منذ 25 تموز/ يوليو 2021 لم يبرح
قيس سعيد منطقة الاحتباس الاستثنائي، فظل يراوح مكانه لا يكف عن ترديد الشعارات ومهاجمة أعداء غير معلومين لعموم الناس.
يحاول قيس سعيد تأكيد مشروعية ما أقدم عليه بجموع الشباب الغاضب الذي خرج للشوارع احتجاجا على منظومة الحكم، وتحديدا على حركة النهضة الحزب الأكبر في البلاد، رغم أنها لم تكن حكمت لوحدها بل ظلت تسعى وراء توافقات بل وقبلت حتى بمشاركة رمزية خلال حكم نداء
تونس الذي فاز بانتخابات 2014. المشروعية الشعبية يريدها قيس سعيد فوق المشروعية الانتخابية وفوق المشروعية الدستورية، وهي "مشروعية" جعلته يتكلم باستعلاء ويرد على منتقدية بأسلوب ساخر بل ومهين أحيانا، حين يتهمهم بالجهل أو حين يدعوهم إلى البحث في كتب الجغرافيا عن "خارطة طريق" يطالبونه بها.
المتابع للمشهد السياسي التونسي يلحظ
اتساع دائرة الرفض لاسلوب قيس سعيد في تجميع السلطات بين يديه، بما يؤكد حصول انقلاب وليس مجرد إجراءات استثنائية اقتضتها مخاطر داهمة أو "جاثمة" كما يقول.
المتابع للمشهد السياسي التونسي يلحظ اتساع دائرة الرفض لاسلوب قيس سعيد في تجميع السلطات بين يديه، بما يؤكد حصول انقلاب وليس مجرد إجراءات استثنائية اقتضتها مخاطر داهمة أو "جاثمة" كما يقول
قيس سعيد لا يواجه معارضة الإسلاميين فقط - بل إنهم الأخفت صوتا - إنما يواجه رفضا يساريا ونقابيا واعلاميا وثقافيا وحقوقيا وشبابيا أيضا، خاصة بسبب محاكمة بعض المعارضين والمدونين أمام قضاء عسكري، مثلما هو الحال مع النائب ياسين العياري، النائب الأكثر عملا والأتقن فعلا والأهدأ خطابا، وهو ابن أول شهيد عسكري اغتاله الإرهاب بداية 2011. فقد انتظمت وقفة احتجاجية يوم السبت الماضي (11 أيلول/ سبتمبر) في شارع الحبيب بورقيبة، حيث أقدم شاب على إضرام النار في جسده احتجاجا على منعه من السفر، وقد توفي لاحقا. وتزامنا مع تحركات شارع بورقيبة نظمت الجالية التونسية وقفة احتجاجية أما سفارة بلادنا في باريس؛ ندد المشاركون بانحراف قيس سعيد بالمسار الديمقراطي نحو الاستبداد والتفرد بالرأي، ونحو التضييق المتسارع على الحريات وعلى رأسها حرية التنقل والسفر، حيث يخضع الآلاف للإقامة الجبرية في بيوتهم.
الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة الوطنية الكبرى في البلاد، خرج قادته عن الصمت ليعبروا بوضوح عن رفضهم سياسة الغموض التي ينتهجها قيس سعيد وسياسة صم الآذان عن كل مبادرة أو وجهة نظر. فقد عبر الأمين العام للمنظمة نور الدين الطبوبي عن رفض الاتحاد لهذا التباطؤ والغموض، وأكد على حق التونسيين في مساءلة رئيسهم عن برنامجه ووجهته المستقبلية.
العديد من الأحزاب أيضا أصدرت بيانات متفاوتة الحدة للتعبير عن رفض سياسة قيس سعيد، بل وحتى بعض الأحزاب والشخصيات التي كانت داعمة للرئيس دعما مطلقا بدأت تتخذ منه مسافة أمان وتوجه له نقدا، خاصة
في مسألة الدستور، حيث ترفض أي تجاوز له أو خروج عنه، بعد أن تكلم مستشار سعيد عن نية الرئيس تعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان وإعلان قوانين استثنائية لتنظيم الشأن العام.
إذا جاع الناس فلا مال لأحد ولن يحكم أحد، والفقراء لا تعنيهم شعارات الساسة ولا يصبرون على وعود تستند إلى حسن النوايا ولا يوجد على الأرض ما يؤكد تحققها
هذا الضغط الداخلي هو في تفاعل جدلي مع ردود فعل خارجية متسارعة ضد سياسة قيس سعيد، سواء الوفود الأمريكية رفيعة المستوى التي تناوبت على زيارة قصر قرطاج أو ممثلو الاتحاد الاوروبي أو بيان مجموع الدول السبع، وأخيرا بيان سفير الاتحاد الاوروبي الذي بدا كأنه تحذير جدي للرئيس قيس سعيد كي يكف عن ترذيل
الديمقراطية التونسية المدعومة بقوة من أغلب القوى الخارجية.
والسؤال هو: هل سيصمد قيس سعيد أمام اتساع دائرة الضغوط عليه؟ هل سيصمد في مواجهة الضغط الاقتصادي وإيقاف المساعدات كما أعلن مسؤولون أمريكيون عن ذلك؟ وهل سيتحمل التونسيون أكثر مما تحملوا طيلة سنوات الفشل والتهميش والنسيان؟ وهل سيبقى قيس سعيد في نظر
الفقراء والمحرومين "منقذا" و"مخلصا" إذا ما عجز عن تحقيق متطلبات عيش الناس؟
إذا جاع الناس فلا مال لأحد ولن يحكم أحد، والفقراء لا تعنيهم شعارات الساسة ولا يصبرون على وعود تستند إلى حسن النوايا ولا يوجد على الأرض ما يؤكد تحققها.
twitter.com/bahriarfaoui1