إن أكبر كيان فاشي في عالمنا المعاصر، يمارس إرهاب الدولة المنظم، والإبادة الجماعية "المادية والمعنوية، الجسدية والروحية" لشعب واقع تحت الاحتلال، سَرق منه وطنه، وشرَّد معظم شعبه في أصقاع الأرض، وأبقى من بقي من أبنائه في وطنه التاريخي تحت نير الاحتلال والظلم والقهر والبؤس، وقيد التصفية العرقية المنظمة.. هو كيان الإرهاب الصهيوني المُسمَّى "دولة إسرائيل"، عاهة العصر، التي يقودها ساسة وعسكريون كلهم عنصريون قَتَلَة، مِن ديفيد بن غوريون وحتى نفتالي بينيت مجرم مذبحة قانا الجليل الأولى التي وقعت في ١٨ نيسان (أبريل) ١٩٩٦ وراح ضحيتها ١٠٦ من المدنيين اللبنانيين أطفالاً ونساء وشيخواً لجأوا إلى مقر قوات الأمم المتحدة "فيجي" في جنوب لبنان.. وقد كان هو قائد الكتيبة المسؤولة عن الجريمة التي وقف الفيتو الأمريكي ضد إدانتها.
وكل ساسة وقادة ومشرعي ذلك الكيان ينتهجون التمييز العنصري ويتشدقون بالديمقراطية، وفيه عدد لا يُحصى من مجرمي الحرب والإرهابيين والسفاحين المَحميين من طائلة القانون.. ويُحكَم بقوانين عنصرية تشرعها "كنيست" عنصرية، وتطبقها محاكم عنصرية أيضاً.. وممارسات ذلك الكيان ضد الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال كلها وحشية وتفوق الممارسات النازية بكثير..
ودولة ذلك الكيان تحرك جيشاً دموياً مُجرداً من الأخلاق، يرتكب أفظع الجرائم ضد شعب أعزل يحتل أرضه ويضطهده منذ أكثر من ثمانين سنة، ويتشدق مسؤولوها وقادته بـ "طهارة السلاح"؟! وتمتلك دولة الإرهاب تلك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية تهدد بها الآخرين وتدعي بأنها هي والعالم أجمع مهددة مِن مَن؟! ممن يحاول أن يمتلك طاقة نووية يقول إنها للأغراض السلمية ولكنه ولم يمتلكها بعد.
وتدير تلك الدولة منذ أنشأها الاستعمار الغربي في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني وضد أمته، شبكة معسكرات اعتقال وسجون بلغ عدد ما أحصيته من مراجع ذات صلة ٥٤ معتقلاً وسجناً هي الأكثر انتشاراً وتحصيناً ووحشية، ويقبع فيها آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يخرج بعضهم من السجن إلى القبر بعد عقود من الإذلال والتعذيب وأسر الحرية، ويقضي فيها آخرون سنوات وسنوات، وبينهم محتجزون "إدارياً؟!" من دون تهمة أو محاكمة أو حكم يجدد احتجازهم لسنوات.. ومَن يصدر الأحكام على السجناء والموقوفين كافة قضاء وقضاة يشكلون جزءاً من كتلة الاحتلال والعنصرية الصهيونية وأدوات الاضطهاد.. يحكمون على فلسطينيين يدافعون عن أنفسهم في بيوتهم وعن وطنهم المحتل وشعبهم المضطهد ومقدساتهم المنتهكَة في أرضهم، ويقاومون الاحتلال والاضطهاد والإرهاب والقتل بلحمهم ودمهم وما تيسر لهم مِن أدوات.
وهذا الكيان الإرهابي ـ أي "الدولة الصهيونية العنصرية بامتياز" ـ تلقى دعماً غير محدود، وتأييداً لا يُمَس، ورفضاً مطلقاً لإقامة دعاوى ضدها أمام القضاء الدولي بموجب القانونين الدولي والإنساني، وتحظى بحماية مطلقة لاحتلالها وإرهابها وعنصريتها وممارساتها الوحشية وجرائمها الفظيعة.
ويأتي التأييد والدعم التام والحماية المطلقة لها من دول كبرى تختلف وتتنافس وتتصارع فيما بينها لكنها تلتقي على موقف موحد مناصر لأكبر عنصرية وأفظعها، ولأقذر احتلال وإرهاب وإجرام مستمر منذ أكثر من ثمانين سنة.
ولا يمكن أن تُفهم مواقف تلك الدول أو تُصَنَّف مساندتها المستمرة لهذا الكيان، ووضعها له فوق القانونين الدولي والإنساني.. إلا في إطار الخلل الأخلاقي، والتواطؤ السياسي، وفساد المعايير، ومنطق سوق المقايضات المصلحية على حساب الشعوب وحقوقها.. وفي كون بعض تلك الدول شريكة للصهيونية في مشروع استعماري كبير موجه ضد العرب والمسلمين ابتداء من فلسطين والقدس.. وهو مشروع استعماري بدأ تنفيذه منذ مؤتمر "بال" الصهيوني ووعد بلفور..
عشاق الحرية هؤلاء بشر، مثلهم آلاف في السجون الصهيونية الأربعة والخمسين، وملايين الفلسطينيين في السجن الكبير، سجن الاحتلال الصهيوني الذي يشمل فلسطين من البحر إلى النهر.. كل من أولئك السجناء يفتقد الحرية ويناضل من أجلها بطريقته، ويصبر ولا ييأس..
ومن ثم فإن المسؤولية عن المشروع الاستعماري والكيان الإرهابي "إسرائيل" وعن الجرائيم التي ارتكِبَت وتُرتَكب تقع على عاتق الصهاينة وشركائهم والمتواطئين معهم والمستفيدين من مقايضات مصلحية على حساب دم أبناء الشعب الفلسطيني خاصة والأمة العربية عامة.
ومن عجب أن يذكر متفاخر صهيوني بكيان الإرهاب العنصري وممارساته أن "دولة إسرائيل هي أعجوبة حقيقية، لاجئون وصلوا من كل أطراف المعمورة وفي غضون عقود نجحوا في أن يقيموا هنا قوة عظمى"؟! فهل هؤلاء "اللاجئون الذين يذكرهم هم من أقام دولة، أم أن عصبة الأمم، وتواطؤ الدول العُظمى، وجيش الاحتلال البريطاني، ومنظمات الإرهاب الصهيوني المدربة غربياً ومنها "ايتسل وليهي والهاغاناة وغيرها.. و.. والتآمر الذي شارك فيه بعض قادة العرب هي التي أقامت ذلك الكيان بعد أن قسَّمت بلاد الشام واستعمرتها وأفقرتها وفرَّقتها وارتكبت أفظع المذابح في فلسطين خاصة، ومسحت مئات القرى الفلسطينية من على وجه الأرض، وشردت الشعب الفلسطيني في أنحاء الأرض..
إنها هي التي أقامت دولة الإرهاب والعنصرية وما زالت تدعمها بالمال والسلاح بأنواعه، ومنه السلاح النووي الذي أنشئ أول مفاعلاته في ديمونة عام ١٩٥٦، تلك الدول والقوى هي التي تنهض بكيان الإرهاب "إسرائيل" وتفرضها على العرب والمسلمين بكل أنوع القوة والضغط والحصار والعدوان والممارسات الوحشية وأشكال التدخل والتآمر والإغراء، وبفرض طغاة وفاسدين قادة وسادة في أماكن وأزمان؟!.
في كيان الإرهاب الصهيوني "إسرائيل" ٥٤ سجناً ومعتقلاً منها سجن جلبوع الذي يوجد فيه ٥٦٠ أسيراً فلسطينياً، تلك "الخَزْنَة الإسمنتية" المسلحة المحروسة هي التي اخترقها ستة سجناء فلسطينيين مناضلين من أجل الحرية والحياة، حيث حفروا من زنزانتهم حتى خارج أسوار السجن نفقاً للحرية.. حفروا الأرض والإسمنت بأظفارهم وربما بملاعق طعامهم وبما أتيح لهم من قدرة وإرادة، وصبروا وصابروا وجاهدوا مدة تسعة أشهر متوالية، من شهر كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٠ إلى ٦ أيلول/ سبتمر ٢٠٢١، تسعة أشهر من التَّعب والخوف والحذر إضافة إلى عذاب السجن ووحشية السجانين قضوها في الشقاء مغامرين بأرواحهم ليتنفسوا هواء الحرية، ليصلوا إلى فضاء مفتوح فيه شمس وسماء وهواء..
عشاق الحرية هؤلاء بشر، مثلهم آلاف في السجون الصهيونية الأربعة والخمسين، وملايين الفلسطينيين في السجن الكبير، سجن الاحتلال الصهيوني الذي يشمل فلسطين من البحر إلى النهر.. كل من أولئك السجناء يفتقد الحرية ويناضل من أجلها بطريقته، ويصبر ولا ييأس.. والحرية حياة وهي حق للأحياء.. إنها من حق كل إنسان وفي كل خلية من خلاياه، إنها في الجسم والروح، في العقل والقلب، وتكاملها مطمح الأحياء أفراداً وشعوباً.. والحرية تكامل وتتام وتنامٍ في كيان فرد، وحياة شعب، وكينونة وطن سيد مستقل.. إنها "حرية فكر ورأي و قرار وإرادة.. حرية حركة واختيار وتحرر من قيود الحاجة ومن أغلال وقيود.. وهي حرية وطن، وحرية في تقرير مصيره فوق أرض وطنه المستقل المتحرر من كل سلطة غير سلطة شعبه"..
وهذه الحرية بكل هذه المفاهيم والمستويات وما يتصل بها هي ما تصادره دولة الإرهاب والاغتصاب " إسرائيل، وهي ما يتعلق به الفلسطينيون عشاق الحرية.. ومنهم أولئك الذين فروا من ظلم وقهر ووحشية وموت إلى فضاء الحياة، ومن عتمة الزنازين الصهيونية التي قضوا فيها أكثر من عشرين سنة وهم مثل كثيرين غيرهم من الفلسطينيين محكوم عليهم بالسجن مدى الحياة؟.. فروا إلى النور والشمس وفضاء فلسطين.. فهل يتوجب عليهم ألا يحلموا، ألا يتطلعوا إلى الحياة، ألا يتحرروا.. والحياة حرية؟! أيتوجب عليهم، حسب شرع الاحتلال والعنصرية والوحشية الصهيونية، أن يشكروا الجلاد الصهيوني لأنه يريهم الموت في كل لحظة ويبقيهم قيد الإذلال بانتظار موت لا يسعفهم بمجيئ؟!.. أم أن من حقهم بل من واجبهم أن ينشدوا الحرية بكل الوسائل وأن يمارسوا حقهم في الحياة، وأن يسجلوا للتاريخ أن "العين يمكن أن تقاوم المِخرز" إذا كان هناك أمل في الرؤية؟!..
لماذ يكون رائد صلاح مثلاً، الفلسطيني الذي ينتمي لحزب ديني إرهابياً ويقضي معظم وقته في سجون صهيونية مقامة في وطنه فلسطين.. في حين أنه لم يحمل سلاحاً ولم يقتل ولم يضطهد أحداً.. بينما يكون قائد الحزب الديني المتطرف جداً "يمينا" وهو القاتل والإرهابي وقائد قطعان المستوطنين الهمج" رئيساً لحكومة صهيونية في فلسطين وهو ينقط تعصباً وتطرفاً دينياً وعداءاً للفلسطينيين والعرب ولكل مَن يناصر قضية فلسطين؟
المناضلون من أجل الحرية، من أجل وطنهم وشعبهم وعقيدتهم، ليسوا مجرمين.. إنهم حراس القيم والحقوق، القيم الإنسانية وحق الإنسان في الحياة والحرية، وحق الأوطان والشعوب في الاستقلال.. هؤلاء ليسوا مجرمين، ولا إرهابيين ولا مخربين، هؤلاء وأمثالهم يضيئون الشموع في ليل الشعوب المظلومة، لترى طريقها إلى العدل والحرية.. وفي زعزع الريح يشعلون شموع الأمل كي لا يسود اليأس. إنهم يرفعون راية شرف الإنسان بوجه مَن انعدم لديهم الحس بالشرف والإنسان…
كان ذنب أبطال نفق الحرية رغم "جلبوع"، مثل آلاف غيرهم من أبناء شعبهم، أنهم تصدوا لوحشية الموساد والشاباك والجيش الصهيوني الهمجي العنصري المتوحش المجرد من الأخلاق.. تصدوا لمَن يستهدفهم وأطفالهم في بيوتهم، ويستهدف شعبهم ووطنهم ومقدساتهم، ويريد منهم أن يموتوا راكعين يسبِّحون بحمده ويتهللون بوجهه وهو يذبحهم؟!؟
وحين لوحق أبطال الحرية الستة بالجيش والشرطة والأمن والكلاب والذئاب الصهيونية وقُبض على أربعة منهم، تعرض الذين قبض عليهم للتنكيل ولاتهامات غريبة عجيبة هي بعض ما تفيض به أنفس صهيونية ـ عنصرية شريرة تريد أن تنسب إلى مناضلين شرفاء ما يجول في دواخلها من تدبير شرير وباسمه بدأت الإساءة المتجددة لهم ولأهلهم وللمساجين الفلسطينيين في السجون؟!.. فهل هناك يا ترى أكثر دناءة وفساد ضمائر ومعايير وأحكام وسوء طوايا من هؤلاء الذين يقول قائلهم في افتتاحية واحدة من أكبر جرائدهم، يديعوت أحرونوت: "نُصاب بالشرور لطيبة قلوبنا"؟! صدق أو لا تصدق أن لهم قلوباً وأن فيها ذرة طيبة؟!..
عجباً للفجور كيف يرفع رأسه عالياً في عالم يتحول إلى مفجَرة؟!.. وعجباً كيف يستمر الكذب المفضوح بعد ألف اعتراف بأنه كذب ومفضوح.. فبعد كل إجرامهم وعنصريتهم وإرهابهم واحتلالهم ينقصهم أن يتخلصوا من "طيبة قلوبهم" ليستكملوا إبادة شعب؟! ذلك أن "طيبتهم" تقول: "العربي الطيب هو العربي الميت".. و "الموت للعرب".
يقول صهيوني عنصري متطرف في إحدى الفضائيات، وهو يرتجف من قمة رأسه إلى أخمص قدميه "الذين فروا من سجن جلبوع قتلة ملطخة أيديهم"، ويريد أن يقبض عليهم وتتم تصفيتهم ليربى بهم كل المساجين الفلسطينيين والعرب في السجون الصهيونية.. وتمنعه عنصريته المقيتة من رؤية ومعرفة أن كل سياسي وكل عسكري وكل مستوطن وكل شرطي وكل رجل أمن إسرائيلي "موساد"، يداه ووجهه وقلبه كلها ملطخة بدماء الفلسطينيين والعرب؟ وسبب ذلك العمى أنه لا يرى الدم البشريَّ متساوياً فالدم الصهيوني له ميزة عنصرية خاصة، دم صهيوني؟! أما دم الفلسطينيين فماء أو هم دم "القوييم" الأغيار الذي لا قيمة له حسب الصهيونية الدينية؟!..
ولنا أن نسأل من دون انتظار تفسير وجواب وتغيير لأن التواطؤ والانحياز وربما الخوف جدار سميك يمنع السمع والرؤية والتفكير بما وراءه.. أقول: لنا أن نتساءل: لماذا لا يرى العالم هذا التناقض الفاضح والازدواجية المقيتة في النظرة والتقييم وإطلاق الأحكام على أمور وقضايا متشابهة؟ لماذا يقبلون دولة دينية "يهودية" ويرفضون دولة دينية إسلامية؟ لماذا يتهمون مسلمين يقاومون الاحتلال والإرهاب والاستعمار لبلدانهم وشعوبهم بأسلحة تقليدية وبالعظم واللحم بالتخريب والتطرف ويسمونهم إرهابيين.. ويناصرون دولة إرهاب صهيونية تحتل وطن الفلسطينيين وتقتلهم بجيوش نظامية وأسلحة فتاكة متطورة، وتهددهم والعرب بالسلاح النووي الذي تكدسه في مستودعاتها وتطور أجيالاً منه في مفاعلاتها النووية ومصانعها الحربية؟
لماذ يكون رائد صلاح مثلاً، الفلسطيني الذي ينتمي لحزب ديني إرهابياً ويقضي معظم وقته في سجون صهيونية مقامة في وطنه فلسطين.. في حين أنه لم يحمل سلاحاً ولم يقتل ولم يضطهد أحداً.. بينما يكون قائد الحزب الديني المتطرف جداً "يمينا" وهو القاتل والإرهابي وقائد قطعان المستوطنين الهمج رئيساً لحكومة صهيونية في فلسطين وهو ينقط تعصباً وتطرفاً دينياً وعداءً للفلسطينيين والعرب ولكل مَن يناصر قضية فلسطين؟
ألأن جذور أجداد الأول، رائد صلاح، وجذور آبائه متجذرة عميقاً في فلسطين منذ آلاف السنين، والثاني نفتالي بينيت مثلاً أجداده وآباؤه جاؤوا لفلسطين من كاليفورونيا قبل خمسين سنة فصاروا ورثة الأرض والتاريخ؟!
ألهذا يا تُرى أم لأن الأول يعبد الله الرحمان الرحيم ويدافع عن نفسه وبيته وأطفاله ومقدساته، والآخر يعبد يهوة إله الجنود الذي يتشمم رائحة الدم والشواء البشري ويسيطر على مقدسات الأول ويدنسها ويدمرها ليرضى ويُرضي..؟!
عَجَباً كيفَ يَحكمون؟!
الأسرى الفلسطينيون وأنفاق الحرية
مآلات معركة الأسرى ومستقبل السلطة في رام الله
هل تنقذ القمم والقروض السلطة الفلسطينية من الانهيار؟