لم ييأس الاتحاد الأوروبي من إمكانية حشد الاصطفاف من خارج البيئة السياسية المدنية ومنظومتها الحزبية ومؤثريها؛ من الزعماء السياسيين وقادة الرأي والمؤثرين في الفضاء الإعلامي والقيادات الاجتماعية، أملا في الحصول على تأييد سلامٍ يراد له أن يكافئ مجرمي الحرب ويقر بأحقيتهم في المكاسب التي وضعت بأيديهم بقوة السلاح خلال حرب السنوات السبع الماضية.
ثلاثة
مؤتمرات يقف خلفها الاتحاد الأوروبي وتستهدف زعماء قبليين مفترضين، عقدت خلال هذا العام، وأول مؤتمر عقد لهذه الفئة المنتقاة أوروبيا كان في مدينة إسطنبول التركية في كانون الثاني/ يناير، فيما عقد المؤتمر الثاني في أيلول/ سبتمبر بمدينة توليدو الإسبانية، وآخرها مؤتمر بدأ اليوم الأحد في العاصمة الأردنية عمَّان، لمجموعة غير معلن عنها ويوصف أعضاؤها بأنهم زعماء
القبائل اليمنية. وهو توصيف مبالغ فيه إلى حد كبير، إذ أن ثمة احتيال في انتقاء الشخصيات ومعظمها منخرطة في السياسة ضمن هياكل حزبية، لكنها تتطوع في الغالب للعب دور تعتقد أنه سيعزز من حظوظها في أداء دور سياسي خلال المرحلة المقبلة الغامضة الملامح.
المؤتمرات الثلاثة نظمت تحت لافتة مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إذ لا يرغب الاتحاد الأوروبي على ما يبدو في أن يظهر طرفاً أصيلا وفريداً، حتى لا تتكشف أجندته المشبوهة وهو يمضي قدماً في اختصار المشهد السياسي المتأزم والمعركة المحتدمة الراهنة؛ إلى مجرد صلح قبلي يؤمن لأحد أكثر أطراف الحرب سوء فرصة لقطف ثمار حربه على اليمنيين، ومن ثم ضمان بقاء اليمن في عهدة جماعة دينية متطرفة فقط لأنها تختلف عقائدياً مع الغالبية العظمى للشعب اليمني.
اختصار المشهد السياسي المتأزم والمعركة المحتدمة الراهنة؛ إلى مجرد صلح قبلي يؤمن لأحد أكثر أطراف الحرب سوء فرصة لقطف ثمار حربه على اليمنيين، ومن ثم ضمان بقاء اليمن في عهدة جماعة دينية متطرفة فقط لأنها تختلف عقائدياً مع الغالبية العظمى للشعب اليمني
الاتحاد الأوروبي وسفراء دوله في صنعاء كانوا سعداء جدا بسقوط صنعاء بأيدي
الحوثيين، لم يقلقوا ولم يهيئوا أنفسهم لمغادرة العاصمة، بل كانوا مطمئنين جداً، وسُجلت الابتسامات العريضة على شفاهم وهم يرقبون الوضع من شرفات السفارات، ويستأنسون بوقاحة بمشهد سقوط العاصمة بأيدي مراهقين شديدي التخلف؛ غالبيتهم العظمى من ذوي الحظوظ المعرفية المتواضعة والمتسربين من المدارس الابتدائية وربما من الأميين.
والأخطر أنهم خرجوا للتو من معامل التحريض الطائفي والعقائدي التابعة لجماعة الحوثي في معسكرات صعدة النائية، التي أشرفت عليها إيران وحرسها الثوري، والعشرات من الخبراء الذين ينتمون إلى المنظومة الشيعية التابعة لها في المنطقة، لنحو عقدين من الزمن وتحت أنظار الأجهزة الأمنية لعلي عبد الله صالح الذي أثبتت الأيام تواطؤه في تمكين هذه الجماعة؛ تأسيساً على وعي طائفي مناطقي ظل مسيطراً عليه طيلة فترة حكمه، ورغبة في مجاراة الأجندة الغربية، وطمعاً في تأسيس عائلة سياسية عانى معها صالح من عقدة الانتماء إلى جذر اجتماعي شديد التواضع في سنحان الواقعة إلى الجنوب الشرقي للعاصمة صنعاء.
معظم مقاتلي الحوثي ينتمون إلى البيئة القبائلية المحيطة بصنعاء، ممن عاشوا في مناخ متوتر ولا تكاد يخلو من الصراعات بين المكونات القبلية، وذلك بتأثير التشجيع الخفي والمعلن من قبل متنفذي العهد الجمهوري، وفي مقدمتهم الرئيس السابق والمخلوع علي عبد الله صالح، الذي بقي حريصاً طيلة فترة حكمه على إذكاء النزاعات بين مكونات المنظومة القبلية ذات الإرث المذهبي (الزيدي) القائم أصلاً على مبدأ الصراع والنزاع بين رؤوسه، من أجل بلوغ السلطة، وظل يتعامل مع هذه المنظومة قاعدة أصيلة لحكمه الفردي المدعوم لفترة طويلة من اللجنة الخاصة السعودية (استخبارات).
أكثر ما يثير الغضب هو هذا الإصرار من بلدان ديمقراطية على ربط حل الأزمة والحرب في اليمن؛ بطرف غير مؤهل أصلاً لتقرير مصير دولة قطعت شوطاً كبيراً في التطور الديمقراطي، القائم على الفاعلين السياسيين المدنيين من أحزاب وجماعات سياسية، وكأن اليمن لا يستحق أن يؤسس دولة مواطنة عصرية
أكثر ما يثير الغضب هو هذا الإصرار من بلدان ديمقراطية على ربط حل الأزمة والحرب في اليمن؛ بطرف غير مؤهل أصلاً لتقرير مصير دولة قطعت شوطاً كبيراً في التطور الديمقراطي، القائم على الفاعلين السياسيين المدنيين من أحزاب وجماعات سياسية، وكأن اليمن لا يستحق أن يؤسس دولة مواطنة عصرية قوية وضامنة، والأسوأ من ذلك كله أن جهد الاتحاد الأوروبي يصب عمداً في خانة التمكين للجماعة الحوثية المنبوذة يمنياً.
ومع يقيني بعدم نزاهة الدور الأوروبي والغربي عموماً في سياق الأزمة اليمنية، فإنه المهم التوضيح بأن الجهود الأوروبية تتناغم مع جهود عبثية قام بها مبعوث الأمم المتحدة السابق مارتن غريفيثس طيلة ولايته التي امتدت ثلاثة أعوام تقريباً، بينما كان يحاول أن يؤسس دوراً للمرأة في إنهاء الحرب.
وإلا ماذا تعني هذه الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي معتمداً على بند مساعدات متاح؟ إذ لم يفقد الأمل في إمكانية أن يؤثر في مسار الصراع مستنداً على ركيزة انكسرت شوكتها وتراجع تأثيرها، بعد أن نجح الحوثيون في التفريق بين شيخ القبلية وأتباعه، بل بين الابن وأبيه وأمه وأسرته، لتتحول معه القبيلة كما سائر الشعب اليمني الخاضع لسلطة هذه الجماعة؛ إلى قطيع سائب تأخذ منه الجماعة الحوثية ما تريد من أموال ومقاتلين، دون انتظار لأي مكسب سياسي أو مالي أو تأثير اجتماعي.
twitter.com/yaseentamimi68