هل أصبحت قواعد التعايش السلمي بين القوتين الصينية والأميركية غير موجودة؟ حتى الأمس القريب، لم تكن الصين تطعن في زعامة الولايات المتحدة للعالم، ولم تكن هذه الأخيرة تولي اهتماما لطبيعة النظام الصيني. أما اليوم، فقد باتت بكين تطالب بالمرتبة الأولى عالمياً، وبالمقابل، لم تكف واشنطن عن انتقاد الصيني. صحيح كان هناك توتر من جانب الصين، فإنه لا يمكننا القول إن الصين كانت نظاماً مفتوحاً وشفافاً وليبرالياً انغلق على نفسه، ذلك أنه عندما أقام ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر شراكة استراتيجية مع ماو تسي تونغ في 1972، لم تكن الصين دولة ديمقراطية تنعم بالهدوء والطمأنينة. صحيح أن حجة القيود على الحرية في الصين حقيقية وموجودة، ولكنها ليست السبب الحقيقي لمعارضة الولايات المتحدة، بل الدافع الحقيقي هو تزايد قوة الصين.
غير أنه لا يوجد إغراء من جانب الزعماء الصينيين لإعلان تفوق النموذج الغربي، بل على العكس تماماً. النموذجان يتواجهان في وقت يسود فيه شعور بولايات متحدة تراكم الصعوبات بسبب تدخلاتها العسكرية المكلِّفة مالياً وسياسياً من حيث الهيبة والمكانة واستراتيجياً، وصين تتقدم بشكل منهجي في الهيئات متعددة الأطراف التي هجرها دونالد ترامب بطريقة غير عقلانية، كما في مضاعفة العلاقات الثنائية. ونتيجة لذلك، باتت الصين اليوم الشريك التجاري الأول لنحو 120 بلداً في مقابل 60 بلداً بالنسبة للولايات المتحدة.
في أبريل 2019، وفي مكالمة هاتفية بين دونالد ترامب والرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، أراد من خلالها الرئيس الأميركي آنذاك شكر سلفه على دعمه في محاولة التفاوض مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، تناول الرجلان المشاكل التي يطرحها تزايد قوة الصين، فقال جيمي كارتر التالي: «لقد أقمنا علاقات دبلوماسية في 1979، عندما كنت رئيساً. ومنذ ذلك التاريخ، كانت الولايات المتحدة في حالة حرب باستمرار، بينما لم تكن الصين كذلك أبداً».
ومما لا شك فيه أن هذا أحد العوامل التي تفسّر التدارك الصيني، وإن لم يكن السبب الوحيد بكل تأكيد.
والأكيد أن الصين لن توقف تزايد قوتها لأن ذلك يثير قلق الولايات المتحدة. ولكن، هل من وسيلة لإيجاد طرق لتقنين التنافس والتعاون بين البلدين؟ اللافت هنا أن كليهما أعاد إطلاق سباق التسلح، وأنه ليس هناك أي طريق للدعوة إلى سياسة جديدة للحد من التسلح وتخفيف التوتر ووضع تدابير لبناء الثقة، والتي سمحت مع ذلك بخفض التوترات بين موسكو وواشنطن.
من السهل فهم الرغبة الصينية في نسيان قرن الإذلال، غير أن هناك قبولاً أقل للاعتقاد بأن قرن إعادة البناء يمكن أو ينبغي أن يكون متبوعاً بقرن الهيمنة. ثم إن سياسة تعددية الأطراف، مثلما تراها الصين، ليس لديها دائماً التعريف نفسه الذي تعتمده العواصم الأخرى، ذلك أن إغراء الاستفادة من علاقات القوة، التي تُعد مفيدة جداً في العلاقات الثنائية، يثير قلق العديد من الشركاء. وإذا كانت بلدان تكتل «آسيان» تخشى مواجهة بين بكين وواشنطن، فإن بعضها يَعتبر أن الإبقاء على وجود أميركي يمثّل ضمانةً للمستقبل. وعليه، فإن الخطر بالنسبة للصين يكمن في إمكانية أن تسقط بدورها في دوامة الغطرسة. ومما لا شك فيه أن بكين تسعى إلى التذكير بأنها لم تكن يوماً إمبريالية، وأنها لم تكن لديها عقلية الغزو. والحال أن التاريخ يشير إلى أن كل قوة أولى في العالم أرادت استخدام تلك القوة من أجل فرض إرادتها على الآخرين.
ألم تكن هناك في التاريخ أبداً قوةٌ مهيمنة لم تُرد استغلال وضعها كقوة؟ ثم لماذا قد ترغب الصين في أن تمثّل استثناء؟
وإذا كانت الولايات المتحدة قد اختارت على ما يبدو طريق المواجهة وسباق التسلح من أجل الحفاظ على هيمنتها، فإنه يجدر بأوروبا أن تبين عن صرامة واستعداد وأن تدافع عن مصالحها الخاصة.
(الاتحاد الإماراتية)