قضايا وآراء

لبنان بانتظار زيارة ماكرون الخليجية.. الحلول بين الانتخابات أو التسويات؟

1300x600
على وقع انتظار الزيارة الماكرونية إلى الخليج العربي، يترقب لبنان ما ستحمله من نتائج في ظل موقف سعودي واضح منعكس على كل الخليجين بمقاطعة لبنان الرسمي حتى إيجاد حلول لمعضلة حزب الله- المملكة العربية السعودية، وعلى الأمل والثرثرة والكلام الذي يطلق من هنا وهناك ووعود البرامج الدولية للدعم (والبعض يسميها للشحادة). ومن برنامج أمان إلى إطلاق منصة البطاقة التمويلية الغارقة منذ الحكومة السابقة وحتى اليوم؛ تارة من أين تمويليها وطورا يتم ربطها بالظروف التي تحكم البلاد وتحكم حاكميه، فلا حكومة ولا اجتماعات، وملفات عالقة بالجملة والمفرق حتى غدت الحكومة إما حكومة تصريف أعمال مقنعة أو بأحسن الأحوال حكومة لجان بالقطعة.

وعلى فقاعات الأحداث المتنقلة يمرر اللبنانيون يومهم الحزين بانتظار الفرج، وأي فرج يأتي وأهل الحكم في واد والناس في واد والمجتمع الدولي في واد آخر بعيد. وعليه لا يختلف عاقلان على أن لبنان بكل أزماته الداخلية المتشعبة بات واقفا على قارعة الطريق الدولية استنجادا بالحلول، في ظل المشاكل المالية والنقدية والاقتصادية؛ حيث الحديث عن صندوق النقد والاتفاق المنشود الذي لن يبصر النور قريبا، إما بسبب هزلية التعاطي اللبناني برغم الأحاديث المتزايدة عن الاتفاق وإما بسبب رغبات الواهب (الطرف الآخر)؛ أي صندوق النقد.

إن المطلع على آليات اتفاقات صندوق النقد يدرك بما لا يقبل الشك أن الطريق للوصول إلى الاتفاق المنشود طويل جدا ومتعثر، فهو سيرتبط بجملة أمور مختلفة الصعد؛ تبدأ من الاتفاق السياسي المفقود الضائع في جهنم الحكم والحكومة من جهة، والتحديات والعنتريات المتجسدة في جوهر النظام نفسه من جهة أخرى، حيث لا صوت للأكثرية ولا قدرة لبلورة صورة واحدة، وكأننا ما زلنا تحت حكومة الرئيس دياب السابقة. فالوفد وفود، والنظرة الواحدة نظرات مختلفة، والرؤية الواحدة مجموعة رؤى، و"كل يغني على ليلاه وأنا على ليلي أغني"، على رأي السيدة ماجدة الرومي التي صرخت في برية السياسيين والناس من دبي ولكن الآذان صماء.

بموازاة الحكومة الغائبة عن اجتماعاتها هناك أخطار سياسية تحدق بها حتى التفجير، فأي مساس بالقاضي البيطار أو اللعب على وتر تطيير الانتخابات أو تأجيلها سيكون مهلكة الحكومة، فملفات المرفأ والقضاء والانتخابات باتت تحت المجهر الدولي؛ إما للبازار المفتوح في لعبة المنطقة وإما لغايات قد تكون أكبر من لبنان نفسه وطاقته على الاحتمال.

وعليه، كيف السبيل إلى اتفاق صندوق النقد وهو لا زال رغم الخسائر مبهما؟ فالبعض يؤكد وبحسب الدراسات أن الخسائر في ميزانيات مصرف لبنان والمصارف ستتجلى على الشكل التالي: 64 مليار دولار من مجموع الخسائر في ميزانية مصرف لبنان، و18.2 مليار دولار من مجموع الخسائر المباشرة في ميزانيات المصارف. وبالتالي الكل يشتري الوقت على حساب المودعين، وأموالهم أي أن الانخفاض في تقدير الخسائر يعود إلى استمرار تدهور الليرة منذ ما يقارب السنة ونصف السنة، وهذا الفرق تحمّله المواطنون والمودعون من خلال "الهيركات" على السحوبات والتضخم. فالهدف المنشود من قبل المنظومة (السلطة السياسية مصرف لبنان والمصارف التجارية) هو تمرير الخسائر للمواطنين، والتهرب من تحمل المسؤولية على قاعدة أخذ الأرباح وتقاسم الخسائر. وعليه، كلما طالت الأزمة كلما انخفضت الخسائر على المنظومة وتحملها الحملان التي لا تحتمل، ولا زال أصحاب الصوف الوفير من الأموال يسرحون ويمرحون بلا كابيتال كونترول.

ثم من قال إن الحكومة قادرة على أن تمشي بخطة صندوق النقد التي لن يجرؤ أحد من القوى السياسية على تبنيها على أبواب انتخابات؟ فمن يجرؤ على زيادة الضريبة على القيمة المضافة والناس يكادون يلفظون أنفاسهم جوعا، والتقارير الدولية تقول إن 82 في المائة من اللبنانيين في حالة الفقر؟ ثم من يجرؤ على استكمال التحقيقات المالية والتدقيق الجنائي والوصول إلى نتائج الهدر والسرقات ومرتكبيها لتوحيد أرقام الخسائر والفجوة، حيث الشفافية مطلوبة من صندوق النقد؟ وللمفارقة، فقد رشح عن شركة التدقيق الجنائي ألفاريز آند مارشال نيتها بالانسحاب من عقد التدقيق بسبب تملص مصرف لبنان من مدها بالداتا المطلوبة.

فأحد أهم شروط التعافي المطلوبة من الجهات الدولية هو التدقيق في عمليات مصرف لبنان، وتحديداً للسنوات التي أعقبت العام 2016 لتقييم انكشاف المصارف على المركزي، وبالتالي الخروج بالرقم الحقيقي للخسائر الذي يجب على الدولة والقطاع المصرفي تحمله بدلاً من نقله إلى المودعين و"شقا" أعمارهم.

ثم ماذا عن أسعار الصرف المتوالدة والمتكاثرة كالبيض الصناعي ما بين 1500 لمصرف لبنان و3900 للمصارف ودولار جمركي ودولار منصة صيرفة ودولار السوق ودولار المحروقات ودولار الدواء؟ فهل من السهل ونحن نشعر ضمنيا بتحرير سعر الصرف أن يتوحد ويبقى صامدا عند الرقم الذي يساعد خطة التعافي، علما أن الكتلة النقدية آخذة في الصعود المخيف والمريب في آن. وبالتالي، كيف السبيل لتوحيد سعر العملة الخضراء مع الحديث عن رفع الدولار الجمركي ووقف التهريب وضبط الحدود لزيادة الجباية، وهو مطلب أساسي من المجتمع الدول وصندوق النقد؟ فهل هناك خطة أمنية قادرة في ظل التشعب الحدودي من جهة وقوة المهربين من جهة أخرى، والظرف الاقتصادي الضاغط الذي يفتك بأهل الأطراف؟

وكذلك، أليس المجتمع الدولي ومعه البنك الدولي ونادي باريس قد خطّوا رؤية مؤتمر سيدر، حيث المطالبات بخفض عدد موظفي القطاع العام وترشيق وتنشيط القطاعات العامة، وفي مقدمها قطاع الطاقة والكهرباء، حيث عين المجتمع الدولي. ونذكّر بما قاله ناظر مؤتمر سيدر السفير بيار دوكان الذي شدد على ضرورة الإسراع في إطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وضرورة التوصل إلى اتفاق قبل نهاية السنة. وأكد على أنه في حال تم التوصل إلى هذا الاتفاق وتم تنفيذه، فقد تسعى فرنسا إلى تنظيم مؤتمر دولي لتقديم مساعدة مباشرة لميزانية الدولة، كما شدد على المباشرة بتنفيذ الإصلاحات، وتوحيد الموقف اللبناني خلال المفاوضات!!

من الواضح أنه لا سيد الإليزيه ولا سواه يستطيع تلين الموقف الخليجي-السعودي من لبنان، حتى وإن استقال الوزير قرداحي فالوقائع تشير إلى أننا في لعبة المراوحة بين الداخل والإقليم المتداخل مع الاتفاقات الدولية التي قد تلحف لبنان ببصيص أمل؛ إما عبر تسويات كبرى أو عبر صناديق الانتخابات، غير أن الواقع مرير وليس بالسهل، والناس محبطون واليأس يأكل أيامهم والدولار المتفلت يقسم ظهورهم.