تحولت مصر في غضون أقل من عامين إلى أكبر مشتر للغاز الطبيعي من إسرائيل في العالم مع بدء تدفق الغاز إليها مطلع عام 2020 في صفقة تاريخية تجاوزت قيمتها 19.5 مليار دولار لمدة 15 عاما وتعزيز هذه الصفقة باتفاقيات أخرى لزيادة كميات الغاز تعود بفوائد جمة للجانب الإسرائيلي ماديا وسياسيا، بحسب خبراء ومراقبين، ولكنها قد تضر بقوة بأمن مصر القومي.
تعتزم مصر زيادة واردات الغاز من إسرائيل إلى 600-650 مليون قدم مكعبة يوميا بحلول الربع الأول من عام 2022 (بدلا من نحو 500 مليون قدم مكعبة يوميا) بدعوى إعادة تصديره، ما يتطلب بناء خط أنابيب بري جديد يمكن تركيبه في 2024-2025، بحسب تصريحات وزير البترول المصري طارق الملا.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن من شأن الخط البري الجديد أن يعزز وضع إسرائيل كمركز رئيسي للطاقة في شرق البحر المتوسط؛ بعد أن تمكنت من تصريف المخزون الهائل من الغاز إلى مصر وتوريد 5 مليارات متر مكعب سنويا من الغاز، حيث لا تمتلك إسرائيل محطات لتسييل الغاز كما في مصر، ولا توجد أي أنابيب غاز مع دول الجوار في الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
ونهاية الشهر الماضي، وقعت مصر وإسرائيل، على هامش منتدى غاز شرق المتوسط السادس الذي عقد بالقاهرة، مذكرة تفاهم لإمكانية زيادة إمدادات الغاز بهدف إعادة التصدير، واستخدام خط الأنابيب القائم لنقل الهيدروجين بالمستقبل.
اقرأ أيضا: اتفاق يقضي بزيادة حصة صادرات الغاز من الاحتلال إلى مصر
مصر تفتح باب الحظ لإسرائيل
وحذر باحثون ومتخصصون في قضايا الغاز والاقتصاد السياسي في تصريحات لـ"عربي21" من تمادي السلطات المصرية في عقد مثل تلك الاتفاقيات التي تعد بمثابة طوق النجاة لإسرائيل من الاختناق بالغاز الفائض لديها ولا يوجد له مخرج غير مصر، ومن شأنها أيضا أن تعزز اقتصادها ودعم موازنتها بجني مليارات الدولارات فضلا عن المكاسب السياسية والأمنية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، وصف صفقة بيع الغاز إلى مصر في شباط/فبراير 2018 "بالتاريخية"، وأن الاتفاق لن يعزز اقتصاد وأمن إسرائيل فحسب، لكنه سيعزز أيضا علاقاتها الإقليمية، مشيرا إلى أن الاتفاق "يوم عيد".
وذكرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في عام 2010 أن منطقة حوض شرق المتوسط منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي وتقدر كمية الغاز الطبيعي بنحو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي تقريبا، بالإضافة إلى ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج، لكن ما نصيب إسرائيل من تلك الكميات الضخمة؟
خدمات لا تقدر بثمن
اعتبر الباحث السياسي والمتخصص في شؤون الطاقة وقضايا الشرق الأوسط، خالد فؤاد، أن "الحكومة المصرية تقدم لإسرائيل خدمات لا تقدر بثمن من خلال زيادة كميات الغاز التي تم التعاقد عليها أكثر من مرة، بدأت باتفاق وصفته إسرائيل بالتاريخي عام 2018 وتضمن توريد 64 مليار متر مكعب بقيمة 15 مليار دولار ثم زيادة الكمية إلى 85 مليار متر مكعب بقيمة 19.5 مليار دولار لمدة 15 عاما، ثم زيادة الكميات مجددا من خلال مذكرة تفاهم بين البلدين ما يعني أنه من غير مصر لا توجد بوابة أخرى لتصريف الغاز الفائض لدى تل أبيب بكميات ضخمة".
وأكد في حديثه لـ"عربي21" أن إسرائيل لا تملك أي وسيلة لتصدير الغاز المكتشف في شرق المتوسط إلا من خلال مصر – هناك اتفاقية مع الأردن لكنها محدودة مقارنة بحجم الإنتاج – وهناك خطط إسرائيلية كثيرة لتصريف الغاز إلى تركيا أو عبر قبرص لكنها لا تزال خططا، وتحتاج إلى وقت ومال أيضا، على عكس مصر التي يمكن تزويدها بأي كمية مع زيادة حجم أو سعة الخطوط معها.
وأشار فؤاد إلى أن "هناك تعاونا وثيقا وغير مسبوق بين مصر وإسرائيل في مجال إنشاء خطوط غاز جديدة بريا وبحريا بينهما لاستيعاب المزيد من الغاز الإسرائيلي، وجزء من هذه الكميات للتصدير بعد إسالته في محطتي دمياط وإدكو، والجزء الآخر للاستعمال المحلي دون شك رغم نفي الجانب المصري".
في أيلول/ سبتمبر 2016، وقعت الأردن وإسرائيل اتفاقا لشراء 300 مليون قدم مكعب من الغاز الإسرائيلي يوميا على مدى 15 عاما، بلغت قيمته عشرة مليارات دولار، وفي مطلع عام 2017 استقبل الأردن، أول صادرات الغاز الطبيعي في تاريخ إسرائيل.
اقرأ أيضا: اتفاق رباعي لتزويد لبنان بالغاز المصري عبر الأردن وسوريا
تواطؤ لا تعاون
فيما حذر الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية الدكتور مصطفى يوسف، من مغبة ما وصفه "بالخطأ التاريخي والإستراتيجي"، وقال إن "نظام السيسي يقدم خدمات كبيرة للكيان الإسرائيلي على حساب الأمن القومي المصري بلا شك، وسوف تدفع مصر فاتورة هذا التواطؤ وليس التعاون كما يقال في الإعلام المصري".
وأكد في حديثه لـ"عربي21" أن "الكيان الإسرائيلي يجني فوائد ضخمة لم يوفرها له أي نظام سابق من خلال شراء كل الكميات التي يرغب الكيان في تصديرها والاستفادة من ثمنها على أكثر من وجه سواء اقتصاديا بملء خزائن دولة الاحتلال أو سياسيا وأمنيا بتعزيز علاقاتها الإستراتيجية بمنطقة شرق المتوسط، ومساعدتها في أن تصبح مصدرا للطاقة بالمنطقة".
من هذا المنطلق – وفق يوسف – نفهم التقارب الكبير بين نظام السيسي وحكومات تل أبيب المتعاقبة، واستفادة مصر محدودة من إعادة بيع الغاز الطبيعي لأن الشركات الأجنبية تمتلك أغلب حصص محطتي إسالة دمياط وإدكو، وشراء الغاز الإسرائيلي يساعد الكيان الإسرائيلي على شراء الأسلحة والإنفاق ببذخ على الجيش وتعزيز أمنه والتفوق على نظيره المصري من جيوب المصريين".
مصر ترفع أسعار أسطوانة البوتاغاز 8% بعد "صفقة مع الاحتلال"
مؤشرات البورصة المصرية تتراجع وتخسر 11 مليار جنيه في دقائق
مصر توقع مذكرتي تفاهم مع الاحتلال واليونان بشأن الغاز