباك والشاباص ووزارة الأمن الداخلي الصهيونية.. ستة فقط.
قد يقول قائل: هذه مبالغات عاطفية ساقها الكاتب، لكن، من عاش تجربة الأسر، وتحديداً في هذا السجن، يُدرك جيداً أنّ كلمة معجزة لا تفي لوصف ما قام به هؤلاء الأبطال، معجزتهم تجاوزت ارتداداتها حدود فلسطين، لتهزّ شجرة الأمة العربية والإسلامية، علّها تساقط على هذا الشعب الصامد دعماً حقيقياً، علّها تكون بداية بزوغ شمس حرية تأخرت كثيراً على شعبنا المرابط.
حماكم الله، ثبتكم الله، أثابكم الله، أنتم انتصرتم وانتهى الأمر مهما كانت النتائج في قابل الأيام، انتصار بالضربة القاضية، وليسجّل من يريد نقاط فشله وخيبته كما يريد.