التفاعل الإيجابي مع قرار انتخاب الشيخ أسامة الرفاعي مفتيا عاما لسوريا كان كبيرا للغاية
السوريون شعروا لأول مرة منذ اندلاع الثورة أنهم استطاعوا اتخاذ قرار بعيد عن أي حسابات سياسية أو دولية
النظام السوري ألغى "مقام الإفتاء" وليس "منصب المفتي" وهنا يكمن الخطر
إلغاء "مقام الإفتاء" يأتي ضمن إطار حملات تغيير الهوية الثقافية لسوريا ويخدم إيران بشكل كبير جدا
كل فتوى ستصدر عن المفتي أسامة الرفاعي ستكون محل قبول عند السوريين لهذه الأسباب
النظام يعمل على طمس كل المعالم التي تدل على الانتماء للشريحة الأوسع للمسلمين السنة
النظام حوّل المؤسسة الدينية لما يشبه "الفرع الأمني" وطوّعها لتكون مسرحا للتنافس في خدمته
المجلس الإسلامي السوري يعمل دوما على تطوير أداءه وعمله ليكون صمام أمان لكل التيارات والشخصيات الوطنية
قال المتحدث
الرسمي باسم المجلس الإسلامي السوري المعارض، مطيع البطين، إن "التفاعل
الإيجابي مع قرار انتخاب الشيخ أسامة الرفاعي "مفتيا عاما للجمهورية العربية
السورية" كان كبيرا للغاية، حتى تجاوز هذا التفاعل الصعيد الداخلي لبلادنا، وجاء
هذا التأييد والالتفاف الواسع نحو هذا القرار عندما شعر السوريون أنهم - ولأول مرة
منذ اندلاع الثورة – استطاعوا أن يتخذوا قرارا بعيدا عن أي حسابات سياسية أو دولية".
ورأى، في مقابلة
خاصة مع "عربي21"، أن كل فتوى ستصدر عن الشيخ أسامة الرفاعي ستكون "محل قبول" عند السوريين الذين قال إنهم "مقتنعين ومؤيدين
لهذه الخطوة، ولديهم ثقة في المفتي وفي الآلية التي أوصلته لهذا المقام".
وأكد البطين أن
"النظام حوّل المؤسسة الدينية لما يشبه الفرع الأمني، ويحاسب كل من يخرج عن
الخط الذي يخطه، وطوّع تلك المؤسسة لتكون مسرحا للتنافس فيمن يخدمه أكثر، وترتب
على ذلك أن أصبح النظام يشرعن كل أفعاله الإجرامية، بما فيها العمل على تغيير
الهوية الثقافية لسوريا".
وفيما يلي نص
المقابلة:
برأيكم، ما الأسباب التي أدت لإقالة مفتي النظام السوري، أحمد بدر الدين حسون، وإلغاء منصبه تماما؟
لقد رأينا
تصريحات وزير الأوقاف التي يقول فيها إن منصب المفتي بدأ خلال عهد الدولة
العثمانية، وإنه ينبغي ألا يوجد هذا المنصب، وهذا غير صحيح، وقد وقع – بهذا
التصريح – في تناقض كبير؛ فإن كان الأمر كذلك فلماذا أبقاه النظام السوري لعشرات
السنين.
من جانب آخر:
فإن "إلغاء مقام الإفتاء" ليس من أجل شخص أحمد حسون، وإنما من أجل إلغاء
"المقام" ذاته، ونرى أن النظام أتخذ عدة خطوات تدريجية انتهت بهذا القرار،
وبدأت بتشكيل ما يسمى "مجلس الفقه العلمي"، ثم تحديد فترة زمنية لشغل
هذا المنصب، ثم "تعيين المفتي" من قِبل الدولة، بعد أن كان سابقا من
خلال اختيار العلماء.
هل تتوقع أن يقوم النظام في وقت لاحق بالتراجع عما فعله وتعيين "مفتيا جديدا" في البلاد؟
بعد الانتقادات
الواسعة التي تعرض لها النظام جراء هذه الخطوة، ظهر بوضوح تخبطه، وظهر ذلك جليا في
عدم وجود ردا مقنعا أو منطقيا لدى المتحدثين باسم النظام في هذا الموضوع، مثل وزير
الأوقاف محمد عبد الستار السيد.
وبناء على
التصريحات التي خرجت فأنا لا أعتقد أن النظام سيتراجع ويسمِي شخصا آخر لمنصب
الإفتاء، وإنما سيمرر ويستخلص القرارات المتعلقة بالجوانب الدينية أو القضاء
الشرعي بوجه عام من خلال ما يُسمى بـ "مجلس الفقه العلمي".
كيف تابعتم ردود الفعل المختلفة عقب انتخاب الشيخ أسامة الرفاعي مفتيا عاما لسوريا؟ وما حجم الالتفاف والتأييد لهذه الخطوة؟
التفاعل
الإيجابي مع قرار انتخاب الشيخ أسامة الرفاعي كان كبيرا للغاية، ليس فقط من جانب
المختصين في الشأن الديني، بل من قِبل العديد من الجهات والشخصيات والمؤسسات
الوطنية، حتى تجاوز هذا التفاعل الصعيد الداخلي لسوريا.
وقد جاء هذا
التأييد والالتفاف الواسع نحو هذا القرار عندما شعر السوريون أنهم - ولأول مرة منذ
اندلاع الثورة – استطاعوا أن يتخذوا قرارا بعيدا عن أي حسابات سياسية أو دولية أو
غير ذلك، وهو ما ميّز هذه الخطوة.
ولماذا تأخرتم في اتخاذ هذه الخطوة؟ وما الذي دفعكم إليها اليوم؟
يجب أن نفرق في
البداية بين "منصب المفتي" و"مقام الإفتاء"، فإذا كان الحديث
عن "المنصب" فهذا يعني الوظيفة، وهي مرتبطة بالحاكم، وكثير من الشخصيات
تحرص عليها؛ فالوظيفة لها مقابل مادي وغيرها من المزايا المرتبطة بالمناصب، لكن ما
قام به المجلس الإسلامي السوري، ومجلس الإفتاء السوري، متعلق بكلمة
"مقام"؛ لأن النظام ألغى "المقام" وهنا يكمن الخطر، فلا يلتفت
أحد لإقالة شخص أحمد حسون، لأن هذا "منصب" عارض، لكن عندما قام النظام
بالاعتداء على "الرمزية" أو المكانة ذات الدلالة والبُعد الثقافي
والتاريخي تحرك المجلس، لا من أجل "المنصب"، وإنما من أجل
"المقام" الذي يُعبّر عن لون وعمق الانتماء لسوريا، وهذا هو السبب
الحقيقي للتحرك.
ولا ينبغي أن
يُقال إن المجلس تأخر، أو تحرك بسبب إقالة أحمد حسون، أو أننا نبحث عن ملء المنصب،
وإنما هناك عدوان مشابه لما يحدث على الأرض من تغيير ديموغرافي، وتهجير وغير ذلك،
فهناك "شرعنة" لإلغاء مقام الإفتاء؛ عندئذ المجلس الإسلامي رأى أن من
الواجب التاريخي أن ينبه لهذا الأمر، وأن يقوم بإعادة الأمور لنصابها التاريخي.
كيف سيفعّل هذا القرار - برأيكم - على أرض الواقع، خاصة في ظل الخلافات بين النظام والمعارضة، بل وبين الأخيرة وبعضها البعض؟
المسألة ليست
متعلقة بالخلاف بين النظام والمعارضة، أو بين المعارضة وبعضها، وإنما متعلقة
بمقدار ثقة السوريين بالمفتي، والآلية التي أوصلت المفتي لهذا المقام؛ فإذا كان
السوريون مقتنعين ومؤيدين لهذه الخطوة – وهذا الذي بدا وأتضح جليا – فبالتأكيد كل
فتوى ستصدر عن المفتي ستكون محل قبول عند السوريين.
وباستقراء أكثر
المناطق متابعة ومشاهدة لقرار اختيار المفتي كانت في دمشق، وفي المناطق التي يسيطر
عليها النظام، وفي ذلك دلالة على الفرق الكبير بين الحالة التي كان يغتصب فيها
النظام مقام الإفتاء وصولا إلى إلغائه؛ فالناس لم يكونوا يستمعون لما يقوله أحمد
حسون؛ لعلمهم أنه مجرد "ختم" لما يصدره ويقوله النظام، وبين ما نحن عليه
الآن، فالمفتي حرٌ في قراره بعيدا عن الإملاءات، وإنما يبني فتواه على المصادر
الشرعية، ومصلحة أهل البلد، وتقوم الفتوى على هذا الأساس، وهذا هو التفعيل الحقيقي
بعيدا عن الخلافات، والتجاذبات البينية.
البعض يرى أن إلغاء منصب المفتي جزء من ترتيبات النظام لما بعد الثورة وما يصفه بالنصر الذي حققه من وجهة نظره.. ما مدى صحة ذلك؟ وما حقيقة ما يُقال حول علاقة إيران بمثل هذا القرار على اعتبار أن "الحسون" ينتمي للمذهب السنّي؟
رأينا كيف تكلم
رأس النظام عما يُسمى "سوريا المتجانسة" بعد موجات التهجير والقتل،
ورأينا أيضا التدخل الإيراني بعمق في جميع المؤسسات السورية، وعلى رأسها المؤسسة
الدينية، ورأينا حملات تغيير الثقافة من خلال التوسّع في بناء الحوزات،
والحسينيات، والمقامات وغير ذلك، وبالتأكيد إيران تعمل على ترسيخ هذا الوجود، لذا
كان إلغاء "مقام الإفتاء" يصب في دعم هذا المنحى والاتجاه، ويخدم إيران
بشكل كبير جدا، ومعروف تجربة إيران في لبنان، ومحاولات العمل على السيطرة على
الدولة ومؤسساتها، وكذلك في سوريا من خلال زيادة الوجود التابع لإيران المُتمثل في
الميلشيات والحوزات وما يُسمى الحج للمقامات، والآن السيطرة على المؤسسة الدينية
وطمس كل المعالم التي تدل على الانتماء للشريحة الأوسع للمسلمين السنة، فبالتأكيد
هذا الأمر تسعى إليه إيران وتعمل عليه منذ زمن طويل جدا.
من وجهة نظركم، كيف استغل النظام السوري دار الإفتاء وبعض رجال الدين في الترويج لممارساته وانتهاكاته "القمعية"؟ وما مدى سيطرته اليوم على المؤسسة الدينية في البلاد؟
بالطبع النظام
حوّل المؤسسة الدينية لما يشبه "الفرع الأمني"، ويحاسب كل مَن يخرج عن
الخط الذي يخطه بيديه، ثم رأينا التنافس بين المفتي ووزير الأوقاف في خدمة ضباط
الأمن، بل ورأينا التخريف الذي وقع فيه أحمد حسون في تفسير القرآن الكريم من أجل
إرضاء سيده، لكنه وقع في شر أعماله؛ فالنظام لم يبق أي شخصية في الأوقاف لها مساحة
أو قدر من الحرية أو المخالفة، وطوّع المؤسسة لتكون مسرحا للتنافس فيمن يخدم
النظام أكثر، وترتب على ذلك أن أصبح النظام يشرعن كل أفعاله الإجرامية، بما فيها
العمل على تغيير الهوية الثقافية لسوريا.
"الحكومة السورية المؤقتة" باركت خطوة انتخاب "الرفاعي"، معتبرة أن "الأكثرية السنية تعبّر عن هوية سوريا الحضارية ووجهها الأصيل".. فهل الأكثرية السنية هي التي تعبّر عن هوية سوريا بالفعل؟
المجلس الإسلامي
السوري لا يتكلم بلغة أكثرية وأقلية، ولا بلغة الطوائف، ولا المحاصصة، وإنما يتكلم
من الناحية الثقافية والتاريخية، ويتكلم عن الحضارة، وأهم الحضارات التي قامت في
سوريا هي حضارة الأمويين، ويهتم بالبعد العربي من حيث الثقافة واللسان وليس
المسألة القومية، يتكلم عن الشريحة الأكبر في سوريا، لا عن طوائف ومحاصصات، وإنما
بلغة الواقع.
ما حجم وتأثير الشيعة في سوريا اليوم؟
السوريون لم
يكونوا يتعاملون فيما بينهم من منطلق سنة وشيعة، وطوائف، لكن المشكلة عند أولئك
الذين انحازوا للأجنبي المحتل الإيراني، ووقفوا معه على أساس طائفي، فهؤلاء يجب أن
يُنظر إليهم باعتبارهم خارج الوطن؛ لأنهم خالفوا هذا التنوع، وعملوا على تغيير
الهوية، وفتحوا أيديهم وتعاونوا مع المحتل، لذلك عند الحديث عن الهوية يجب التأكيد
على هذا المنطلق: مَن الذي ساهم في التهجير، والقتل، وبث روح الطائفية، وتغيير
ثقافة البلد ودينها، وهويتها، وتاريخها؟، هذه هي المسألة بشكل صحيح وواضح.
تم الإعلان عن تأسيس المجلس الإسلامي السوري خلال شهر نيسان/أبريل 2014.. فما تقييمكم لمجمل أداء المجلس؟
المجلس الإسلامي
السوري مؤسسة ليست معصومة، يجتهد اجتهادا جماعيا، ويراجع كل فترة الأداء، ويجد أنه
وفّق في كثير من الأحيان، ووجد في بعض الأحيان تقصيرا، أو يرى بأنه كانت هناك
إمكانية للعمل بشكل أفضل.
ما صحة ما قيل حول وجود خلافات بداخله في الوقت الراهن؟
هناك مَن يعمل
على تضخيم مسألة التنوع أو المدارس المختلفة، ويصور الأمر بأن هناك صراعات داخل
المجلس الإسلامي السوري، وأعتقد أن توصيف التنوع بـ "الخلافات الداخلية"
غير دقيق، بل هناك مدارس متنوعة، ولا يوجد "تطابق"، وإلا لم تكن هناك
حاجة لإنشاء مظلة جامعة، ولكن هناك قدرا كبيرا من المشتركات، والمتفق عليه، وتقديم المصلحة
العامة، وتغليب العمل على بقاء هذه المظلة، وهذا هو الهدف الأهم الذي كان من أجله
المجلس الإسلامي السوري.
متى سينتقل تواجد "المجلس الإسلامي السوري" إلى داخل سوريا؟ وما مستقبله برأيكم؟
المجلس موجود في
الداخل السوري وبقوة، وذلك من خلال أعضاء الهيئة العامة، وأعضاء الأمانة العامة،
من خلال المكتب، من خلال الروابط المُشكّلة للمجلس الإسلامي السوري، ومن خلال
العديد من الهيئات التابعة للمجلس، ومن شخصيات مستقلة.
أما الانتقال:
فالأصل أن يكون مقر هذا المجلس في دمشق، لكن دمشق الآن محتلة، وهذا عمل كل
الوطنيين وكل الشرفاء السوريين، حتى يعود المجلس، ويعود أهل العلم والدعاة إلى
البلد التي هُجّروا منها.
وفيما يتعلق
بمستقبل المجلس الإسلامي السوري، بالتأكيد نعمل دوما على أن يطور المجلس أداءه
وعمله وحضوره، وأن يكون صمام أمان لكل التيارات ولكل السوريين الوطنيين، وفق هذه
الرؤية بالتأكيد مستقبل المجلس الإسلامي السوري أمر مهم، وكل مَن يفكر في سوريا
ذات انتماء وهوية وأصالة، ينبغي أن يكون حريصا على بقاء مؤسسة مثل المجلس الإسلامي
السوري، والتي تُشكّل حالة مرجعية لكل السوريين.