منذ الانسحاب
الأمريكي من أفغانستان، وكبار الدبلوماسيين من مختلف أنحاء العالم يترددون على
قطر
التي ظلت لفترة طويلة بوابة للتواصل مع حركة
طالبان وأصبحت الآن وسيطا أساسيا، في
وقت يحاول فيه الغرب التعامل مع الحكومة الجديدة في كابول. ولم يكن كل ذلك صدفة.
فالمحللون
يصفون بروز دور قطر كوسيط في أفغانستان، بأنه جزء من استراتيجية أولتها الدولة
الصغيرة الغنية اهتماما كبيرا لدعم أمنها، من خلال التحول إلى موقع لا غنى عنه
للوساطة الدولية.
وقطر أكبر
منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، وهي دولة صحراوية صغيرة عبارة عن شبه جزيرة، ومن أغنى الدول من حيث نصيب الفرد من الدخل القومي. ويبلغ عدد سكانها قرابة ثلاثة
ملايين نسمة، 85 في المئة منهم من العمالة الوافدة.
غير أن
طموحاتها منذ فترة طويلة تفوق حجمها؛ إذ تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق
الأوسط، وتملك أوسع قنوات المنطقة التلفزيونية انتشارا وأكثرها تأثيرا.
وقد بددت قطر
جانبا كبيرا من نفوذها الإقليمي خلال العقد الأخير، في أعقاب انتفاضات الربيع
العربي عام 2011، عندما أيدت الحركات المطالبة بالديمقراطية والمعارضة في مختلف أنحاء
المنطقة. وعاقبتها دول مجاورة بقيادة
السعودية والإمارات وحليفتهما مصر بفرض
عقوبات تجارية وعزلة دبلوماسية عليها.
والآن، ها هي
قطر تعود؛ فقد سُوي خلافها مع القوى العربية هذا العام، كما ستستضيف العام المقبل
نهائيات كأس العالم لكرة القدم.
غير أنه لا
يوجد على ما يبدو تحرك يذكر حقق لها عائدا دبلوماسيا كبيرا، مثل دورها في أفغانستان
الذي بدأ منذ سمحت لحركة طالبان بفتح مكتبها الدولي الرئيسي على أراضيها في 2013، وكانت مقرا لمحادثات السلام التي أفضت العام الماضي إلى اتفاق الانسحاب الأمريكي.
قالت كريستين
ديوان الباحثة الأولى المقيمة بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن؛ إن تلك
التسهيلات الدبلوماسية التي غلفها الصبر، كانت وسيلة تقليدية لكي ترفع دولة صغيرة
مكانتها الدولية.
وأضافت: "في ضوء حجمها السكاني، يعد القيام بدور عسكري كبير أمرا صعبا. غير أن قطر
يمكنها تحقيق استفادة حقيقية من خلال علاقاتها، خاصة في الجانبين الغربي والإسلامي، لا سيما الأطراف التي ترفض الولايات المتحدة التواصل معها مباشرة".
وفي الأسابيع
التي أعقبت اجتياح طالبان لأفغانستان ووصولها إلى السلطة، كانت قطر مركز عبور نُقل
إليه أكثر من 58 ألفا من بين 124 ألف مواطن غربي وأفغاني معرضين للخطر في جسر جوي
من ذلك البلد الذي مزقته الحرب.
والآن، أصبحت
قطر مقرا مؤقتا لسفارات الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، التي تم إجلاء الدبلوماسيين
منها في أفغانستان لتصبح الوسيط الرئيسي في جهود التواصل الغربية.
تصعيد
قال وزير
الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي زار قطر هذا الأسبوع مع وزير الدفاع لويد
أوستن: "نعلم ونحن نعمل هنا على دفع دبلوماسيتنا للأمام، أن قطر ستكون شريكنا؛ لأن هذه ليست هي المرة الأولى التي تبادر فيها قطر للمساعدة في أفغانستان".
وقال مسؤول
قطري؛ إن بلاده تواصلت بصفتها وسيطا محايدا مع جميع الأطراف لتوفير حرية الحركة لمن
هم في أفغانستان، و"محاربة الإرهاب لمنع أي زعزعة للاستقرار في المنطقة
مستقبلا".
ومن خلال
التعاون مع تركيا، حليفتها الوثيقة، ساعدت قطر حركة طالبان في معاودة فتح مطار
كابول، وسمحت باستئناف الرحلات الجوية الإنسانية والداخلية.
وخلال عمليات
الإجلاء المتعجلة من أفغانستان، ساعد دبلوماسيون قطريون على الأرض بكابول في مرافقة
الأفغان الفارين عبر الحواجز الأمنية إلى المطار.
ومنذ فترة
طويلة، تشعر قطر بالحاجة لحماية نفسها بنهج دبلوماسي طموح، خاصة أنها دولة صغيرة
يحيط بها منافسون أفضل تسليحا، يطمعون دون شك في حقولها الغازية.
ومنذ أربع
سنوات، وجدت نفسها معرضة للخطر عندما فرضت السعودية والإمارات ومصر وحلفاؤهم عليها
حظرا تجاريا وعزلة دبلوماسية، بموافقة ضمنية فيما يبدو من إدارة ترامب.
واتهمت هذه
الدول قطر بدعم جماعات مسلحة في مختلف أنحاء المنطقة، وبالتودد لإيران
الشيعية في الوقت نفسه.
وتساءل البعض
في المنطقة عما إذا كانت السعودية وحلفاؤها قد يغزون قطر، غير أن الرياض نفت وجود
خطة كهذه.
ونفت قطر،
التي حماها صندوقها للثروة السيادية البالغ حجمه 300 مليار دولار من التداعيات
الاقتصادية، ارتكاب أي أخطاء بحق جيرانها، وصمدت حتى سُوي الخلاف في كانون
الثاني/يناير الماضي.
غير أن الخلاف
أكد حاجتها لإيجاد أصدقاء أقوياء.
وقال جيمس
دورسي الباحث بمعهد إس. راجارتنام للدراسات الدولية في سنغافورة؛ إن القدرة على نفع
الغرب يمكن أن تفيد.
وأضاف: "هي مسألة تتعلق بالنفوذ بقدر ارتباطها بمدى أهميتك ونفعك للمجتمع الدولي، بالدرجة التي تدفعه للتدخل لصالحك إذا ما تعرضت للتهديد".