قبل ثلاثة أسابيع من موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 10 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وقع قادة وممثلون عن القوى السياسية في العراق "مدونة السلوك الانتخابي" من أجل حماية نزاهة الانتخابات، لكن ذلك أثار سخرية واسعة بين الناشطين والباحثين بالشأن العراقي.
التوقيع على المدونة جرى خلال اجتماع موسع عقده الرئيس العراقي برهم صالح، الأربعاء، ضم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وقادة وممثلي القوى السياسية، ورئيس وأعضاء مفوضية الانتخابات، والممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت.
"خداع للشعب"
تعليقا على الموضوع، قال أستاذ السياسة في جامعة "جيهان" في أربيل، الدكتور مهند الجنابي، لـ"عربي21"، إن "هذه الوثيقة تذكرنا بالكثير من الوثائق والمواثيق التي عقدت بين القوى السياسية لتطبيق سلوك معين ليس فقط على المستوى الانتخابي حتى على مستوى إدارة الدولة".
ورأى أن "هذه الأطراف (الموقعين على المدونة) متفقة بينها، لكن عندما يصل النظام السياسي إلى مرحلة الاختناق فإنه يحاول الظهور بهذه الصورة حتى يصور للشعب العراقي أنه أمام مرحلة جديدة".
ولفت الخبير السياسي إلى أن "عام 2007 شهد عقد مؤتمر للمصالحة في مكة واجتمعت الأطراف التي تمثل القوى السياسية الشيعية والسنية واتفقوا آنذاك على حفظ الأمن الوطني العراقي، لكننا لاحظنا بعدها اتساع نطاق الحرب الأهلية".
اقرأ أيضا: هكذا قرأ محللون زيارة الكاظمي لإيران قبل الانتخابات بالعراق
وأوضح الجنابي أن "هذه القوى السياسية لم تدرك حتى الآن التحول السياسي والاجتماعي الذي يمر به العراق، وأعني به النضج الشعبي، وأن شرعية الدولة هي بيد العراقيين".
وأشار إلى أن "هذا النظام السياسي وصل باعتراف حكومي إلى مرحلة الانسداد وهو غير قادر على إصلاح نفسه، فقد ذكر الرئيس العراقي في أكثر من مناسبة أن النظام بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، أي أن العقد القائم لم يعد قادرا على إدارة الدولة بين الحكومة والقوى السياسية والشعب".
وتابع: "بالتالي أعتقد أننا لسنا بحاجة إلى هذه المدونة، لأنها خداع للشعب العراقي، ثم إن لدينا أطرا قانونية مثل قانون الانتخابات، وقانون العقوبات الذي يحدد الجرائم المتعلقة بالانتخابات ويعاقب عليها بقانون".
وأكد الجنابي أن "القوى السياسية التقليدية لا تمتلك أدوات غير السلاح والمال السياسي لتوظيفه في كل دورة انتخابية من أجل ضمان مصالحها وبقائها في المناصب، وأن غياب البرامج الانتخابية والرؤية لإدارة الدولة وتوصيف حقيقي للمصلحة الوطنية هو ما تفتقر إليه هذه القوى، ودليل ذلك هو ما وصلنا إليه من الاختناق على مستوى إدارة الأزمات".
وخلص إلى أن "هذه القوى السياسية تحاول مد النظام السياسي بجرعة من الشرعية لكن للأسف هي غير كافية لإقناع الشعب العراقي وديمومة النظام السياسي، لأن حجم المطالب والحقوق الشعبية أصبح أكبر بكثير مما تستطيع هذه القوى السياسية أن تقدمه".
حملات للتسقيط
وفي المقابل، علق البرلماني العراقي حسن فدعم قائلا: "لم نر خلال الانتخابيات السابقة استخداما ملحوظا للسلاح أو التدخل السياسي في عملية الاقتراع، لكن نعم ممكن أن بعض الجهات التي تمتلك أجنحة مسلحة تستغل فصائلها للتعبئة للانتخابات، وليس لممارسة القوة، وقد حصلت في حالات نادرة ببغداد وكركوك".
"فدعم" الذي ينتمي إلى "تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم أحد الموقعين على المدونة، أكد لـ"عربي21" أن "وضع المدونة والتوقيع عليها، جاء نتيجة خشية بعض الأطراف من استخدام السلاح والمال السياسي في يوم الاقتراع، وأن هناك من غير الموقعين من يحاول التشويش على الانتخابات في مواقع التواصل، وبعضهم شن حملات لتسقيط المرشحين وتمزيق صورهم".
اقرأ أيضا: "قفز على الواقع".. ما جدوى مؤتمر بغداد لإعادة أموال العراق؟
وتابع: "لكن الحكومة لم تتخذ إجراءات قانونية لمنع مثل هذه الحملات، ففي بعض الأحيان تمزّق صور للمرشحين على مقربة من مفارز الأجهزة الأمنية وأمام أنظارها، لكنها لا تحرك ساكنا".
ورأى أن "اتفاق القوى السياسية على عدم استخدام السلاح أو غيره للضغط على الناخب هو نقطة إيجابية، لأن جميع هذه القوى تؤمن بضرورة أن تكون الانتخابات شفافة، وأن لا يتعرض الناخب أو المرشح لأي ضغوط".
وأعرب النائب العراقي عن تفاؤله من المدونة، وأن الوضع حتى الآن جيد، لكن على الحكومة أن تأخذ دورها لحماية الناخب وعدم التأثير عليه باستخدام المال العام، لأن هناك بعض المحافظين ونوابهم بدأوا باستخدام المال العام والسلطة للتأثير على إرادة الناخب.
واستبعد أن "تخدع القوى السياسية الموقعة على مدونة السلوك الانتخابي العراقيين، وتقوم بالتوقيع عليها ثم انتهاكها، وأنه حتى الجهات التي تمتلك أجنحة مسلحة لم تستخدمها في انتخابات عام 2018، في وقت كانت فيه هيمنتها وقوتها وقدرتها على الضغط أكبر من الآن، وإنما اعتمدت على جمهورها وحملتها الانتخابية".
وأردف النائب قائلا: "أما اليوم في عام 2021، فالظرف حساس والمجتمع الدولي يراقب الانتخابات بشكل دقيق، ولا أعتقد أن هناك جهات سياسية تجازف بمستقبلها السياسي مقابل بعض الأصوات، كما أن هذه الطرق ما عادت مجدية مع الشعب العراقي".
وثيقة ضمير
من جهته، علق السياسي العراقي بهاء الأعرجي في مقابلة تلفزيونية، الخميس، على وصف رئيس الحكومة الكاظمي بأنها وثيقة الضمر، بأنه "لا يوجد ضمير لدى السياسيين، وإذا كان الأمر يعتمد على الضمير فلا حاجة لنا بمثل هذه الوثيقة".
ورأى أن "الأمور لا تعالج بالتوقيع على وثيقة سلوك، فنحن اليوم نوقع على كل شيء لكننا لسنا مقتنعين، فهذه تعتبر كارثة.. قسم من القوى مؤمنون بالتزوير ويأتون ليوقعوا على وثيقة نزاهة الانتخابات، وقسم آخر يحملون السلاح، وأيضا يوقعون، لكن الأولى بهم هو إلقاء السلاح أولا".
وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قد قال في كلمة له أثناء توقيع القادة العراقيين على مدونة السلوك الانتخابي، إنها "وثيقة مهمة وتستحق الدعم والإسناد، وهي وثيقة ضمير يجب أن نلتزم بها جميعا".
وأكد الكاظمي أنه "لا خيار أمام العراقيين سوى الانتخابات، ويجب أن نتعاطى مع نتائجها بحسن نية، مشيرا إلى أن الحكومة لن تنحاز إلا لإرادة الناخبين".
ونصت المدونة على تجنب الصراعات وزيادة الدعم الجماهيري للممارسة الانتخابية، وحماية المرشحين وتكافؤ الفرص، على أن تطرح للنقاش العام في كل المحافظات من أجل ترصين العملية الانتخابية، بحسب البيان.
ونقل البيان عن الرئيس العراقي قوله: "إن مدونة السلوك الانتخابية تؤكد احترام الدستور واللوائح القانونية وإيجاد بيئة آمنة ومستقرة للانتخابات وخلق تكافؤ فرص للمرشحين والالتزام بتعليمات مفوضية الانتخابات ومنع الظواهر السلبية التي تؤثر على قرار الناخب من استخدام المال السياسي وترهيب المواطنين والتلاعب وغيرها".
واعتبر أن التزام القوى السياسية بالمدونة سيساهم في ضبط إيقاع العملية الانتخابية، مؤكدا أن الانتخابات البرلمانية المقبلة "مفصلية وتاريخية" من أجل تجاوز الأزمة السياسية في البلاد.
كيف سينعكس قرار الكاظمي رفع التأشيرة مع إيران على العراق؟
هكذا قرأ محللون زيارة الكاظمي لإيران قبل الانتخابات بالعراق
هل ينهي التجنيد الإلزامي "المليشيات" في العراق؟