دعت الولايات المتحدة الأمريكية ودولا أوروبية إيران للعودة إلى المفاوضات النووية دون تأخير، وطالبتها بعدم التصعيد بشأن برنامجها النووي، بالمقابل ما زالت طهران تتمسك بشرط رفع العقوبات أولا.
وأشار القائم بأعمال مندوب الولايات المتحدة لوي بونو، في كلمة أمام اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا، إلى أن واشنطن على استعداد لرفع جميع العقوبات غير المتوافقة مع الاتفاق النووي.
وأوضح بونو أن ذلك مرتبط باستئناف إيران الامتثال لجميع التزاماتها بموجب الاتفاقية، مستدركا بالقول، إن فرصة الامتثال الكامل المتبادل للاتفاق لن تدوم إلى الأبد.
وفي بيان مشترك صدر يوم الأحد عن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد سلامي، والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، عقب اجتماع بينهما في مقر المنظمة بطهران، الأحد، قالا إنه تم الاتفاق على السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتركيب بطاقات ذاكرة جديدة في كاميرات المراقبة بالمواقع النووية الإيرانية.
وأكد الطرفان، وفقا للبيان، على روح التعاون والثقة المتبادلة واستمرارها، وشددا على ضرورة معالجة القضايا ذات الصلة، في جو بناء، وبطريقة فنية حصرا.
قرار فني وليس سياسيا
ويثير القرار الإيراني بالموافقة على عودة المراقبة بالكاميرات تساؤلات حول إذا ما كان القرار مقدمة لعودة طهران لمفاوضات فيينا، وهل جاء كبادرة حسن نية بحيث تقدم مجموعة 4+1 بمقابله قرار رفع العقوبات؟
اقرأ أيضا: خبراء: إيران تقترب من امتلاك القدرة على إنتاج رأس نووي
الباحث في الشؤون السياسية ومدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، محمد صالح صدقيان، أكد على أن "القرار الإيراني الأخير هو قرار فني تقني لا سياسي، فالوكالة الدولية للطاقة الذرية عملها فني فقط، ولا علاقة لها بالأمور السياسية ومنها مفاوضات فيينا".
وأوضح صدقيان خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "المراقبة على المنشآت النووية الإيرانية لها مساران، الأول مراقبة عادية تعتمد على المواثيق والضمانات الكلاسيكية الموجودة في الوكالة الدولية، والآخر ذكره الاتفاق النووي، وهو مراقبة مشددة على المنشآت النووية الإيرانية".
ولفت إلى أن "المراقبة العادية لم تتوقف أبدا، وإنما المراقبة المشددة هي التي كانت متوقفة، وذلك على إثر عدم تنفيذ الدول الأوروبية لبنود الاتفاق النووي، وكان التوقف أيضا ردا على عدم التزام مجموعة 4 +1 بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ولهذا انسحبت طهران من أعمال المراقبة المشددة".
وأضاف: "هذا القرار يصب بمصلحة الطرفين، فالحكومة الإيرانية أيضا ملزمة بتنفيذ قرار صدر من البرلمان الايراني في كانون أول/ ديسمبر العام الماضي، يلزمها التخلي عن تنفيذ المراقبة في المنشآت النووية بما نص عليه الاتفاق النووي".
وأوضح أن "الاتفاق الذي تم بين الطرفين يتيح لكاميرات المراقبة أخذ صور للمنشآت النووية والفعاليات التي تجري داخلها، ويتيح أيضا للوكالة الدولية تغيير الكروت الذكية للكاميرات، ولكن على أن تحفظ معلوماتها في إيران ولا يتم إعطاؤها للوكالة الدولية، ويتم ختمها بختم من قبل الجانبين".
وحول إذا ما كان هناك ربط بين السماح بعمل الكاميرات وبين مفاوضات فيينا قال صدقيان: "هذا الأمر لا يتعلق بمسار مفاوضات فيينا أو العودة لها، خاصة أن الوكالة الدولية هي جهة فنية، ولا علاقة لها بالمفاوضات، وعلاقة إيران بهذه المفاوضات سياسية، وليست علاقة فنية، لكن الربط الوحيد هو أن إيران ربطت حصول الوكالة على معلومات الكاميرات بنتائج المفاوضات".
شروط إيران للعودة إلى فيينا
ولكن يبقى السؤال: هل يعبر هذا القرار عن رغبة إيرانية بالعودة إلى مفاوضات فيينا؟
أوضح صدقيان، أن "مسار المفاوضات يختلف عن مسار العلاقة بين إيران والوكالة الدولية، فالمسار الأول معقد، وبالتالي، وحسب ما أعلم، من معلومات بأن إيران أخبرت 4+1 إضافة للجانب الأمريكي بأنها لن تذهب إلى فيينا ما لم تتحقق شروطها".
مشيرا إلى أن "شرطي إيران للعودة هما، أولا رفع الحظر عن الودائع الإيرانية المجمدة في بعض الدول مثل كوريا الجنوبية واليابان والهند وغيرها من الدول الأوروبية، وهي ثمن نفط قامت ببيعه إيران لهذه الدول، حيث تقول طهران إنه ما دام لم يتم رفع الحظر عن هذه الودائع فلن تعود لفيينا".
والشرط الثاني، وفق صدقيان، هو "عدم مناقشة أي موضوع خارج إطار البرنامج النووي الإيراني وخارج إطار آلية رفع العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني".
الموقف الأوروبي
وبعد تجديد الدول الأوروبية دعوتها لإيران بالعودة لمفاوضات فيينا، ما هو الموقف الأوروبي من قرار طهران الأخير؟
يرى الأوروبيون وفق المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي لمنطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لويس ميغيل بوينو، أن "اللقاء بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسلطات الإيرانية، والذي عُقد في 12 كانون أول/ ديسمبر، يمثل خطوة إيجابية لضمان استمرارية المعرفة بشأن البرنامج النووي الإيراني".
اقرأ أيضا: عالم نووي إسرائيلي: حان الوقت لحوار سري مع إيران
وتابع بوينو في حديث لـ"عربي21": "يمنح هذا القرار المجال للدبلوماسية، ونحن نقدر هذه الجهود، كذلك نحن أيضا مصممون على تطبيق كامل للاتفاق النووي من قبل الجميع، ومن المهم استئناف المفاوضات في فيينا في أسرع وقت ممكن".
وحول شروط المجموعة الأوروبية التي يطالبون إيران بها، قال المتحدث: "التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمر ضروري، لذلك أيضا ندعو السلطات الإيرانية إلى وقف النشاطات التي تتعارض مع الاتفاق النووي والعودة إلى تطبيقه بالكامل".
من جهته، عبر مستشار العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي لدى مركز جنيف للدراسات، ناصر زهير، عن اعتقاده بأنه "لا تأثير كبيرا للقرار الإيراني الأخير على مفاوضات فيينا".
مستدركا بالقول: "ولكن النقطة الأساسية أن هذا القرار يؤخر أو يمنع صدور تقرير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي قد يحيل ملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، وأما النقطة الثانية فهي أن مفاوضات فيينا فيها عُقد كثيرة، ومشكلة مراقبة المواقع هي إحدى العُقد ولكن حل مشكلتها لا يضمن العودة للمفاوضات فيينا".
وأوضح زهير خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "الموقف الأوروبي بشكل عام إيجابي، وهو يرحب بمثل هذه الخطوات، ولكن هو أيضا متحفظ على قرار طهران بعدم السماح للوكالة الدولية بالاطلاع على كروت الذاكرة الخاصة بالكاميرات أو صور هذه الكاميرات، والتي ستُحفظ في إيران".
ولفت إلى أن "الدول الأوروبية تريد أن يكون هناك رقابة كاملة على البرنامج النووي الإيراني؛ حتى لا يكون هناك مفاجآت في مرحلة لاحقة، حتى وإن تم التوقيع على الاتفاق النووي مرة أخرى".
العودة لمفاوضات فيينا والرد الأمريكي
وحول احتمالية عودة جميع الأطراف إلى مفاوضات فيينا بعد هذا القرار، قال زهير: "العودة لمفاوضات فيينا هي أمر حتمي، لكنها ستكون متأخرة وليس الآن، فكلا الطرفين له شروط، حيث تريد إيران رفع القيود عن ودائع مجمدة في الهند والصين واليابان أيضا رفع العقوبات بشكل كامل، بالمقابل المجموعة الأوروبية تريد العودة للمفاوضات بدون شروط وتحديدا من الجانب الإيراني".
بدوره أشار المحلل السياسي خالد صفوري، إلى أن "رد الفعل الأمريكي لا يزال متحفظا على التعاون مع إيران، وبلا شك أن هناك مشاكل كثيرة في مفاوضات عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الإيراني".
وأوضح صفوري خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "المشكلة الأكثر تعقيدا هي أن إدارة الرئيس السابق ترامب فرضت عقوبات على شخصيات حكومية ومؤسسات إيرانية، وطهران تصر على رفعها كجزء من الاتفاق النووي".
وأضاف: "بالمقابل واشنطن تقول إن هذه القرارات والعقوبات مرتبطة بقرارات من الكونجرس، وليست جزءا من الاتفاق النووي، بمعنى آخر أنه ليس بإمكان الإدارة إلغاؤها، فلهذا لعبت إيران على موضوع الاتفاق في منع الوكالة الدولية من دخول ومراقبة كثير من المنشآت، وحتى أوقفت كثيرا من الكاميرات، ومنعت مراقبتها للمواقع الإيرانية، كذلك هناك موقع وجدت الوكالة الطاقة فيه منذ أشهر أثار إشعاعات نووية، وطلبت إجابات من طهران، إلا أن الأخيرة لم تستجب ولم تسمح بتفتيش هذا الموقع".
وعبر عن اعتقاده بأن "إيران تتجاوب فقط حينما تشعر بوجود ضغوط كبيرة، ويكون هذا التجاوب جزئيا ومحدودا وليس كاملا، ولا أعتقد أن الوكالة ستكون سعيدة بالتعاون الإيراني المحدود".
وحول احتمالية عودة جميع الأطراف لمفاوضات فيينا والاتفاق النووي بعد القرار الإيراني الأخير، أشار صفوري إلى أن "إيران تلعب بذكاء، فهي تارة تمنع الوكالة الدولية، وتمنحها تارة أخرى، ثم تعود لتمنع، وهذا الأمر يشكل ضغطا على واشنطن وحلفائها".
وأضاف: "أيضا المجموعة الأوروبية تلوم واشنطن، فبالتالي هي متعاطفة نوعا ما مع الموقف الإيراني، ولكنها بالتأكيد لا تريد أن تحصل ايران على الطاقة النووية، ما شكل مشكلة لها مع طهران أيضا، لهذا أعتقد بأن إيران وأمريكا بحاجة لإنهاء المفاوضات النووية بأقرب وقت".
وأوضح أن "عدم إنهاء المفاوضات قريبا يعني أن فرص بقاء أو عودة هذا الاتفاق في العام القادم ستصبح شبه مستحيلة، خاصة أن هناك انتخابات كونجرس قادمة في عام 2022، وعلى الأغلب سيتمخض عن نتائجها سيطرة جمهورية على الكونجرس، وهم سوف يعيقون أي اتفاق يستطيع بايدن تمريره الآن".
وخلص بالقول: "لهذه الأسباب الإدارة الأمريكية بحاجة لتمرير هذا الاتفاق، بالمقابل لا أعتقد أن إيران تقرأ وتفهم الواقع الأمريكي بشكل صحيح، فهي تتصرف دون استعجال، حيث تعتقد أن التأجيل في الموضوع قد يعطيها فرص أفضل في الحصول على شروط ومكتسبات، وأنا استبعد ذلك".