تعد تركيا إحدى الدول الفاعلة الرئيسة في الملف الليبي الذي يشهد زخما كبيرا في الآونة الأخيرة، ما يثير تساؤلات حول موقفها من المشهد السياسي الجاري والذي يتزامن أيضا مع مطالبات لسحب القوات التركية من البلاد.
وبجانب معاناة ليبيا من انفلات أمني، تتواصل خلافات حول قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بين مجلس النواب من جانب وبين المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) وحكومة الوحدة والمجلس الرئاسي من جانب آخر.
وبداية الشهر الجاري، شهدت أنقرة اجتماعا للجنة العسكرية المشتركة الليبية "5+5"، بحث فيه ملف إخراج المرتزقة والأجانب من ليبيا.
وأكد عضو اللجنة، فرج الصوصاع في مقابلة مع "سبوتنيك"، أن اللجنة طالبت تركيا بسحب القوات الأجنبية من البلاد، لافتا إلى ترحيب أنقرة بطلب اللجنة العسكرية شريطة أن يكون الانسحاب متزامنا من قبل جميع الأطراف.
وتعتبر تركيا وجودها العسكري في ليبيا شرعيا، وأنه تطبيق لاتفاقية أبرمت مع حكومة الوفاق الليبية السابقة؛ وترفض التعامل معها كقوات أجنبية يجب عليها الخروج من البلاد.
ومع زخم المطالبات بسحب القوات التركية من ليبيا، وما تشهده ليبيا من فوضى سياسية مع اقتراب موعد الانتخابات، تثار التساؤلات حول الموقف التركي من إبرامها في هذا الموعد في الوقت الذي يطالب فيه المجلس الأعلى للدولة الليبية بتأجيلها.
كالن: في حال التأجيل يجب توضيح الأسباب بشفافية
المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، أكد قبل أيام أن بلاده تؤيد إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وترى أنه في حال تأجيلها يجب توضيح الأسباب بشفافية للرأي العام والإعلان عن خارطة طريق محددة بشأنها.
اقرأ أيضا: المشري: 7 آلاف من مرتزقة "فاغنر" و30 طائرة نفاثة في ليبيا
وأضاف: "نعتقد أن ذلك مهم جدا من ناحية شرعية الحكومة القائمة وسلامة الخطوات التي سيتم اتخاذها حتى موعد إجراء الانتخابات"، مؤكدا على موقف بلاده بمواصلة الدعم للحكومة الشرعية مهما كانت نتيجة الانتخابات.
وفي 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، شدد مجلس الأمن القومي التركي، على وجوب تجنب الخطوات أحادية الجانب في ليبيا، من أجل إجراء الانتخابات بشكل قانوني وفي جو يسوده الهدوء.
وقال بيان المجلس: "دعونا المجتمع الدولي للوقوف في وجه الفاعلين الذين يستغلون المرحلة (الحالية) لمصالحهم الخاصة".
الكاتب التركي المختص بالشأن الليبي، أوفوك نجاة تاشجي، أكد أن تركيا كانت من البداية مؤيدة للعملية الديمقراطية والمحادثات التي عقدت في الأمم المتحدة، في بيئة يدعم فيها أعضاء مجلس الأمن مثل فرنسا وروسيا قوات حفتر الانقلابية، وسواء تم قبولها أم لا، فقد دافعت أنقرة عن العاصمة حتى يتمكن الليبيون من الذهاب إلى انتخابات ديمقراطية.
وأكد في حديث لـ"عربي21"، أن تركيا تمكنت من تغيير التوازنات على الأرض لصالح الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، ولذلك يجري الحديث الآن عن انتخابات في البلاد، فقد كانت الدولة الوحيدة التي استجابت بسرعة لطلب الحكومة الشرعية في مواجهة هجمات حفتر على طرابلس.
وتابع بأن تركيا منفتحة على أي مقترحات تعكس الإرادة الحرة للشعب الليبي، مشيرا إلى أن تصريحات كالن -حول أنه في حال تأجيل الانتخابات فيجب توضيح أسباب ذلك- كانت حتى لا يستغل أو يساء فهم الموقف التركي.
فوضى في ليبيا.. ولا التزام بالقرارات الدولية
وحول الوضع في ليبيا، أشار الباحث التركي، إلى أن الدولة الأفريقية تواجه دعما من الفاعلين الدوليين وأعضاء في مجلس الأمن لشخصيات غير شرعية، ويقدمون المساعدات العسكرية لها ويكسرون الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة، ولم يتم تنفيذ القرارات والخطط التي اتخذت تحت مظلة منتدى الحوار السياسي الليبي، والسبب الرئيس لذلك هو حفتر والدول الداعمة له.
الكاتب التركي إسماعيل جوكتان، أشار إلى أن تركيا ترفض أن يستولي أي طرف من الأطراف الليبية على السلطة بطريقة غير شرعية، وعند قراءة الواقع في ليبيا نلحظ أن الحكومة الشرعية غير قادرة على الوصول إلى جميع أنحاء البلاد لاسيما المناطق الشرقية الواقعة تحت سيطرة حفتر.
اقرأ أيضا: أيام على انطلاق الانتخابات الليبية.. وملامح التأجيل تزداد وضوحا
وأضاف في حديث لـ"عربي21"، أن أنقرة ترى أنه لم يتم تنفيذ بنود اتفاقية جنيف التي تنص على السماح للحكومة بالوصول إلى كافة أنحاء البلاد، وتوحيد المؤسسة العسكرية تحت مظلتها.
ورأى أن أنقرة ترفض ترشح بعض الأطراف غير الشرعيين في الانتخابات، لكنها لا تفصح عن ذلك، ومن المرجح أن هناك مفاوضات جارية بين أنقرة ودول داعمة لحفتر بهذا الشأن، مستدركا في الوقت ذاته بأن المفاوضات بين أنقرة وأبو ظبي تسير بشكل بطيء وإمكانية تأثير ذلك على ملف الانتخابات في ليبيا غير قوي.
وفي حديثه عن الانتخابات، أوضح نجاة تاشجي، أنه بحسب منظور القانون الدولي، تحتاج البلاد إلى إجراء انتخابات بعد عام واحد على الأقل من الترتيبات الدستورية وتنظيم القوانين الانتخابية، وقد بقي 11 يوما لموعد الانتخابات، ولكن لا يوجد دستور ولا قانون لتنظيمها.
وأوضح أنه يسن البرلمان هذه القوانين والأنظمة فيحب إجراء انتخابات نيابية أولا، والموافقة على الترتيبات الدستورية، ثم إجراء انتخابات رئاسية، ولكن هذا لم يحدث، وقد سمح لعقيلة صالح رئيس مجلس النواب الذي يتخذ من طبرق مقرا له، بتمرير ما تسمى قوانين الانتخابات التي ليس لها شرعية ولا بنية تحتية قانونية، دون تقديمها للموافقة البرلمانية، وقد فعل ذلك حتى يتمكن حفتر من الترشح للانتخابات.
وأضاف، أن المجتمع الدولي لم يتحرك لمواجهة ما تسمى قوانين الانتخابات التي تم ترتيبها دون استشارة الحكومة التي تم تشكيلها من خلال الأمم المتحدة، لافتا إلى أن أعضاء في برلمان طبرق احتجوا عليها، وقد ترتب عن ذلك فوضى مكنت فيها ترشح شخصيات مثل سيف الإسلام القذافي المتهم بارتكاب جرائم حرب، كما أن رئيس المفوضية العليا للانتخابات مشكوك به ولديه علاقات وثيقة مع فرنسا.
تساؤلات حول إجراء الانتخابات
وتساءل الباحث التركي: "كيف سيتم ضمان أمن صناديق الاقتراع في مناطق الشرق التي يسيطر عليها مسلحو حفتر؟.. هل يقبل حفتر بفوز عبد الحميد الدبيبة الأوفر حظا؟ بل هل ستقبل الأحزاب السياسية الأخرى بفوز القبائل الداعمة لحفتر بتهديد الناس وسرقة الأصوات؟".
وأكد أن الأجواء في ليبيا مفتوحة على كافة المعادلات، وسط دعم روسي لسيف الإسلام القذافي، ودعم إماراتي وفرنسي لحفتر، ومنع وصول الدبيبة إلى مناطق الشرق.
هل تسحب تركيا قواتها من ليبيا؟.. ما شروطها؟
الباحث التركي نجاة تاشجي أشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أنه قبل الحديث عن انسحاب القوات التركية من ليبيا، فيجب التطرق إلى وجود العديد من المليشيات المسلحة مثل الجنجويد و"فاغنر" الروسية وهم مجرمو حرب كانوا أدوات لروسيا وفرنسا والإمارات، وعليهم مغادرة البلاد.
وشدد على الوجود الشرعي للقوات التركية والتي جاءت بموجب اتفاق مع الحكومة الشرعية في ليبيا، ولا يمكن الحديث عن سحب القوات إلا إذا غادرت المليشيات غير الشرعية وتقديم طلب من الحكومة الشرعية بهذا التوجه.
اقرأ أيضا: الكشف عن اجتماعات بتركيا لبحث إخراج "المرتزقة" من ليبيا
وتساءل الباحث: "هل هناك أي قوى شرعية في البيئة الليبية يمكن أن تضمن التوازنات على الأرض وتحقيق ضمان استمرار الحكومة الشرعية؟ مشيرا إلى أن القوات التركية تعمل على تعزيز الهيكل العسكري للحكومة المعترف بها دوليا، ومن الخطأ مقارنتها بالمرتزقة ومجرمي الحرب.
وأضاف أن الجميع يعلم جيدا ماذا سيحدث في اليوم التالي لأي انسحاب تركي من ليبيا التي لا يتمكن رئيس وزرائها من الهبوط في مطار الشرق ويمنع من قوات حفتر.
وأوضح أنه في بيئة تتعرض فيها عائلات المنتقدين لحفتر للتهديد والاختطاف والقتل دون تمييز بين النساء والأطفال، سيكون من العبث الحديث عن انسحاب دولة مثل تركيا تدعم الحكومة الشرعية وإرساء الديمقراطية.
بدوره قال الكاتب التركي المختص بالشرق الأوسط، اسماعيل جوكتان، إن القوات التركية الموجودة في ليبيا ليس لديها مهام قتالية، وتقدم فقط الدعم التقني والاستخباراتي بموجب الاتفاق بين أنقرة وطرابلس.
وأكد أن موقف أنقرة واضح ويكمن في ضرورة إخراج كافة القوات الأجنبية من ليبيا بموجب اتفاق جنيف، كما أن وجود قواتها يستند إلى طلب من الحكومة الشرعية.
وأضاف أنه في الوقت الذي تطالب فيه بعض الجهات الدولية بسحب القوات التركية، فإن هناك مليشيات مقاتلة في صفوف قوات حفتر مثل الجنجويد وفاغنر الروسية ولم تنسحب من ليبيا حتى الآن.
ورأى أن القوات التركية لن تنسحب من ليبيا دون تنفيذ القرارات الدولية التي تنص على قيام الحكومة الشرعية بتمثيل كافة الليبيين وتوحيد المؤسسة العسكرية تحت مظلتها.
أردوغان يلمح لتطورات مع مصر ويؤكد تحسين العلاقة بالسعودية
الإمارات تفرج عن رجل أعمال تركي بعد اعتقال نحو 4 سنوات
وفاة مهندس تركي بمجال المسيرات تذكر بآخرين قضوا بظروف غامضة