في تهنئته الموجهة للاعبي المنتخب الجزائري لكرة القدم، بعد تغلبهم على نظرائهم القطريين وتأهلهم لنهائي بطولة كأس العرب، اكتفى الرئيس عبد المجيد تبون بكلمة مبروك واحدة يتيمة للأبطال، بديلا عن المليون ونصف مليون مبروك التي كان وجهها لنفس اللاعبين وهم ينهون لقاءهم في ربع النهائي منتصرين بضربات الجزاء على المنتخب المغربي. استحضار شهداء ثورة التحرير ومعها المفردات الحربية في التوصيف، لا ينفع إلا في مواجهة "جار السوء".
"جار السوء" ليست تصنيفا من "صحفي جزائري موتور" على صدر جريدة مغمورة، بل عقيدة جزائرية مترسخة في النظام السياسي وفلوله من الأحزاب. عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، كتب في تغريدة تلت تأهل المنتخب الجزائري إلى النهائي قائلا: "الفوز على الفريق المغربي مهم؛ لأننا أهديناه لفلسطين قضية العرب. والفوز على قطر ثمين؛ لأنه يؤهلنا لنهائي كأس العرب". العداء المستحكم بين البلدين ليس قصرا على النظامين القائمين، بل يتعداه لكثير من المنظمات والأحزاب والمثقفين والصحفيين وجزء عريض من المواطنين.
قبل أيام، قررت الجزائر الانسحاب من بطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة اليد التي كان منتظرا أن تقام بمدينتي العيون وكلميم بقلب الصحراء المغربية. الجزائر تعتبر المدن تلك مدنا محتلة من طرف قوات النظام المغربي. بدل معاقبة الفريق المنسحب، بعد تعويضه بكينيا، ارتأى الاتحاد الأفريقي للعبة، في تطور لافت، تأجيل البطولة إلى حين "إجراء فحص معمق للملف نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) الحالي". مقابلة المنتخبين أغلقت كل مقاهي الصحراء بأمر من المركز تفاديا لما قد تتسبب فيه المباراة من مناوشات. إغلاق لم يمنع أعدادا من الانفصاليين المؤيدين لجبهة البوليساريو من الخروج إلى الشوارع؛ احتفاء بانتصار الخضر على حساب البلد حيث يعيشون.
ولأن التظاهرات الرياضية صارت الأكثر تأثيرا في الجموع، لم يتوان الرئيس تبون من إدخال المغرب طرفا في "مؤامرة" مزعومة تستهدف جمال بلماضي ولاعبيه في آخر حوار له مع ممثلي الصحافة الجزائرية، وهو خطاب لا يختلف في شيء عن ادعاءات ساقها صحفي مغمور قبله، عن تورط الجار الغربي وهو يعلق على الحالة السيئة التي بدت عليها ملاعب الجارة الشرقية خلال الإقصائيات المؤهلة لكأس العالم قبل أسابيع. أما نصر الخضر، فيستحق تهنئة من الرئيس ومن رئيس أركان الجيش الشعبي ورئيس البرلمان.
يحلو لبعض مثقفي البلدين الجارين، رغم أنفهما، إجهاد النفس بالبحث في الصور واللقطات للتدليل على قيم الروح الرياضية والتآخي التي تجمع الشعبين. كما يجهدون النفس في التنظير لما يمكن للرياضة أن تؤديه في التقريب بين الشعوب والأمم بعيدا عن مماحكات وصراعات السياسيين. وعندما يضطر الكاتب المغربي أحمد المديني للرد على زميله الروائي الجزائري واسيني الأعرج، بعد مقال للأخير عنونه "كرة القدم، يوتوبيا السعادة الممكنة" على خلفية مباراة الجارين اللدودين، فاعلم أن الشرخ صار كبيرا ويصعب للجراح أن تلتئم بعد حين.
يقول أحمد المديني: "ما هكذا يا سي واسيني تورد الإبل، ما هكذا. ولا علاقة لليوتوبيا والدستوبيا بما ذكرت.. لسنا نحن المغاربة من أطلق النفير لمجرد مباراة عابرة، ولا رئيس دولتهم جيّش لها اللاعبين وهتف مباركا ضد الأعداء بالنصر المبين؛ حبَّذا لو نحافظ على شعرة معاوية من غير أن نمحو الحقائق، ومعها التاريخ الذي تعرف، بجرة قلم... نحن في المغرب الشعب والعرش واحد، وواهم من يراهن على غير هذا، والتاريخ الذي تحب ألف شاهد، إذا فتحنا فمه، أووه، سينطق بالعجب، وثق أن "جار السوء" كما وصفنا إعلامكم كله، الذي محت نشرة أحوال الطقس بقنوات الجار الشقيق ترابه، أي شعبه، من الوجود، لن يتخلى عن شعب الجزائر وثورة (الأحرار الخمسة)، وبالطبع، عن صديقنا واسيني الأعرج، الإنسان والكاتب".
بين أحلام المثقفين وطموحات الرياضيين وحسابات الساسة، تبين أن المباراة الفعلية بين منتخبي المغرب والجزائر كانت تدور خارج أسوار ملعب الثمامة القطري. وكما للجزائر والمغرب تاريخ حافل في الصراعات السياسية وقطع العلاقات، يملك البلدان تاريخا رياضيا بمحطات مثيرة تستحضرها الجماهير كلما كُتب للفريقين اللقاء.
دول الغرب لا تجد غضاضة في إعلان مقاطعتها الديبلوماسية للألعاب الأولمبية الشتوية القادمة في مسعى للضغط على البلد المضيف: الصين. عصر الحرب الباردة لم ينته، أما عصر الإمعان في استصغار الآخرين، فقد بدا واضحا ولا يزال في ما تقترفه أيدي بعض من الصحافة ومراكز الضغط للتأثير، بلا فائدة، في تنظيم الدوحة لأكبر تظاهرة رياضية عالمية بعد سنة من الآن. لن يغفر "الكبار" للـ"صغيرة" كيف تمكنت من افتكاك كعكة المونديال من بين أظافرها، ونجحت حتى اليوم في التحضير للحدث العالمي بحرفية واقتدار.
وبين أحلام المثقفين وطموحات الرياضيين وحسابات الساسة، تبين أن المباراة الفعلية بين منتخبي المغرب والجزائر كانت تدور خارج أسوار ملعب الثمامة القطري. وكما للجزائر والمغرب تاريخ حافل في الصراعات السياسية وقطع العلاقات، يملك البلدان تاريخا رياضيا بمحطات مثيرة تستحضرها الجماهير كلما كُتب للفريقين اللقاء. في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام 1979، تحولت المباراة بين الغريمين إلى نكبة وطنية بالرباط سنوات، فقط بعد استعادة المغرب لأقاليمه الصحراوية وقطع الجزائر لعلاقاتها معه احتجاجا.
ثمانية أهداف كاملة بين ذهاب وإياب كان فيهما للملك الراحل الحسن الثاني الكلمة الفصل في اختيار التركيبة البشرية وخطة اللعب التي تبين أن السياسة أفسدتها، قبل أن "ينتقم" المغرب لشرفه المهدور سنوات بعد ذلك في صفاقس التونسية (2004) في الأشواط الإضافية من اللقاء، وبعده بمراكش (2011) بأربعة أهداف نظيفة. هدف يوسف البلايلي الرائع لم يزد شهية المزايدين والمهيجين إلا اشتهاء، فاعتبروه صاروخا ضرب المغرب في استحضار لتوصيفات حربية ومعجم عسكري صار طاغيا في علاقات البلدين.
الآن وقد وضعت "الحرب الكروية" أوزارها أو تكاد، سيشجع المغاربة، لا محالة، منتخب الجزائر في مواجهة التونسيين. ولكل راغب في البحث عن تفسير عقلاني للأمر، أن يسارع إلى حجز موعد بعيادة نفسية أو مستشفى مجانين.
ستيفاني وليامز وقطار التسوية المتعثر في ليبيا
إعادة التموضع الإقليمي.. ما هي خطوة السعودية المقبلة؟