منذ الانفصال المشؤوم في 28 أيلول/ سبتمبر 1961 والذي أطاح بأول وحدة عربية في العصر الحديث بين مصر وسوريا، ازدهرت فكرة "الدولة القطرية" إلى حدّ أن شعارات من نوع "مصر أولاً"، "لبنان أولاً"، "الأردن أولاً" الخ... ملأت الفضاء السياسي العربي مدغدغة مشاعر طبيعية لدى المواطن العربي المتعلّق بوطنه الصغير بعد خيبات أصابته في وطنه الكبير ومن بعض "أشقائه".
مرّت عقود على الترويج لفكرة "الدولة القطرية"، حيث بات "القطر" في نظر البعض "أمّة" بحدّ ذاته، وحتى ظنّت بعض الأقطار الصغيرة التي توفّرت لها موارد مالية ضخمة أن تقدّم نفسها "كأمّة" أو كوصية على أقطار الأمّة الأخرى.
لكننا اليوم نلاحظ فشلاً مدوياً "للدولة القطرية" سواء على مستوى "وحدة القطر" نفسه، أو على مستوى الأمن القومي لهذا القطر، والنمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، بحيث باتت "الدولة القطرية" اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما إمّا الوقوع أسْر الفوضى والاحتراب الداخلي ومع الأقطار الشقيقة، والتفتيت المجتمعي، أو التوجه نحو التكامل والتعاون والتنسيق والتشبيك مع أقطار الأمة الأخرى.
وما يشجّع على ولوج الخيار الثاني هو التطور الإيجابي في موازين القوى على المستويات الإقليمية والدولية، حيث بات النفوذ الاستعماري والصهيوني، وهو العائق الأكبر بوجه الوحدة، أقلّ تأثيراً وأكثر ارتباكاً على مستوى الإقليم كله.
كما بات أكثر وضوحاً الارتباط بين المشروع الصهيو ـ استعماري وبين تجزئة الأمة إلى أقطار، والأقطار إلى كانتونات، مذكّراً بتلازم زمن "وعد بلفور" بزمن "سايكس بيكو"، حين دعا "الوعد" إلى إقامة حاجز يفصل مشرق الأمّة عن مغربها، ومصر عن بلاد الشام، وحين قامت معاهدة "سايكس ـ بيكو" لتجزئة الوطن الكبير إلى كيانات تمهيداً لتقسيم الكيانات نفسها إلى محميات عشائرية وطائفية ومذهبية وعرقية.
قد يبدو الحديث عن الوحدة العربية في ظروف التمزق والتناحر والاحتراب التي تعيشها الأمة حالياً ضرباً من الخيال ودعوة مستحيلة لتحقيق هذا الهدف، ولكن هناك كثيرون من الذين يعتقدون أن الوحدة، وطنية أو قومية، هي طريق الخلاص من كل المآسي التي نعيشها، سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً
في هذا الإطار تركّز اجتماع الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي حول فكرة "الوحدة العربية أولاً" وحول الدعوة لاستنهاض الهمم الوحدوية على مستوى الأمة، باعتبار الوحدة بمعناها الواسع والمريح هي ضمانة الحلول لأزمات الأقطار كلها.
وكان التأكيد على أن الدعوة للوحدة العربية، أو العودة إليها، لا تعني بالضرورة الوحدة الدستورية، بل أي شكل من أشكال التضامن والتعاون والتنسيق والتشبيك بين الأقطار العربية فتحترم خصوصية كل قطر وكل جماعة ومعتقداتها، بل تحمي حقوق كل إنسان لأنه ما من مرة جرى فيها تجاهل هذه الخصوصيات أو التنكّر لهذه الحقوق والمعتقدات الفردية والجماعية إلاّ واهتزّ كيان الدولة وتزعزعت أسس استقرار المجتمع.
قد يبدو الحديث عن الوحدة العربية في ظروف التمزق والتناحر والاحتراب التي تعيشها الأمة حالياً ضرباً من الخيال ودعوة مستحيلة لتحقيق هذا الهدف، ولكن هناك كثيرون من الذين يعتقدون أن الوحدة، وطنية أو قومية، هي طريق الخلاص من كل المآسي التي نعيشها، سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، وأنها الضوء في نهاية النفق المظلم الذي نعيش فيه، خصوصاً إذا تحصّنت هذه الوحدة بعلاقات ديمقراطية ومبادئ العدالة الاجتماعية.
إلى قمة المناخ 26.. الديكتاتورية في مصر أخطر من انبعاثات الكربون
أَمَّا الزَّبد فَيَذْهَبُ جفاءً
الجزائر والمغرب.. و"الفايك نيوز"