يدعي البعض، وآخرهم الكاتب.. أن قبول الاتحاد الأفريقي انضمام إسرائيل لمؤسساته كعضو مراقب، بغض النظر عن جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، يأتي في سياق تطور طبيعي للعلاقات التي يتوخى الطرفان فيها البحث عن مصالحهما، وتتويجا لمسيرة ممتدة من بناء العلاقات الثنائية بين الدول الأفريقية وإسرائيل، وتعبيرا عن إرادة 46 دولة من أصل الدول الـ55 الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، ويستندون في ذلك إلى خمسة ادعاءات تتمثل في:
أولاً: يعتبر هذا الفريق أن منح صفة مراقب هي من الصلاحيات الأساسية لمفوضية الاتحاد الأفريقي التي يرأسها محمد فقي.
ثانياً: ويؤكد هؤلاء أن توثيق علاقة القارة الأفريقية مع إسرائيل هي ضرورة للقارة الأفريقية، خاصة بعد أن أصبحت إسرائيل أكثر اندماجاً في المجتمع الدولي، وبعد أن ذهبت العديد من الدول العربية، مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، بعيداً في تعميق علاقتها بإسرائيل.
ثالثاً: ويدعي هذا الفريق بأن العمل من أجل عزل إسرائيل لن يخدم القضية الفلسطينية، حيث حاولت الدول العربية فعل ذلك على مدار عقود، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، وأن الطريقة المثلى لتحقيق السلام في الشرق الأوسط تتمثل في بذل الجهود لتقوية المؤيدين للسلام في إسرائيل نفسها.
رابعاً: ويرى هذا الفريق أن الدعوة لعزل إسرائيل بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان الفلسطيني هو استخدام انتقائي لموضوع حقوق الإنسان، لأن الدول التي تطالب بمعاقبة إسرائيل بسبب ملف حقوق الإنسان لا تفعل هذا مع دول كثيرة ذات سجلات أكثر سوءاً في مجال حقوق الإنسان.
خامساً: يؤكد هؤلاء على أن قبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي لن يضر بتضامن الاتحاد الأفريقي مع الشعب الفلسطيني، ودعمه المطلق لحق الفلسطينيين في إقامة دولة وطنية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
سادساً: يعتقد البعض أن الدول الأفريقية في أمسّ الحاجة لما تمتلكه دولة الاحتلال الصهيوني؛ من إمكانيات تكنولوجية وزراعية متقدمة وقدرات أمنية متفوقة.
إن المتابع لمسار العلاقات الإسرائيلية الأفريقية يلحظ بوضوح أنها كانت تتأثر بالعلاقات العربية الإسرائيلية، وأن العديد من الدول الأفريقية التي أقامت علاقات مع إسرائيل قبل العام 1967، قد عادت وقطعت هذه العلاقات بعد العدوان الإسرائيلي على البلدان العربية في عام 1967، وكذلك بعد العام 1973.
ولم تعُد هذه الدول لبناء علاقات مع إسرائيل إلا بعد أن أقامت مصر علاقات مع إسرائيل في عام 1978، وتضاعفت أعداد هذه الدول بعد مؤتمر مدريد 1991م، واتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين إسرائيل. وقد تمكنت إسرائيل من الحصول على عضوية منظمة الوحدة الأفريقية والتي استمرت حتى العام 2002م.
لكن عندما تأسس الاتحاد الأفريقي عام 2002 كامتداد أو بديل لمنظمة الوحدة الأفريقية، فإن الدول الأفريقية رفضت عضوية إسرائيل، خاصة في ظل عدوان إسرائيل المستمر على الشعب الفلسطيني، من خلال العدوان الحربي المكثّف، إضافة إلى برامج تهويد القدس، وخُطط الاستيطان وضم الأراضي في الضفة الغربية. وقد تم رفض طلب إسرائيل للانضمام لعضوية الاتحاد الأفريقي ثلاث مرات خلال الأعوام 2013، و2015، و2016.
ما الذي جرى الآن؟ ولماذا يفقد الأفارقة حساسيتهم الإيجابية إزاء المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الفلسطينيون من تطوير العلاقات الأفريقية الإسرائيلية؟ لا سيما وأن هذه المخاطر ظاهرة للعيان، خاصة في موضوعين رئيسيين: أولهما يتمثل في أن إسرائيل تربط بين تطوير هذه العلاقات وبين محاولتها إحداث تغيير على السلوك التصويتي للدول الأفريقية في المؤسسات الدولية في ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بهدف تقويض التعاطف الأفريقي مع القضية الفلسطينية. أما الهدف الثاني فهو حرمان شعبنا الفلسطيني من امتداد طبيعي ووازن لنضاله العادل ضد الاحتلال العنصري الصهيوني لأرضنا، وذلك بما تملكه أفريقيا وشعوبها من مخزون نضالي عال وحساسية كبيرة تجاه القوى الاستعمارية واضطهاد الشعوب وحرمانها من حقوقها الأساسية.
شكّل عام 2016 نقطة التحول الكبرى في تاريخ العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، حيث استضافت تل أبيب مؤتمراً زراعياً ضم وزراء ومسؤولين من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس تضم 15 دولة)، وفي العام التالي حضر نتنياهو المؤتمر السنوي لإيكواس في ليبيريا.
يحدث هذا التحول في وقت تتزايد فيه انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين ومخالفتها للقانون الدولي، وارتكابها جرائم جسيمة سواء في عدوانها الحربي على الشعب الفلسطيني، أو على مستوى الاحتلال والضم غير القانوني للأراضي الفلسطينية، إضافة إلى سلوكها العنصري وبشكل رسمي ومقنن، لدرجة أن مؤسسات حقوقية دولية مثل هيومان رايتس واتش وإسرائيلية مثل "بيتسيلم"؛ أكدت أن "إسرائيل" دولة فصل عنصري "أبارتايد" مكتملة الأركان، ولذلك تحاول إسرائيل من وراء علاقتها مع أفريقيا أن تدفع عن نفسها صفة "الأبارتايد". ويكتسب هذا الأمر أهمية أعلى مع تزايد الفعاليات التي تركز على إلصاق صفة الأبارتايد بإسرائيل حول العالم، حتى داخل أقرب الحلفاء للكيان؛ الولايات المتحدة الأمريكية.
إننا اليوم كفلسطينيين، من خلال ما نقدمه من تحليلات ومواقف، لا نهدف للحصول على دعم الآخرين لقضيتنا العادلة فقط، وإنما نسعى، بعد التجربة الطويلة والمرّة، إلى وضع تجربتنا وخبراتنا - بعد سنوات من محاولة التوصل إلى سلام مع هذه الدولة العنصرية - بين يدي شعوب الأرض وحكوماتها، حتى تكون هذه الشعوب والحكومات أكثر قدرة على فهم هذا الكيان العنصري، بينما تجعل الإدارة الأمريكية حصول الدول الضعيفة على التكنولوجيا والمساعدات مشروطاً بتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال والإجرام والتمييز العنصري (إسرائيل).
لقد طلبت الإدارة الأمريكية من قيادة الشعب الفلسطيني فعل ذلك عام 1993، وقطعت تلك القيادة شوطاً كبيراً على صعيد بناء "سلام" مع إسرائيل، لكن إسرائيل هوّدت القدس وتعمل على طرد سكانها الفلسطينيين بالقوة كما يحدث اليوم في حي الشيخ جراح وغيره من الأحياء، وتقترب من سرقة حوالي 60 في المائة من أراضي الضفة الغربية، وحاصرت مليوني نسمة في قطاع غزة بشكل وحشي، لدرجة أن البعض وصفه بأكبر سجن مفتوح على الأرض. وتتكاثر المؤشرات على أن إسرائيل ضالعة مباشرة في قتل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وأكثر من ذلك فإنها تتعامل بطريقة مهينة مع زعيم فلسطيني مؤمن ببناء سلام معها (محمود عباس)، ووضعت أمامه الكثير من العقبات، ليس على صعيد تحقيق الطموحات الوطنية لشعبه، بل حتى على مستوى تسيير الحياة اليومية داخل الكانتونات التي يسيطر عليها في الضفة الغربية.
إن توجه إسرائيل نحو أفريقيا هو توجه عنصري يهدف بالأساس لاستغلال القارة ومقدراتها، فقد أقامت هذه الدولة العنصرية (إسرائيل) علاقات اقتصادية مع نظام الأبارتايد السابق في دولة جنوب أفريقيا، ودعمته بكل أدوات الصمود والبقاء.
ستعمل دولة الاحتلال (إسرائيل) على زرع الشقاق بين الدول الأفريقية بما يعزز من مكانتها، وتأجيج المشاكل حتى تتعاظم حاجة الدول الأفريقية للخبرات والاستشارات الأمنية الإسرائيلية، إضافة إلى شراء الأسلحة من إسرائيل، وتحاول استغلال ثروات أفريقيا ومواردها الطبيعية والأيدي العاملة منخفضة التكاليف هناك؛ لكي تتمكن من إنتاج بضائع بميزة تنافسية عالية، كما تريد تبييض صفحتها، وغسيل ماضيها القذر، والتغطية على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وتسعى إلى كسب تأييد الدول الأفريقية لمشاريعها التصفوية بحق فلسطين وأهلها وقضيتها.
إن دعوة الفلسطيني لمقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها وسحب الاستثمارات منها، تأتي في سياق نضال الفلسطينيين من أجل تحقيق العدالة لأنفسهم، وفي ذات اللحظة تحذير الشعوب الأخرى من وقوعها فريسة لأطماع دولة عنصرية لا تراعي أي قانون أو قيم أخلاقية أو مصالح مشتركة، في سبيل تحقيق أهدافها الخبيثة. ولعل هذا هو الدافع وراء المقولة المشهورة لرائد النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، نيلسون مانديلا، عندما أكد "نحن نعلم جيداً بأن حريتنا لن تكتمل إلا بحرية الفلسطينيين".
حرب الاستيطان: الحنكة الغائبة في المواجهة
"صفقة التبادل".. نار تحت الرماد
قراءة في المقاربة الإسرائيلية للانسحاب الأمريكي من أفغانستان