نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفية نسرين مالك بدأته بالتساؤل: كم هي قيمتك؟ لا أقصد ما هو مجموع أصولك المالية. أعني، كإنسان، إذا توصلت إلى صيغة ما لتحديد القيمة الخاصة بك، فكيف ستفعل ذلك؟ إذا كان ذلك صعبا للغاية، اسمحوا لي أن أعيد صياغة السؤال لجعله أكثر تحديدا. من يُقدرك؟ من الذي يعرفك ويحبك ويهتم بأمرك؟ من الذي يبحث عن صحبتك، ومن سيفتقدها، ومن الذي ستكون حياته أفقر بغيابك؟
وتقول الصحفية: ربما تكون الإجابة هي كل شخص علاقته بك ليست علاقة مصلحة، وعاطفته تجاهك غير مشروطة، وتكون بالنسبة له شخصا فريدا ولا يمكن الاستغناء عنه. جميع الأدوار الأخرى لدينا، كموظفين، ومستهلكين، ودافعي ضرائب، هي أدوار غير شخصية. لا نفكر في أنفسنا كوحدات تستمد قيمتها من تقديم مساهمة قابلة للقياس في الاقتصاد. لا نستيقظ في الصباح ونهنئ أنفسنا على المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي لبلدنا.
وبالمثل، إذا مررنا بأوقات عصيبة، فإننا لا نوبخ أنفسنا شخصيا لكوننا عبئا على الاقتصاد. لا يتشكل إحساسنا بالذات من خلال حسابات ما نضعه وما نحصل عليه من وعاء مشترك من السلع والخدمات، ولكن من خلال أشخاص آخرين، والعلاقات الثرية والمثرية التي نشكلها معهم.
وتعلق قائلة: إن نظام الهجرة يعتمد في بريطانيا والنهج تجاه الغرباء على عكس هذا التعريف للقيمة. فلا يتم تقدير الأشخاص الذين يحاولون دخول المملكة المتحدة بناء على هذه المعايير الإنسانية، مثلنا، ولكن بدلا من ذلك يُنظر إليهم على أنهم وحدات عديمة القيمة من العوائق الاقتصادية. يصبح دخولهم إلى هذا البلد مسألة تتعلق بما سيأخذون ويستهلكون، وما هي الموارد التي سيأخذونها منا، وكيف ستضعف ثقافتهم الثقافة السائدة وتهددها. عندما يغرقون وهم يحاولون الوصول إلى شواطئنا، لا نلوم وفاتهم على حقيقة أننا لم نقم بإعداد طرق آمنة، مما يجبرهم على حمل أطفالهم في ألعاب مطاطية عبر القناة. وبدلا من ذلك، نفرض المنطق القاسي للحدود والاستحقاقات.
والحجة أنه يجب أن يكون هناك نظام، فأولئك الذين يأتون إلى هنا لمجرد الحصول على احتياجاتهم، بغض النظر عن مدى إلحاح هذه الاحتياجات، بدلا من المساهمة بشيء، فيجب استبعادهم. يجب كسب مكان في المملكة المتحدة والقيمة العالية للحياة التي يتم تخصيصها داخل هذا البلد، بدلا من منحها مثل الصدقات لكل من يسأل.
وتطرح الكاتبة سؤالا آخر على القارئ [البريطاني]: هل كسبت هذا المكان [بجدارة]؟ هل كان عليك، في أي وقت، أن تمر بسلسلة من العقبات، وتجارب الاقتراب من الموت، والتشرد، واختبارات الولاء للفوز بمكانك في قمة السلسلة الغذائية البشرية؟ هل تعتقد، عندما أجريت هذا التمرين لمعرفة قيمتك في سوق الحياة، أنك عملت بجد لكسب عاطفة وتفاني أولئك الذين أنت مهم بالنسبة لهم، أم أنك مستحق لذلك ببساطة لأن هذا ما يفعله الناس - الحب والاعتناء ببعضهم البعض؟
الحقيقة هي أنه لا أحد يفوز بمكانه في المملكة المتحدة [بجدارة]؛ بالنسبة لمعظم الناس، يكون ذلك نتيجة الحظ والظروف، وليس لديهم حق في ملكيتها أكثر من الأشخاص الذين يخاطرون بحياتهم للوصول إلى هنا. إذا كان هناك أي شيء، فإن هؤلاء الأشخاص يعملون بجد من أجل هذا المكان، بدلا من مجرد أن يولدوا فيه. الحدود ليست حوادث ـ لكن الولادة داخلها مجرد حادث. حياتك كلها عبارة عن حظ عشوائي. فأنت لا تستحق أن تكون هنا، أكثر مما يستحق أي شخص آخر ألا يكون هنا.
هذه ملاحظات واضحة ومبتذلة تقريبا. لكن الكثيرين سيقاومونها. حتى لو اعترفوا بصدقها، سيشعر الكثيرون بالحاجة إلى المجادلة ضدها. ذلك لأن هيكلين سياسيين كبيرين سيطرآن على طريقة تفكيرنا لفترة طويلة، وتم تقديمهما كحقائق وليس خيارات.. يجب فرض هذه الحدود العرضية بأكبر قدر ممكن من الدقة، ونحن كأفراد في مجتمعات السوق الحرة، نحن المهندسون الوحيدون لازدهارنا. هاتان الكذبتان تسمحان بزيادة الثروة في أيدي القطاع الخاص وتضمنان تقاسم أقل قدر ممكن منها، سواء من خلال ضرائب أعلى أو حدود أكثر انفتاحا أو زيادة الإنفاق العام.
إذا أصبحت مقتنعا بأنك فزت بمكانك على هذه الأرض من خلال الكسب غير المشروع، فمن المرجح أن تدعم السياسات والأيديولوجيات الاقتصادية التي تسهل اكتناز الموارد. يصعب التخلي عما لديك عندما تعتقد أن من هم في حاجة إليه حصلوا على نفس الفرصة التي حصلت عليها لكنهم ببساطة لم ينجحوا.
في المملكة المتحدة، قمنا بإتقان إطار يتم من خلاله تصوير الضعفاء على أنهم يفتقرون للمبادرة. صنعت بريطانيا رياضة وطنية لإدانة المهاجرين والأمهات العازبات والأشخاص الذين يحصلون على إعانات ـ مجموعة كاملة من الشخصيات التي تجرأت أن تولد محتاجة. إنهم يدعمون الوهم الوطني المتمثل في [النظام القائم على] الجدارة الكاملة، من المستحقين والذين لا يستحقون، والذي بدوره يدعم حدودنا المغلقة ومحافظنا وقلوبنا.
هذا هو السبب في أن الناس يتجاهلون ويمضون في حياتهم عندما يموت الآخرون في المياه الباردة للقناة. هذا هو السبب في أنه لا شيء يتغير. هذا هو السبب في أننا نفشل في فهم كيف تم تشكيل تاريخنا بأكمله كبشر من خلال حتمية وضرورة حركة الناس. الشيء الوحيد الذي ليس من قبيل الصدفة هو أنك إذا عدت بعيدا إلى الوراء بما فيه الكفاية، فإن الجميع يولدون في مكانهم لأن شخصا ما في سلالتهم، في مرحلة ما، تحرك عمدا للعثور على مكان أكثر أمانا لذريته. منحوا أحفادهم احتمالات أفضل. الشيء الوحيد اللائق الذي يجب فعله هو توزيع هذه المكاسب.
ttps://www.theguardian.com/commentisfree/2021/nov/29/migrants-earn-place-britain-people-channel
إيكونوميست: مأساة "المانش" كشفت حسابات حكومة جونسون
وزير بريطاني سابق: المقاومة مشروعة و"أثر مريع" لحظر حماس
هيرست يهاجم تصنيف بريطانيا لحماس إرهابية ويوضح تداعياته