كشف تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية في السلطة الفلسطينية عن حقائق صادمة لحجم الفساد، الذي طال مختلف القطاعات والمؤسسات، بما فيها هيئة مكافحة الفساد نفسها.
وأثار التقرير ردود فعل شعبية وفصائلية غاضبة، وسط دعوات للتحقيق في عدة ملفات، وتصريحات من مسؤولين ينفون فيها صحة الاتهامات الموجهة لهم وللمؤسسات التي يديرونها.
وبلغ مجموع الشكاوى التي تلقاها ديوان الرقابة المالية والإدارية عن العام الماضي 174 شكوى وبلاغا، جلها من مواطنين، و11 فقط وردت من هيئة مكافحة الفساد.
وتستعرض "عربي21" تاليا عددا من أبرز ملفات الفساد التي كشف عنها التقرير:
- مخالفات هيئة مكافحة الفساد
وأوضح الديوان في تقريره أنه أجرى فحصا رقابيا على أعمال هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية، خلال الفترة من بداية عام 2010 حتى تاريخ 15 أيار/ مايو 2019، شمل البيانات المالية للهيئة، وامتثال الهيئة للقوانين والإجراءات التنظيمية الأخرى، واللوازم العامة، والتعيينات، والترقيات، ومهام العمل الرسمية، والدورات التدريبية الخارجية.
وكشف التقرير أن "الهيئة لم تقم بإعادة الفائض من موازناتها السنوية للأعوام (2010- 2018)، والذي تزيد قيمته على الـ13.5 مليون شاقل لحساب الخزينة العامة"، أي نحو 4.18 مليون دولار".
وجاء في التقرير أن "الهيئة لم تقم بإعداد موازنتها السنوية وفقا لأسس إعداد الموازنات، المعمول بها في الوزارات والمؤسسات العامة، كما أنها لم تقم بإعداد الدراسات اللازمة لتنفيذ الموازنات السابقة، ومعرفة الانحرافات ومعالجتها في الموازنات المستقبلية".
وأشار التقرير إلى "عدم الالتزام بالنص الدستوري بشأن التنافس في إشغال الوظائف، عبر الالتزام بالإعلان الخارجي عن كافة الوظائف الشاغرة لديها، بالإضافة إلى عدم اعتماد أنظمة وتعليمات بشأن التعيينات، واستعارة موظفين من المؤسسات العامة للعمل في الهيئة".
ولم تقم الهيئة، وفق التقرير؛ "بإعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد للأعوام (2015- 2018)، خلافا لصلاحياتها.. وذلك على الرغم من قيام الهيئة بتخصيص مبلغ يعادل المليون دولار سنويا في موازنات الأعوام (2016- 2018) تحت بند الاستراتيجية الوطنية".
وقال الديوان إن الهيئة ردت وقدمت مبررات حول ما جاء في التقرير إلا أن "الديوان أكد على الملاحظات الواردة".
- فساد في اختيار الحجاج
وكشف تقرير ديوان الرقابة، أيضا، عن فساد في اختيار الحجاج، حيث حذفت سجلات المسجلين للحج من النظام الإلكتروني بشكل غير مبرر، وتمت إضافة أسماء للقرعة قبل استيفاء تسديد الرسوم من قبلهم.
وتم حذف أسماء بعض الفائزين في القرعة العلنية من السجلات النهائية، كما أنه لم يتم تسجيل بيانات عدد من المسجلين للحج ضمن القرعة، فيما تم تكرار أسماء بيانات المسجلين بشكل غير مبرر.
وأشار التقرير إلى أنه تم إدخال بيانات بعض الحجاج خارج فترة التسجيل المسموحة من قبل الوزارة وقبل إجراء القرعة العلنية بأيام، لافتاً إلى إدخال بيانات لحجاج ضمن تصنيف حجاج معتمدين لم يكن لديهم أي سجلات عبر كشوفات انتظار عام 2011.
ووفق التقرير فقد تم إدخال بيانات بصفة فائز في القرعة الخاصة بالحج قبل تنفيذها ما يؤثر سلباً على مصداقية النتائج، عدا عن أنه لا يتم تسجيل تاريخ وآلية اختيار الفائز.
- تجاوزات لدى المحكمة الدستورية
وبرزت في التقرير المطوّل تفاصيل عن تجاوزات خطيرة لدى المحكمة الدستورية، التي قامت، وفق ديوان الرقابة، بإدخال مشتريات من خارج عطاءات دائرة اللوازم العامة في وزارة المالية، خلافا للقانون والأنظمة المعمول بها.
وتمت كذلك تجزئة عدد من الفواتير ولم يتم تنظيم سندات إدخال عند شراء بعض اللوازم خلافا لأحكام قانون الشراء العام.
وأشار التقرير إلى صرف بدل هاتف نقال لجميع الموظفين لدى المحكمة الدستورية والبالغ عددهم 52 موظفا دون وجود ما يثبت أن مصلحة العمل تقتضي إبقاء الاتصال معهم، خلافا لما نصت عليه مواد النظام المالي الفلسطيني.
وأوضح التقرير أن نحو 53 بالمئة من موازنة المحكمة الدستورية مخصصة للرواتب والمكافآت، نتيجة عدم وجود أسس واضحة وتخطيط منظم لعملية رفد المحكمة بالموظفين، فقد تم تعيين نحو 42 موظفا في المحكمة باستثناء القضاة، وتم نقل بعض الموظفين من مؤسسات أخرى دون وجود أسس واضحة تظهر الاحتياج الفعلي، ودون وضع تصورات لحجم وطبيعة العمل المخطط تنفيذه، بالإضافة إلى تعيين موظفي عقود ومياومة بعضها زائد عن حاجة المحكمة.
وجاء في التقرير أن المحكمة الدستورية العليا، قامت بتعيين بعض الموظفين في المحكمة خلافا للقانون، ودون الإعلان عن توفر شواغر وفتح المجال أمام الجميع للمنافسة والحصول على الوظائف وفقا للأصول وتماشيا مع قاعدة تقلد المناصب العامة على قاعدة تكافؤ الفرص.
وتم تعيين عشرة موظفين، ثم تسعة آخرين، تباعا، خلال عامي 2017 و2018، دون الإعلان عن الوظائف في الصحف اليومية، وقد تم حصر المقابلات بالمعرفة الشخصية لموظفين في المحكمة الدستورية.
- فساد صادم في قطاع الصحة
ومثّل حجم الفساد في قطاع الصحة الفلسطيني صدمة أخرى، حيث كشف تقرير الرقابة المالية والإدارية عن انتقائية لدى الوزارة في تطبيق نظام التأمين الصحي والعلاج خارج نطاق المؤسسات الطبية الحكومية.
وتبين أن الوزارة منحت الأولوية في التحويلات الطبية لمستشفى النجاح دون وجود أسباب واضحة، وأصدرت 3826 تحويلة لمستشفيات بالكيان الإسرائيلي خلال أشهر قليلة، بالرغم من قرار الرئيس محمود عباس بوقفها، عام 2019.
وبحسب التقرير، فقد تم صرف قيمة علاج نقدا لعدد من المرضى، علما بأنهم تلقوا الخدمة الطبية في مستشفيات خارج مراكز وزارة الصحة، ودون أن يكون قد تم تحويلهم من قبل وحدة شراء الخدمة للعلاج، حيث تم منح تحويلات طبية استثناء بناء على قرار من وزير الصحة، خلافا للإجراءات المتبعة في التحويل.
وأوضح التقرير وجود اختلاف في تكلفة التحويلات الطبية الفعلية للأعوام 2016- 2018، ما بين وحدة شراء الخدمة والإدارة العامة للشؤون المالية، والتقارير الصحية السنوية الصادرة والمنشورة على موقع الوزارة الإلكتروني، بواقع أكثر من 300 مليون دولار.
وبحسب التقرير، فإنه تم تحويل المرضى لمستشفيات غير سارية الترخيص، حيث تم تحويل 410 مرضى لأحد المستشفيات بين عامي 2017 و2019، علما بأنه لم يكن مرخصا خلال تلك الفترة، فيما لا تحتوي التقارير الطبية على أسماء الأطباء الذين قاموا بعلاج المرضى في المستشفيات التي تم تحويلهم إليها، لمعرفة ما إذا كان هناك تضارب مصالح أم لا.
وكشف التقرير عن استمرار ارتفاع إجمالي تكلفة التحويلات الطبية وارتفاع أعدادها منذ البدء بإصدارها وحتى عام 2018، واستمرار ارتفاع نسبة التحويلات لخارج فلسطين، حيث بلغت نسبتها 22.3 بالمئة في عام 2016، من إجمالي التحويلات وفقا للتقارير التي تصدرها وزارة الصحة سنويا، وهذا يتناقض مع استراتيجية الحكومة بتوطين الخدمة الطبية وتقليص نسبة التحويلات إلى 7 بالمئة.
اقرأ أيضا: استطلاع: 78 بالمئة من الفلسطينيين يريدون استقالة محمود عباس
- أموال ضائعة في جامعة الأقصى
وكشف التقرير الصادر عن ديوان الرقابة والمالية، عن مخالفات في جامعة الأقصى بغزة، بعد التدقيق في الشؤون الإدارية والمالية للجامعة عن السنة المالية 2017-2018.
وأوضح التقرير في سياق المخالفات المالية، عن سحب وزارة التربية والتعليم في غزة، مبلغ نصف مليون دينار أردني (نحو 706 آلاف دولار) من حسابات الجامعة، بتاريخ 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2012، دون علمها، ووجهتها لكلية الجامعة، وقال إن الجامعة لم تسترد سوى مبلغ 50 ألف دينار من المبلغ المسحوب حتى إعداد التقرير.
وأشار التقرير إلى أن الوزارة سحبت أكثر من 53 ألف دولار من حساب الجامعة، بتاريخ 7 آب/ أغسطس 2011، ولم تسترد المبلغ حتى تاريخه، وقد قيد المبلغ المسحوب في المركز المالي للجامعة، كذمة على وزارة التربية والتعليم العالي في رام الله.
وكشف التقرير عن سرقة محتويات الخزنة الخاصة بالجامعة، التي احتوت على مبلغ 27 ألفا و294 دينارا، بتاريخ 25 تموز/ يوليو 2012، وقال إن الجامعة لم "تتخذ الإجراءات القانونية لمتابعة السرقة حسب الأصول".
وفي سياق آخر، بين التقرير أن الجامعة نفذت أعمالاً إضافية على قيمة العقد المبرم لإنشاء مبنى المؤتمرات، أدى إلى ارتفاع التكاليف وتغيير في البنود، إذ بلغت قيمة العقد الأساسي مليونين و507 آلاف و383 دينارا، فيما بلغت تكلفة الأعمال الإضافية مليونا و444 ألفا و409 دنانير، أي ما نسبته 57.6 بالمئة من قيمة العقد الأصلي.
كما أن جميع الأعمال الإضافية نفذت دون عطاءات جديدة.
واعتبر التقرير أن الجامعة "لا تلتزم بالقوانين والأنظمة الخاصة بالتعيينات، وفق هيكل تنظيمي معتمد وفق الأصول"، وأشار إلى "عدم التزامها بمصروفات الرواتب والأجور وملحقاتها وفق النظام الأساسي للجامعة"، فضلا عن إهدار أكثر من 1.5 مليون دينار صرفت على شكل سلف للموظفين، دون استردادها.
(الدينار الأردني = 1.41 دولار)
ردود فعل غاضبة
وأثار التقرير ردود فعل واسعة على الساحة الفلسطينية، حيث علّق الناطق باسم حركة حماس، حازم قاسم، بالقول إن حجم الفساد في مؤسسات السلطة والحكومة في رام الله يؤكد الضرورة لفتح تحقيق جاد وحقيقي في كل جوانب الفساد التي تناولها التقرير، وسرعة تقديم الفاسدين للعدالة.
وأكد قاسم في تصريح صحفي أن "ما كشفه تقرير الرقابة من فساد في مؤسسات السلطة، يؤكد من جديد تحكم فئة من قيادة السلطة بمقدرات شعبنا، واستخدامها في مصالحها الشخصية فقط، في عملية سطو واضحة على المال العام، مضافا إليها الفساد السياسي الذي تغرق فيه هذه الفئة المتمثل بعلاقتها مع الاحتلال واستمرار التنسيق الأمني".
وأوضح أن "التقرير يفضح الظلم الصارخ الذي تتعرض له الطبقات الفقيرة في مجتمعنا من سلوك قيادة السلطة، والسطو على مقدرات الفئات الشعبية الكادحة، وهو ما يضعف جبهتنا الداخلية في مواجهة مشاريع الاحتلال، عدا عن أن هذا السلوك الفاسد يقدم صورة لا تليق بشعبنا وتضحياته".
وبدورها، دعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى فتح تحقيق جدي في قضايا الفساد التي تناولها تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية وإحالة من يثبت تورطه فيها إلى القضاء بشكل فوري، لأن الصمت على ما تناوله التقرير، وتجاهل تداعياته وآثاره يعتبر تشجيعا للفساد وحماية للمتورطين.
وأكدت الجبهة الشعبية أن "تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية يكشف حجم الفساد والتفرد الذي وصل إليه بعض المتنفذين في الحكومة والسلطة عموما، بما يدعم الموقف من أن تشكيل السلطة وفقا لاتفاق أوسلو، كان بمثابة رشوة سياسية، على حساب حقوق وأهداف شعبنا الوطنية والاجتماعية".
واعتبرت "الشعبية" أن "النضال ضد الفساد هو قضية وطنية بامتياز، وفي الجوهر هو نضال ضد الاحتلال ووكلائه، وسلوكا ثوريا يحمي المال العام ويعزز من قدرة الجبهة الفلسطينية الداخلية على مواجهة العدو وتغوله على الحقوق الوطنية، وهذا النضال بحاجة إلى تفعيل كل طاقات وامكانيات شعبنا، على طريق إنهاء هذه الظاهرة المتغلغلة في المؤسسات الفلسطينية، وتستنزف شعبنا، وخصوصا الطبقات الشعبيّة الكادحة لصالح طبقة من المتنفذّين والفاسدين".
وطالبت الشعبية كافة المؤسسات والنقابات التي يفترض أنها "تحارب المحسوبية والتغول على المال العام بمغادرة حالة الصمت، والانتصار للطبقات الشعبيّة التي تئن تحت وطأة الفقر والجوع والبطالة والمرض".
واعترفت وزارة العمل، في ضوء تقرير ديوان الرقابة، بوقوع أخطاء في عملية صرف المساعدات للمستحقين من صندوق "وقفة عز" الذي خصصته الحكومة لتوزيع مساعدات للمتضررين جراء "كورونا".
وأشارت الوزارة إلى أنها عملت على إجراء المراجعات والمقارنات لجميع الإجراءات التي تمت خلال عمليات الصرف للمستفيدين، بما فيها مراجعة البيانات المقدمة من قبل المستفيدين.
وأكدت الوزارة أن الخلل الذي وقع كان بسبب تقديم المستفيدين لبيانات خاطئة أدت إلى حصولهم على مساعدات دون وجه حق وقامت الوزارة بتقديم كشوفات بأسمائهم إلى الوزارات والمؤسسات المعنية، من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من تقدم ببيانات غير صحيحة.
وقال مركز الإنسان للديمقراطية والحقوق في غزة إن تقرير ديوان الرقابة يدل على أن جرائم الفساد في ازدياد، جراء عدم اتباع الضوابط الإجرائية والقانونية في إدارة المال العام والحفاظ عليه.
ودعا المركز في بيان إلى مضاعفة الجهود المبذولة لمحاربة الفساد بكل قوة، في كافة القطاعات -العام والخاص والمدني- وتطبيق القانون الخاص بمكافحة الفساد لسنة 2005، والتزام السلطة بتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
وقال إنه يُتابع بقلق بالغ تزايد معدلات الفساد والخروقات والتجاوزات، في ملفات وقضايا مهمة، أوضحها التقرير الذي صدر عن ديوان الرقابة.
إلى ماذا يسعى الفلسطينيون في الدورة 76 للأمم المتحدة؟
ما هدف السلطة الفلسطينية من إجراء انتخابات محلية دون توافق؟
"تسوية الأراضي".. أحدث "حيل" الاحتلال لتهويد القدس