كتاب عربي 21

جذور الأزمة في الإخوان

1300x600
أظن، والله أعلم، أن ما شهدناه خلال السنوات الأخيرة من مظاهر أزمة داخل جماعة الإخوان المسلمين – ليس في مصر وحدها بل وفي معظم الأقطار والساحات – لا يقتصر على هذه الجماعة، وليس مما تصاب به التنظيمات الإسلامية دون غيرها، بل يكاد يكون مما تُبتلى به جميع الكيانات التي تعتمد السرية في بنيتها أو تعاملاتها، فلا يلبث أن يظهر إلى العلن حين تتفاقم الأمور لدى تعرض الجماعة إلى محن شديدة قاصمة.

وليس الأمر مرتبطاً بخلل في الهيكلة ونظم الإدارة الداخلية فحسب، بل تلعب الظروف غير العادية، التي تفرض على مثل هذه التنظيمات، دوراً أساسياً في تعذر معالجة الأزمات بسرعة وحسم، وما ذلك إلا بسبب غياب الشفافية.

بعض من يتناولون هذه الظاهرة بالبحث أو النقاش قد يفوتهم أن يأخذوا بالاعتبار كافة العوامل، حيث يركزون اهتمامهم على العامل الداخلي دون سواه، رغم أن للعوامل الخارجية دوراً أساسياً في إيصال بعض هذه الجماعات إلى حافة الانهيار.

وهنا يكمن دور السرية في التنظيم، وهو أمر مفروض على كثير من الجماعات الإسلامية – وهو بالتأكيد ليس أصلاً في جماعة الإخوان وإن بات كذلك بحكم الضرورة – بسبب ملاحقة الأنظمة لها والسعي للمكر بها بل وحتى استئصالها. فالسرية تحول دون التعامل بشفافية مع كثير من الأمور، والسرية سبب أساسي فيما يحدث من تداخل بين الإداري والمالي والسياسي. ويستفيد من تكريس السرية، حين تصبح هي الأصل، بعض ضعاف النفوس ومن لديهم نزعات استبدادية، فتصبح أولويتهم خدمة مصالحهم الشخصية التي يؤثرونها على الصالح العام. وهؤلاء هم الذين إذا تنفذوا لا يقبلون نقداً ويعطلون فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعتبرون كل مساءلة خطيئة، وحجتهم في ذلك الحفاظ على الجماعة وحمايتها من المخاطر التي تتهددها، وما علموا أنهم الخطر الأكبر عليها.

يصعب علاج كثير مما يتفشى داخل الجماعات من أمراض وتسد الطرق في وجه من يبتغي إصلاح ما تبتلى به من انحرافات، بسبب السرية. ولذلك يكمن العلاج الناجع في خروج الجماعة بتنظيمها إلى العلن، حتى تتعزز آليات المحاسبة والمساءلة والمداولة، إلا أن هذا محال طالما ظلت لا تأمن على نفسها من البطش والملاحقة في ظل أنظمة حكم تقوم عليها في كثير من بلاد العرب عصابات لا تحترم القانون ولا تقر بحقوق ولا تعترف للآخرين بوجود. إنها دائرة مفرغة.

تجد الجماعة الإسلامية ذات التنظيم السري نفسها أمام معادلة من شقين، فمن جهة هناك التقوى التي يربى عليها الأعضاء على أمل أن يكون كل منهم رقيباً على ذاته، وهناك من جهة أخرى آليات الرقابة والمحاسبة التنظيمية التي من المفروض أن تحول دون تغول أحد أو استمرار فساد. إلا أن من لا تردعهم التقوى، وينتصر عليهم الشيطان، وتهزمهم النفس الأمارة بالسوء، يجدون في السرية المفروضة على الجماعة ملاذهم، فيصبح التعويل على عنصر التقوى والرقابة الذاتية بلا جدوى، وحينما لا تتوفر البيئة الملائمة لتطوير العنصر الثاني، ومع الزمن يتم تجاهله بل وفي بعض الحالات يعتريه الخلل ويصيبه الفساد، وخاصة حين يكون من تناط به مهمة الرقابة والمحاسبة غير أهل للقيام بها لضعف في شخصه أو لنزوة استبداد أو فساد في خلقه، فتقع المفاسد وترتكب المظالم، ويتمرد الأعضاء، وينفض الأنصار، وتتفسخ الجماعة.