بين الماضي والحاضر، تقف العقلية
الإصلاحية حائرة بين الماضي المتحضر والحاضر المتعثر، في الخلافات والاختلافات أيضا في الآمال والطموحات، حتى النموذج المنشود مرتبط بالماضي؛ لأنها ترى
التاريخ والماضي بصورة انتقائية فترى فيه النموذج الأمثل، ولو استكملت الصورة لوجدت أنه زمن مثل باقي الأزمان، له وعليه.
نمط البقاء في الماضي المتحضر هو في الغالب هروب من
الحاضر المتعثر؛ بسبب غياب البدائل والحلول في المناهج والبرامج والوسائل والإجراءات والكفاءات.
وهي أمام عدة مشكلات:
أولها، السعي إلى قمة البرج رغم غياب الإمكانات المطلوبة بل والمعاناة في القاع.
وثانيها، عدم امتلاك كفاءة الاقتباس؛ لا من ماضيها المتحضر ولا من حاضر غيرها المتقدم.
وثالثها، تبادل تصدير الأزمات، فأنظمة الحكم المستبدة ترى أن قطاعات من الشعب هي سبب ما نحن فيه، وقطاعات من الشعب، خاصة النخبة، ترى أن الأنظمة وقطاعات أخرى من الشعب سبب ما نحن فيه. وهكذا نلف وندور، وبالطبع لا أحد يرى في نفسه مشكلة ولا سببا.
مشكلات الحاضر أكثر تعقيدا وتحتاج حلولا أكثر إبداعا وتخليقا، صناديق المشكلات بحاجة لمفاتيح مناسبة لطبيعة النوع والمحتوى، وليس مفاتيح مرت عليها عشرات ومئات السنوات تغيرت فيها الخزائن وما تحتويه من مشكلات.
التعامل مع بعض الأقوال والأمثال والشعارات الماضية التي تناسب الأحداث وقتها، وكأنها قانون كوني معناه أننا خارج المنهج العلمي في التفكير والتدبير، فلكل زمان قضاياه وما يناسبها من أفكار وأدوات وحلول ومعالجات، واستدعاء الماضي في كل الأحداث ظلم للماضي ومصادرة للحاضر وإنهاء للمستقبل.
مثال: مقولة الإمام مالك رضي الله عنه، لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها، يبقى السؤال الأهم: كيف؟!
كيف نجعل القواعد العامة والكليات والتوجيهات الدينية العظيمة أسسا لبناء نظم وبرامج ووسائل وإجراءات نتعامل بها مع مشكلاتنا في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والحكم والصحة والتعليم؟!
ومع ذلك، صلاح أول الأمة عالج إشكالية الاعتقاد المنحرف، واستكمل بناء منظومة القيم والأخلاق التي كانت موجودة أصلا: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وعندما انتقلت المشكلات من مجال الحياة العامة البسيطة إلى مربعات الحكم والسلطة وإدارة شؤون البشر والحياة؛ كانت السيوف والدماء بين خير الصحب وخير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينجح الكثيرون في اختبارات السلطة والحكم والاستبداد والحرية، هذا لا يقلل من قيمة أحد لكنها طبيعة الموضوعات المعقدة بين البشر وليس الملائكة.
نحن بحاجة لمنهج يعالج الفقر والجهل والمرض وسوء الأخلاق وسوء الإدارة والفساد المستشري.
نحن بحاجة لمنهج جديد يناسب مشاكلنا في المعرفة والتعليم والثقافة والسلوك والحريات والعلاقات المحلية والإقليمية والدولية.
نحن بحاجة لمنهج وتصورات عملية وبرامج تفصيلية وكفاءات تنفيذية ونظم رقابية، كما هو متبع في دول العالم المتقدم.
باختصار نحن بحاجة إلى:
- نظم وبرامج تلبي الاحتياجات وتحل المشكلات.
- كفاءات متنوعة متكاملة تفكر وتخطط وتنفذ وتراقب وتقوم وتطور، علما بأن المطلوب السابق هو مسؤولية دولة ومؤسسات وأجهزة لأنه ليس في إمكانية جماعة أو تيار إلا من باب المشاركة وتقديم بعض النماذج ليس أكثر، والمطلوب فعل الممكن المتاح في مجال التفكير ونشر الوعي قدر الطاقة حتى تتغير الأجواء فيتغير الإجراء. لكن فهم الوضع العام بمتطلباته جزء أساسي لاستيعاب كيف يكون التغيير والتجديد؛ حتى لا نظل ندور في حلقة مفرغة تستنزف الأعمار والموارد معا.
عودة إلى العنوان: لماذا الإسلاميون نموذجا؟!
- لأن رفع الشعارات واستدعاء الدين في كل المسائل يواجه إشكاليات وتحديات في الفهم والتطبيق.
- أيضا استدعاء الدين بسبب ودون سبب، دون إعمال العقل والاجتهاد، سيضع الدين في الزاوية بأنه غير قادر على تلبية المطلوب، وسيضع المتدينين الذين لا يملكون إلا الشعارات ويفتقدون للبرامج والتفصيلات على أسنّة رماح احتياجات الخلق دون حلول، بل قد يصل ببعضهم العجز واليأس وربما أبعد من ذلك، وقد حدث.