نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لرئيسة مكتبها في بغداد لويسا لوفلوك قالت فيه إنه لم يمض وقت طويل على اختفاء الشابتين عندما سمع الجنود الذين يبحثون عنهما طلقات نارية في الصحراء ليلا. ووجدوا الجثتين على جانب الطريق.
وعندما تأمل الجنود التابعون لقوات
سوريا الديمقراطية بالجثتين، فإنه لم يكن لديهم شك بشأن من يقف وراء خطف المرأتين -وكلاهما موظفتان في الحكومة المحلية- وإطلاق النار عليهما. ويقول قائد قوات سوريا الديمقراطية، شفان سيلمو، إن "عمليات القتل هذه رسالة للجميع".
ونفذت جرائم القتل بالقرب من قرية الدشيشة النائية التي اكتوت بنار الدولة الإسلامية.
بعد عامين ونصف من القضاء على الخلافة المزعومة وسط غارات جوية شنتها قوات التحالف بقيادة أمريكا في بساتين النخيل في الباغوز، إلى الجنوب، تراجع المسلحون في شمال شرق سوريا لكنهم لم يهزموا. لقد عادوا إلى جذورهم المتمردة، وزرعوا الخلايا النائمة في جميع أنحاء المنطقة، وكذلك في العراق المجاور، واستخدموا المتفجرات المرتجلة والأسلحة الصغيرة لاستهداف قوات الأمن والموظفين الحكوميين.
الموقع الذي عُثر فيه على جثتي هند لطيف الخضر وسعدة فيصل الهرماس بعد إعدامهما من قبل أعضاء خلية نائمة تابعة للدولة الإسلامية يقع بالقرب من قرية الدشيشة.
هذا الجزء من سوريا تديره سلطة يسيطر عليها الأكراد وتؤمنها قوات سوريا الديمقراطية، وهي قوة مسلحة ومدربة لخوض القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ولا يزال حوالي 900 جندي أمريكي في المنطقة، يقومون بدوريات ويدعمون قوات سوريا الديمقراطية في عملياتها ضد الجماعة الجهادية.
يقدر التحالف الذي تقوده أمريكا أن ما بين 8000 و16000 من مقاتلي الدولة الإسلامية ما زالوا يعملون في سوريا والعراق. ومع قيام المسلحين بالتخندق على المدى الطويل واستمرار تجنيد الشباب، وإن كان على نطاق أصغر من ذي قبل، يراقب المسؤولون المحليون ظهورهم الآن أثناء عملهم. وفي المجتمعات الريفية، يغض السكان الخائفون الطرف عندما يخرج المقاتلون من الصحراء.
ويبدو أن المسلحين الذين خطفوا هند لطيف الخضر، البالغة من العمر 20 عاما، وصديقتها سعدة فيصل الهرماس من منازلهم في وقت مبكر من هذا العام، ونقلهم بالشاحنات عبر الصحراء إلى مصرعهم، كانوا واثقين من أن أحدا لن يتعقبهم.
وكان أحد مقاتلي الدولة الإسلامية، وهو مراهق مجند يدعى إبراهيم، قد تفاخر قبل أيام بأنه يشعر بأنه لا يمكن المساس به. وقال لابن عمه "نتحرك بحرية هنا"، وفقا لرسائل صوتية نشرتها قوات سوريا الديمقراطية، قالت إنها عثرت عليها من هاتف الشاب. "لا تقلق، لا أحد يعرف حتى من نحن".
وقال إبراهيم لاحقا إنه تم تجنيده في تنظيم الدولة من قبل رجل يُدعى أبا عمر، معروف لدى عائلة إبراهيم كعضو في التنظيم. وقال إبراهيم، 18 عاما، في مقابلة أثناء احتجازه في سجن الشدادي بحضور حارس، إنه كان يتطلع ببساطة إلى كسب بعض المال.
لكن ضباط استخبارات قوات سوريا الديمقراطية قالوا إنه طلب منذ البداية الانضمام إلى العمليات المسلحة للجماعة وإنه كان يشاهد دعاية الدولة الإسلامية على الإنترنت لفترة من الوقت. ورفضوا الإدلاء بتفاصيل. وقال ضابط في سجن الشدادي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتعليق، إن مسار الشاب كان شائعا بين المعتقلين لتورطهم في الخلايا النائمة لتنظيم الدولة الإسلامية: "لديهم تعليم ضعيف. معنوياتهم منخفضة. إنهم يرون أن حمل البنادق هو وسيلة للشعور بالقوة".
وقال إن تعرف إبراهيم على المجموعة بدأ بدروس دينية مرتين في الأسبوع، وسرعان ما تم اختياره للمهام. في البداية، طُلب منه نقل الدراجات النارية والحقائب عبر الصحراء، على حد قوله. وخلال العملية التالية، قُتل رجل كعقاب على ما يبدو لأنه كان عضوا في قوات سوريا الديمقراطية.
وصف إبراهيم نفسه بأنه أحد المارة في ذلك الهجوم، دون أي تحذير مسبق بنيّة الخلية. لكن في رسالة هاتفية بعد عدة أيام، سمعتها صحيفة واشنطن بوست، بدا إبراهيم طائشا عندما قال لابن عمه إنه كان الشخص الذي أطلق النار من البندقية، وإنه "لم يتوقف حتى رأى دماغه".
عند عودته إلى المنزل في وقت متأخر من الليل بعد القتل، يتذكر إبراهيم أنه كان يفكر في نفسه أنه لا عودة للوراء. قال: "كان لدي هذا الشعور بأنني الآن تورطت".
بدأت خلية إبراهيم التخطيط لقتل الشابات بعد أيام، بحسب ما قاله هو ومسؤولون في قوات سوريا الديمقراطية. وشاركت المرأتان في برنامج ترعاه الحكومة المحلية لتمكين المرأة.
في إحدى ليالي كانون الثاني/ يناير، اجتمع أعضاء الخلية. قال إبراهيم إنه لم يتعرف على معظم الرجال. قال: "أحدهم أعطانا موقعا في الصحراء.. كان هناك ستة منا".
علمت قوات سوريا الديمقراطية المحلية باختطاف سعدة أولا. قيل لهم إنها كانت قد جُرت من منزلها في وقت مبكر من المساء وألقيت في شاحنة بونغو. وسارع الجنود إلى سياراتهم لمطاردة الخاطفين.
ولكن وهم يندفعون نحو موقع الاختطاف، كان المهاجمون يسيرون نحو هدفهم التالي. قالت عائلتها إنهم وصلوا إلى منزل هند الساعة السابعة مساء.
جاء أولا دوي على الباب. ثم اقتحم الرجال إلى الداخل، وهم يرتدون أقنعة، وسط صراخ شديد.
فصل المهاجمون هند عن شقيقتها هيام ووجهوا مسدسا إلى رأس هيام. في الغرفة المجاورة، كان شخص ما يقيد هند ويصرخ على الآخرين ليجدوا بندقية العائلة.
ثم هرب المسلحون مع هند، وتلاشت الآمال في بقائها مع صيحاتها المكتومة. قالت هيام: "أحيانا تعرف من الذي يطرق بابك". تتذكر أنها انهارت باكية عندما ابتعدت الشاحنة بعيدا وشعرت بصمت الليل القاتل.
وصلت صورة جسد أختها، وهي ترتدي بدلة رياضية سوداء كانت قد اشترتها لارتدائها في المنزل، إلى هاتف هيام خلال أكثر من ساعة بقليل.
خلصت هيام إلى أن منزلهم قد تمت مراقبته لأسابيع، لكنها لم تكن متأكدة مما إذا كان المسلحون أو جيرانهم هم من يتجسس عليهم. قالت: "كانوا يسألون عن تفاصيل لا يمكن لأحد أن يعرفها.. كيف يمكننا الوثوق بأي شخص هنا الآن؟".
تم القبض على إبراهيم بعد أيام بناء على معلومات استخبارية قدمها التحالف، وفقا لمسؤولي قوات سوريا الديمقراطية في سجن الشدادي. وقال أحد المسؤولين: "كنا نتتبعهم منذ فترة"، مضيفا أن بقية خلية إبراهيم قُتلت في غارة جوية في الأسبوع التالي.
يقول قادة قوات سوريا الديمقراطية إن قواتهم اعتقلت عشرات الخلايا النائمة في الأشهر الأخيرة، غالبا على أساس معلومات استخبارية من التحالف الذي تقوده أمريكا أو بدعم جوي من التحالف.
ولكن في المناطق النائية مثل الدشيشة، فإن التضاريس في جانب المسلحين. والقرية، الواقعة بالقرب من الحدود العراقية، محاطة بالصحراء لأميال، ونقاط التفتيش قليلة ومتباعدة. وعلى طول الحدود السورية العراقية، يختبئ مقاتلو الدولة الإسلامية في أنفاق مخفية أو في مبان أفرغها قصف التحالف بقيادة أمريكا.
عندما سافر المراسلون مؤخرا إلى المنطقة برفقة قوات سوريا الديمقراطية، بدا الجنود قلقين وهم يبحثون في الأفق عن أي تهديد. وفي إحدى المرات، أوقف الجنود السيارة فجأة وانتشروا على طول الكثبان الرملية سيرا على الأقدام. واتضح أن ما رأوه كان مجرد دراجة نارية مهجورة.
المسلحون الذين يهاجمون الدشيشة غالبا ما يكونون محليين أو من العراق المجاور، وفقا لمسؤولي قوات سوريا الديمقراطية، وخلايا مثل إبراهيم تضم عادة حوالي ستة من الرجال. وعادة ما يتخذون قرارات فيما بينهم تلتزم بدعاية التنظيم التي أصبح الآن بلا قيادة إلى حد كبير. على الرغم من وجود بعض الاتصالات بين الخلايا، إلا أنها في الغالب معزولة، ما قد يجعل من الصعب تتبعها.
وتنشط خلايا الدولة الإسلامية عبر نهر الفرات إلى الجنوب الغربي، في الأراضي التي تسيطر عليها قوات النظام السوري بقيادة بشار الأسد. ويقول مسؤولو التحالف إن القوات الحكومية بذلت جهودا ضعيفة فقط للتصدي للمسلحين، ما منحهم منطلقا لإعادة تجمعهم.
ويحذر مسؤولو قوات سوريا الديمقراطية والتحالف من أن الخلايا المحلية يمكن أن تتعزز يوما ما بفارين من السجون ومخيمات النزوح ضعيفة الدفاع التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية في أماكن أخرى في شمال شرق سوريا والتي تؤوي الآلاف من مقاتلي الدولة الإسلامية السابقين وعائلاتهم. ويقول المسؤولون إنه تم تهريب بعض الرجال والنساء من المعسكرات والسجون، وانضم بعضهم إلى القتال.
وقال التحالف في تقرير صدر الشهر الماضي إن التنظيم حاول بالفعل التجنيد من بين مئات السوريين الذين تم إطلاق سراحهم مؤخرا، لكنهم لم يقدموا أي دليل.
تعاني المنطقة المحيطة بالدشيشة من نقص مزمن في الخدمات، مع ندرة في الحصول على المياه أو الكهرباء الحكومية. في حين أن مثل هذه الظروف القاسية دفعت بعض السكان المحليين للانضمام إلى تنظيم الدولة، فقد ساعدت تلك الصعوبات في إقناع هند بالانضمام إلى الحكومة المحلية، وفقا لعائلتها. وقالت هيام: "لقد أرادت مساعدة الناس وأرادت إعالتنا".
منزل العائلة عبارة عن هيكل خرساني متقشف من الداخل. ولم يظهر أي أثاث في اليوم الذي زار فيه الصحفيون. وعلى الحائط بجانب الباب، قام شخص ما بنقش براعم الورد في الخرسانة ورسمها باللون الوردي.
رسيل ابنة هند البالغة من العمر 4 سنوات، مرت عبر مجموعة صور هيام على الهاتف المحمول، متجاوزة صور والدتها المبتسمة في ثوب حفلة قرمزي إلى صورتها مستلقية في بركة من الدماء. ظلت رسيل تشير إلى الصورة وتقول: "ماما".
لم تعد عائلة هند تخرج كثيرا. في الشهر الماضي، اقترب شاب من ابن أخيها في الشارع وأخبره أن الأسرة يجب أن تنتظر لترى ما سيحدث بعد ذلك. أخذوها كتحذير.
في القرى المجاورة، القليل منهم أراد مناقشة عمليات القتل. وأشار قائد قوات سوريا الديمقراطية، سيلمو، وهو يحدق باتجاه جانب الطريق الترابي حيث تم العثور على جثتي هند وسعدة قائلا: "من الصعب عليهم التحدث".
لكن عندما سئل القرويون عن سبب حدوث ذلك، قالوا إنه ليس لديهم أدنى شك. وقال حميد عبود محمد، جار سعدة: "حسنا، لقد عملوا في المجلس المحلي.. الناس لا يفعلون ذلك هنا".
لا يزال مصير إبراهيم غير مؤكد. وتقول قوات سوريا الديمقراطية إنها لا تملك القدرة على محاكمته، فهو محتجز منذ سبعة أشهر وليس له محام.
https://www.washingtonpost.com/world/2021/09/14/islamic-state-isis-syria-sdf/