نقلت قمة المجلس التركي الثامنة التي عقدت يوم الجمعة الماضي في جزيرة الديمقراطية والحريات بإسطنبول؛ مستوى
التعاون بين دول الأعضاء إلى مرحلة أخرى في تعزيز العلاقات الثنائية والجماعية، والتقدم نحو التكامل، في إطار الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وشارك في القمة رؤساء
تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان، بالإضافة إلى رئيس وزراء المجر.
القمة شهدت تحولا هاما في مسيرة هذا التكتل الذي يعود تاريخه إلى قمة الدول الناطقة باللغة التركية التي استضافتها أنقرة عام 1992. وبعد انعقاد عدد من القمم، تم توقيع اتفاقية في قمة نخجوان عام 2009، وبموجبها شكَّلت أربع دول، هي تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزستان، المجلس التركي. وغيَّرت قمة إسطنبول الأخيرة اسم المجلس التركي إلى "منظمة الدول التركية"، كما افتتح الرؤساء مقر الأمانة العام للمنظمة في منطقة السلطان أحمد التاريخية بإسطنبول.
تحول المجلس التركي إلى منظمة الدول التركية يهدف إلى التحول من "نادٍ ثقافي" إلى "تكتل إستراتيجي" بين عدد من الدول. ومن المتوقع أن يعزز هذا التحول أسس الشراكة المؤسساتية بين الدول الأعضاء، كما يبعث رسالة طمأنة إلى الدول التي تعيش فيها الأقليات التركية
المساحة الجغرافية الشاسعة التي تغطيها الدول السبع المشاركة في قمة إسطنبول تمتد من وسط أوروبا إلى حدود الصين، وتصل إلى 4.5 مليون كيلومتر مربع، ويعيش فيها حوالي 300 مليون نسمة. كما أن هذه الدول تملك ثروات طبيعية و
قدرات اقتصادية يمكن أن تجعل المنظمة الجديدة لاعبا كبيرا في الساحتين الإقليمية والدولية.
تحول المجلس التركي إلى منظمة الدول التركية يهدف إلى التحول من "نادٍ ثقافي" إلى "تكتل إستراتيجي" بين عدد من الدول. ومن المتوقع أن يعزز هذا التحول أسس الشراكة المؤسساتية بين الدول الأعضاء، كما يبعث رسالة طمأنة إلى الدول التي تعيش فيها الأقليات التركية مفادها أن هذا اللاعب الجديد يتعامل مع الدول والحكومات، لا الأحزاب والجماعات.
الدول الأعضاء لمنظمة الدول التركية تجمعها أواصر قومية وتاريخية وثقافية، يمكن أن تشكل أرضية صلبة للتعاون السياسي والاقتصادي والعسكري. وقد تنضم إليها في المستقبل دول أخرى كجمهورية قبرص الشمالية التركية؛ التي قال رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان في كلمته بالقمة إنهم يتمنون رؤيتها بين الدول الأعضاء في المرحلة القادمة.
الدول الأعضاء لمنظمة الدول التركية تجمعها أواصر قومية وتاريخية وثقافية، يمكن أن تشكل أرضية صلبة للتعاون السياسي والاقتصادي والعسكري
جمهوريات آسيا الوسطى التركية ظلت مدة طويلة تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي؛ الذي كان يحرص على طمس الهويات القومية لشعوب تلك الجمهوريات لصالح الأيديولوجية الشيوعية، كما سعى إلى زرع بذور الخلافات والتفرقة بينها للحيلولة دون اتحادها على أسس قومية ودينية. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي في نهاية 1991، حصلت جمهوريات آسيا الوسطى التركية على استقلالها، إلا أنها كانت بحاجة إلى وقت للتحول إلى دول قومية مستقلة بمعنى الكلمة؛ يمكن أن تحلق وحدها بعيدا عن النفوذ الروسي. وبعد ثلاثة عقود، يمكن أن نقول إن روسيا ما زالت تملك نفوذا في تلك الجمهوريات، إلا أن ذاك النفوذ اليوم ليس كما كان في حقبة الاتحاد السوفييتي أو في تسعينيات القرن الماضي.
أعضاء منظمة الدول التركية قطعت شوطا لا بأس به في طريق الاستقلال وبناء الدولة وترسيخ الهوية القومية، واكتسبت ثقة في قدراتها. وشهدت الفترة الأخيرة تطورات زادت تلك الثقة، ولفتت انتباه تلك الدول إلى أهمية التعاون وفوائد رص الصفوف لحماية مصالحها القومية، كانتصار أذربيجان في معركة تحرير إقليم قراباغ من الاحتلال الأرمني بدعم تركيا. ومن المؤكد أن تعزيز العلاقات بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات تحت مظلة المنظمة الجديدة سيمنحها مزيدا من الشعور بالأمن والأمان في منطقة تتصارع عليها القوى العظمى.
علاقات تركيا مع الدول العربية ليست بديلا عن علاقاتها مع أوروبا، كما أن انفتاحها على القارة الأفريقية لا يعني بالضرورة أنها لن تعزز علاقاتها مع الدول التركية الشقيقة، بل لكل من تلك العلاقات مكانة في خارطة السياسة الخارجية التركية
الهدف النهائي لمنظمة الدول التركية هو التكامل التام والتحول إلى "الاتحاد التركي" على غرار الاتحاد الأوروبي. ومن المؤكد أن أولى خطوات هذه المسيرة تم تقديمها في قمة إسطنبول الأخيرة، إلا أن أمام المنظمة طريقا طويلا للوصول إلى هذا الهدف؛ لأنه هدف سبق أن حاولت دول أخرى أن تصل إليه، ولكنها فشلت لأسباب مختلفة، كدول الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي. ومن الأفضل لمنظمة الدول التركية أن تدرس أسباب ذاك الفشل حتى لا تقع فيها لتتحول إلى "منظمة ميتة" تقول فيها شعوبها: "لقد أسمعت لو ناديت حيـا، ولكن لا حياة لمن تنادي".
هناك من يقول إن توجه تركيا نحو جمهوريات آسيا الوسطى التركية يعود سببه إلى تدهور علاقاتها مع دول عربية، وسبق أن قال آخرون حين كانت العلاقات التركية العربية في أوجها إن أنقرة اتجهت نحو الدول العربية حين أغلقت الأبواب الأوروبية أمامها. ومن المؤكد أن كلا التحليلين خاطئ؛ لأن علاقات تركيا مع الدول العربية ليست بديلا عن علاقاتها مع أوروبا، كما أن انفتاحها على القارة الأفريقية لا يعني بالضرورة أنها لن تعزز علاقاتها مع الدول التركية الشقيقة، بل لكل من تلك العلاقات مكانة في خارطة السياسة الخارجية التركية ذات الأبعاد المتعددة.
twitter.com/ismail_yasa