رسميا، لم يصدر أي موقف سياسي عربي يدين التصنيف البريطاني لحركة المقاومة الإسلامية (
حماس) بالإرهاب وحظر نشاطها على الأراضي البريطانية.
مواقف وزراء الخارجية العرب ومواقف الجامعة العربية وقادتها ماتت منذ زمن، لا تجاه التصنيف البريطاني والغربي لمقاومة الشعب
الفلسطيني لقوة الاستعمار الصهيوني، بل من كل
الإرهاب الذي تمارسه سلطة الاحتلال على الأرض والبشر، والعدوان المتواصل سواء بتمدد سياسة الاستيطان أو الاقتحامات المستمرة للمدن والبلدات الفلسطينية من قبل قطعان المستوطنين، وطرد العائلات الفلسطينية وهدم المنازل ومصادرة الأراضي وتهويدها، وعلى رأسها مدينة القدس والمسجد الأقصى، ناهيك عن قتل اسرائيل ما يؤمن به البعض من أوهام عملية السلام، وتحول هذا البعض للخندق الإسرائيلي في وصف مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال وقوته الاستعمارية بالإرهاب، أو استخدام البعض الآخر هذه المقاومة ودعم فلسطين ستاراً لبطشه وغيه في مجتمعه.
يعترف المؤرخون والباحثون العرب بأن حدود أقطارهم الجغرافية قد سُطرت بمهارة من كل من العقيد البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرانسوا ماري دينيس جورج- بيكو، والتي أطلقوا عليها وصف المؤامرة الكبرى التي مزقت عالم العرب؛ المحكوم إلى اليوم بنسل سايكس وبيكو لكن بقبضة أكثر تشددا وتمسكاً بما رسمته مساطر قوى الانتداب والاستعمار منذ أكثر من قرن لتكريس واقع التمزق. وقد اشتركت بعض النظم المستحدثة آنذاك في تمرير الخديعة الكبرى والنكبة على الجغرافيا العربية، في حين ساهمت
بريطانيا بعد عام من سايكس بيكو بإقرار وعد اللورد بلفور المشؤوم للمؤسسة الصهيونية بإقامة "وطن قومي لليهود" على أرض فلسطين وتسهيل الهجرة اليهودية إليها.
ما رافق مرحلة سايكس وبيكو في العام 1916 ووعد بلفور 1917 وحتى النكبة الفلسطينية 1948؛ من أحوال العالم العربي آنذاك وما كُتب ودُوّن منذ بداية القرن الماضي، يتجسد اليوم بصور لا تزييف فيها ولا خداع.. كل شيء مكشوف ونافر في فجاجته، خصوصاً في ما يتعلق بخديعة الشعب الفلسطيني، حيث بات الجهر بأن قضية النظام الرسمي العربي هي توفير بيئة أكثر ملائمة لاستمرار المشروع الصهيوني، وحمايته بسياسات ومواقف عدوانية تجاه المنطقة وذاتها وقيمها ومجتمعاتها وتاريخها وإرثها وتراثها.
فقبل العتب والمآخذ على المواقف الغربية والأمريكية في دعم إسرائيل ومشروعها الاستعماري، وهذه مواقف مفهومة ومعلومة بإطار تقاطع المصالح التي كُتب عنها أطنان الكتب وملايين الصفحات، يجب البحث عن البيئة السياسية العربية المهرولة نحو التصهين بشيطنة الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة.
منذ عشرة أعوام بتنا نسمع ونراقب مواقف عربية رسمية، لا تستهدف حركة حماس كمقاومة فقط أو من باب الاختلاف الفكري والسياسي لها، بل تستهزئ بالنضال الفلسطيني برمته. وإدراج حماس على قوائم الإرهاب رفعته الدولة الكبرى في عالم العرب (مصر) واشتغل طبالو نظام السيسي للضرب على هذا الدف بردحٍ جارح من الحناجر والحوافر الحاملة لأقلام الإعلام، كما في أبو ظبي وعمّان والقاهرة ودمشق والمنامة والرياض والخرطوم وليبيا، وعملت جلها على توفير جرأة صهيونية بالعدوان، وغربية بالانضمام لجوقة عربية تردد خلف الحناجر الصهيونية نشيد خلاصها.
وعندما يسأل عربي عن دور الأنظمة القائمة في تجريم نشطاء في مقاطعة إسرائيل، وملاحقة واعتقال كوادر ونشطاء مدنيين من حركة المقاومة انتهى بهم المطاف في زنازين عربية، ويسأل عن المحاصر الحقيقي لغزة ولحدود فلسطين، وعندما تصبح بعض البرلمانات العربية وأعضائها البارزين ونخبها متحدثين بحناجر صهيونية عن الشعب الفلسطيني ومقاومته، ويجد العربي إجابته في الانشغال الرسمي العربي في هيئة جامعته ونشاط وزراء خارجيتها لرص صفوف الأنظمة مع بعضها البعض في
التطبيع فيما بينها؛ ليس لمواجهة تحديات الأمن والعربي والاقتصاد والتنمية والحريات والتعليم والصحة، بل لتمتين أواصر القمع والحصار على العربي بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، فمن المؤكد أن على رأس الأولويات حماية الطغيان العربي لذاته من السقوط بطلب الغفران والحماية من المؤسسة الصهيونية، وبإسقاط قضية التحرر من الطغيان والاحتلال من وعي الشارع العربي بوسائل البطش والتدمير والقهر والتهجير.
أخيراً، في زمن عربي تكاد ظروفه تختلف كلياً عن ظروف سايكس وبيكو قبل أكثر من قرن، هناك ما يستحق الملاحظة عن تنسيق عربي صهيوني، يكشف كل يوم في أكثر من عاصمة عربية أن محور الجهود العربية ينصب في شق واحد لتعزيز جبهة التصهين، واستهداف قضية فلسطين بمعناها التاريخي والوطني؛ حملته أنظمة عربية عن كاهل المؤسسة الصهيونية المنشغلة بافتتاح فروع لها في قصور الحكام العرب والسيطرة على الموارد الاقتصادية وفرض رؤية أمنية وسياسية.
وفي ظل هذا الواقع ليس من الغريب أن تكون النتائج جبهة عربية تعزز التصنيف البريطاني، وهي التي عززت ومكنت مشروعها الاستعماري في فلسطين. وهنا لا نتحدث عن تمكين كوارث النكبة الأولى، بل عن هذه الهبات الهائلة التي يتمتع فيها المشروع الصهيوني في عهد التصهين العربي الحالي، بالحصول على طُمأنينة مقابل شيطنة أصحاب الأرض والضحايا، والاستحواذ على غاز وكهرباء وماء وأرض عربية، ومشاريع بأموال عربية تقود لنهضة مستعمرات استيطانية، لأن مقاومة الشعب العربي لإرهاب أنظمة تناسلت من سايكس وبيكو وتحكم بدستور"وعد بلفور"؛ صارت توصف بـ"الإرهاب والمؤامرة" منذ زمن بعيد، وتقوم الأنظمة بتحديث التوصيف كلما تعرض كرسي الحاكم لخطر.